'سيرة قرون من الحكايات'.. معلومات عن جسر المسيب التاريخي

آخر تحديث 2021-10-20 00:00:00 - المصدر: NRT عربية

يعد جسر المسيب من أشهر الجسور في العراق، وتم إنشاؤه من خشب على مرحلتين في العهد العثماني عام 1768 بطريقة عسكرية حربية، خوفا من اندلاع ثورة في منطقة الفرات الأوسط والهجوم على المعسكر الذي توجد فيه القوات العثمانية.

هذا الجسر تم إعماره وتحويله إلى جسر حديدي في زمن الاحتلال الإنجليزي عام 1937، ولم يزل على حاله يتوسط مدينة المسيب شمال محافظة بابل، على بعد 60 كلم جنوب العاصمة بغداد.

وقد جاءت شهرته من الأغنية الذائعة الصيت التي يتغنى بها العرب، وغناها مطرب العراق الأول ناظم الغزالي "على جسر المسيب سيبوني"، كما غناها مطرب المقام العراقي يوسف عمر، وأيضا الفنان كاظم الساهر.

والجسر الذي أسس بمنعطفين على نهر الفرات يشكل زاوية حادة، لا يمكن معها على مد البصر رؤية مجراه، مما جعله يشهد أحداثا متنوعة.

جسر المسيب أسس بمنعطفين على نهر الفرات ليشكل زاوية حادة لا يمكن معها على مد البصر رؤية مجراه (الجزيرة)

المكان والأسباب

تشتهر مدينة المسيب التي تعد من أكبر المدن في محافظة بابل جنوب العاصمة بغداد، بجسرها الذي يقع على نهر الفرات، والذي لم يكن مجرد جسر، بل هو مجموعة حكايات تمتد إلى ما بين 3 و4 قرون، حيث تم إنشاؤه بطرق عديدة، وإن كان أساسا لمنفعة للناس، لكنه أيضا كان يحمل واقعا سياسيا.

وهو ما يؤكده الباحث عباس الجبوري المهتم بتاريخ وتراث مدينة المسيب، قائلا إن هذا الجسر مر بـ3 مراحل، الأولى حين تم إنشاؤه عام 1768 من قبل العثمانيين، وكان عبارة عن مجموعة قوارب مشدودة بحبال وضعت فوقها ألواح خشبية، ليكون قادرا على حمل الناس وعبورهم.

وأضاف أن مكان الجسر يثير الأسئلة، حيث تم إنشاؤه بعد منعطف حاد تكون فيه مياه النهر قوية الأمواج، يوم كان الفرات عريضا، حتى إذا ما حصل عصيان أو تمرد يتم قطع الحبال.

ويذكر الجبوري أن القوارب المربوطة تعرضت لموجة مياه يطلق عليها "خنياب"، أدت إلى قطع الحبال وغرق بعض العابرين عليه.

وعن محطات وأحداث الجسر الأخرى، يذكر أن الجسر عبر عليه الرحالة كارستن نيبور عام 1768، وقد ذكره في رحلته، كما ذكر الجبوري حادثة أخرى وهي أن إحدى القبائل تمردت عام 1817 على الوالي العثماني الذي جهز قوة بقيادة الخازن آغا، وقد تم الاشتباك مع تلك القبيلة في منطقة جرف الصخر التي تقع شمال مدينة المسيب وتم قطع الجسر حتى لا تصل الإمدادات إلى القرية.

الجسر لم يبق بصيغة القوارب المربوطة، حين حصلت المرحلة الثانية من تحولات الجسر، ويقول الجبوري إنه إبان حكم العراق من قبل الوالي المملوكي داود باشا عام 1831، قام هذا الوالي بتعيين أحمد آغا متوليا على المدينة، وقام هذا المتولي ببناء جسر خشبي لكنه لم يغير مكانه وجعله مكان جسر القوارب، وكانت المآرب الأخرى باقية حيث يقع الجسر عند انحناءة النهر الذي يكون جريان مائه أقوى وأسرع.

ويمضي الباحث الجبوري ذاكرا أهم الأحداث، فيقول إنه في أيام ثورة العشرين المعروفة، قال قائد القوات البريطانية في العراق الجنرال "هولدن" جملة مشهورة: "إن الاستيلاء على المسيب يمكننا من فرض سيطرة مائية، وسنعبر نهر الفرات بيسر"، حيث توجهت جيوش الاحتلال الإنجليزي إلى مدينة المسيب من جهتها الشرقية من الطريق الرابط بين بغداد ومدينة الحلة، مركز محافظة بابل حاليا. وعند تقدم هذه القوات تصدى لهم ثوار المسيب من عشائرها مستغلين البساتين الزراعية، فأوقفوا تقدم الجيش، ولولا نفاد الذخيرة لما اضطروا للانسحاب وحرق الجسر بعد عبور النهر إلى الضفة الغربية، لتستمر المناوشات بين الثوار وقوات الاحتلال عبر النهر، مما أدى إلى إيقاف الإمدادات بين المسيب وكربلاء.

بناء الجسر الحديدي

تبدأ المرحلة الثالثة للجسر في عهد الملك غازي، حيث قامت شركة "برتيشويت المحدودة" الإنجليزية بإنشاء الجسر عام 1937. ويشير الجبوري إلى أن فكرة الجنرال هولدن قد تكون حاضرة حين تم تنفيذ الجسر وما حصل في ثورة العشرين، حيث جعلت الشركة للجسر ذاته عند ضفتي النهر انعطافتين خطرتين من جهتين، ولم تجعله بصورة مستقيمة رغم وجود مساحات واسعة في المنطقة.

ويذكر الجبوري أن سبب الانعطافتين هو من أجل أن تكون رؤية الطريق صعبة لمن يريد العبور في حينها، لكن الفكر العسكري كان طاغيا باعتبار السيطرة على المسيب هي سيطرة على الفرات الأوسط.

وعن الجسر الحديدي، يبين الجبوري أنه كان الأول من نوعه الذي لم يزل كما هو على حاله منذ 84 عاما، لم يتغير منه شيء إلا البوابة التي تم وضعها في وسط الجسر لعبور السفن العالية لنقل البضائع، حيث كانت هناك دائرة خاصة لهذه البوابة حملت اسم "دائرة الجسارة" لمراقبة ومرور السفن، منبها إلى أن البوابة لم تعد تعمل "لارتطام سفينة حمولات بالجسر عام 1954 بسبب سرعة التيار وقوته، والحصيلة تعطل جزء من البوابة".

أغان وحكايات

لم يكن جسر المسيب مهما في الواقع السياسي فحسب، لكنه كان مدار أغنيات صدحت بها حناجر المطربين العراقيين المعروفين، كما يقول الباحث في الشأن التاريخي للمدينة غايب المسعودي، ويضيف أن مكان الجسر الذي يقع بين منعطفين شمالي وجنوبي فضلا عن المكان الزراعي والخضرة الخلابة والبساتين العامرة، وكونه من أوائل الجسور في العراق، جعل منه مثار اهتمام للناس.

ويضيف أن الأغنية العراقية الأشهر لا في العراق فحسب بل في الوطن العربي، هي أغنية "ميحانة ميحانة" التي غناها المطرب الكبير ناظم الغزالي، ويرد فيها ذكر جسر المسيب حين يقول "على جسر المسيّب سيّبوني"، أي ترَكوني، وبين أن لهذه الأغنية حكايات عديدة تشبه حكايات الجسر، حيث ذكرت 3 قصص أو روايات.

ويشير إلى أن الحكاية الأولى تقول إنه قبل عام 1920، حين كان الجسر خشبيا، كانت هناك زفة عرس وعبرت العروس، إلا أن الجسر تحرّك فغرقت، فقال العريس هذه الكلمات "على جسر المسيّب سيبوني"، لتتطور بعدها ضمن الفلكلور.

ويتحدث عن الحكاية الثانية، فيقول إنه كان هناك شاب من أهالي بغداد مصاب بمرض الكآبة بسبب حبه لفتاة لم يقبل أهلها بالزواج منها، فنصحه الطبيب بالعيش في مكان فيه خضرة وماء، فاختار المسيّب لوجود أقارب له فيها، ولأن الشباب يمرون بشكلٍ يومي على الجسر ويقف ساعات طويلة، سأله البعض عن أسباب هذا الوقوف فقال هذه الكلمات "على جسر المسيب سيبوني".

وعن الحكاية الثالثة، قال إنها الأقرب إلى الواقع والتصديق كونها تتضمن كل كلمات الأغنية، ويسرد الحكاية بقوله إن هناك صديقتين إحداهما اسمها ميحانة والأخرى نجمة، تقمن يوميا بغسيل الأواني على النهر كما هي الحال في ذلك الزمان، ويشير إلى أن هناك صياد سمك اسمه عبد الله يوميا يقول شعرا ويغني ويمنح الفتاتين سمكا، فحصلت علاقة بينه وبين نجمة، لكن عبد الله غاب في يوم من الأيام فسألت صاحبتها ميحانة جملة تحولت إلى أغنية مشهورة: "ميحانة ميحانة، غابت شمِسْنا الحلو ما جانا" أي لم يأتِ، وحين سألت عنه أخبروها أنه مات بحادث، ويعتقد أنه غرق.

وهذه الأغنية غناها كذلك مطرب المقام العراقي المشهور يوسف عمر، وغنّاها قيصر الغناء العراقي كاظم الساهر، مثلما غنّتها أيضا المطربة العربية يسرى محنوش.

 

N.A