يبدو أن اتفاق العراق مع الصين والمعروف باسم "النفط مقابل الإعمار"، الذي أُعلن عنه للمرة الأولى عند زيارة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي إلى بكين في سبتمبر (أيلول) عام 2019، تُرجمت أولى خطواته في عهد حكومة مصطفى الكاظمي عبر مشاريع بناء المدارس لسدّ حاجة البلاد منها، بعد أن صادق مجلس الوزراء العراقي على إحالة 1000 مدرسة لبنائها من قبل شركات صينية، وهي بذلك بدأت أولى الخطوات نحو تنفيذ الاتفاق مع بكين ليتم حل جزء كبير من أهم المشكلات التي يعاني منها العراقيون، وهي الاكتظاظ الهائل للطلاب في المدارس بسبب النقص الكبير في الأبنية المدرسية، الأمر الذي يضطر إداراتها إلى أن يكون دوام الطلاب على فترات متعاقبة تصل إلى ثلاث في بعض الأحيان، كحل لاستيعاب أكبر عدد ممكن منهم.
16 ألف مدرسة في العراق
وفي إحصاء للجهاز المركزي للاستفتاء التابع لوزارة التخطيط، فإن عدد المدارس الابتدائية الحكومية والأهلية والدينية بلغ 15965 مدرسة ابتدائية لعام 2017-2018، مبيّناً أن "المدارس الحكومية تشكل نسبة 93.3 في المئة والأهلية نسبة 6.5 في المئة والمدارس الدينية نسبة 0.2 في المئة".
وبحسب وزارة التربية، فإن العراق بحاجة لأكثر من 12 ألف مدرسة لاستيعاب أعداد الطلاب الذين يقارب عددهم 11 مليون طالب في المراحل كافة.
ويقول المسؤولون العراقيون إن العقد الذي سيوقّع مع الصين سيحل جزءًا من المشكلة التي تعاني منها البلاد والمتعلقة بنقص حاد في الأبنية المدرسية.
شركتان صينيتان
وأعلن المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد أن شركتين صينيتين ستتوليان بناء 1000 مدرسة في عموم العراق ضمن إطار الاتفاقية العراقية - الصينية، مشيراً إلى أن توقيع العقد سيجري خلال الأسبوعين المقبلين.
وأضاف أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء كُلّفت بالإدارة التنفيذية لمشروع المركز الوطني لبناء المدارس، وبذلك تولّى المركز الوطني للاستشارات الهندسية وضع التصاميم لهذا المشروع على أن يأخذ الطابع الحديث وأن تُراعى فيه المواصفات العالمية الحديثة".
وأضاف "رئيس مجلس الوزراء صادق على ثلاثة تصاميم من بين عشرة وُضعت من قبل المركز الوطني للاستشارات الهندسية، وتم اعتمادها أساساً في المباحثات مع الجانب الصيني".
خططنا لبناء 7000 مدرسة
وتابع مجيد "فاتحنا الشركات الصينية الحكومية ومن خلال وزارة الخارجية بعد تخصيص أراضٍ لإنشاء تلك المدارس في المحافظات، للمباشرة ببناء 1000 مدرسة كمرحلة أولى من بين 7000 مدرسة، بناء على ما تم التخطيط له".
وتتضمن الاتفاقية مبادلة عائدات النفط بتنفيذ المشاريع في العراق وتمتد الاتفاقية لـ20 عاماً، وتركز على مشاريع البنى التحتية، مثل المدارس والمستشفيات والطرق والكهرباء والصرف الصحي، وتُحدد من خلال وزارة التخطيط، بالتنسيق مع مجلس الوزراء.
وأشار الى أن "مجلس الوزراء أصدر قراراً يقضي بإحالة المشروع إلى شركتين صينيتين، ونحن في طور إعداد المسودة النهائية للعقد، وخلال أسبوع أو اثنين سنوقّع عليه"، مؤكداً أنه سيُطبق وفق إطار الاتفاقية العراقية – الصينية، وكل الإجراءات القانونية والإدارية اكتملت".
وخلص مجيد إلى أنه بعد إكمال صيغة العقد، ستُذكر الفترة الزمنية لإنجاز المدارس، والشركتان ملزمتان بهذه المدة التي سيُتفق عليها.
ووفق التوصيات التي أعلنها مجلس الوزراء، يحال تنفيذ المدارس إلى الشركات الصينية ومنحها سلفة تشغيلية لا تزيد على 10 في المئة لقاء خطاب Sinotec وPower China، ضمان من مصرف معتمد، فيما حدد مجلس الوزراء أن يكون الإشراف والارتباط للإدارة التنفيذية بالأمانة العامة لمجلس الوزراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أموال برنامج الإعمار ستصل إلى مليار دولار
بدوره، بيّن المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح أن الشركات الصينية التي ستتولى بناء المدارس ستكون من كبريات المؤسسات الصينية، وستنجز العمل بثلث الوقت المعتاد المستغرق لبنائها، مشيراً إلى أن الأموال المتراكمة في برنامج الإعمار مقابل النفط تقارب مليار دولار نهاية هذا العام.
ويضيف صالح لـ"اندبندنت عربية": "الشركات الصينية التي ستتولى تنفيذ المشروع هي من الشركات الحكومية المتخصصة في مجالات البنية التحتية، وهي من أكبر الشركات المنفذة لمثل هذه المشاريع في العالم من حيث الخبرة والتكنولوجيا، ولها أذرع عمل كبيرة في بناء المدارس لمختلف الفئات العمرية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ولا توجد أصابع وسيطة أو منتفعة ربما تؤدي إلى تضخيم التكاليف".
وأردف "الأموال المخصصة لتغطية تكاليف مشروع المدارس هي من عوائد برنامج النفط مقابل الإعمار، بحسب آلية الاتفاق العراقي – الصيني، إذ نص اتفاق إطار التعاون على إيداع عوائد ثلاثة ملايين برميل نفط شهرياً من بين إجمالي صادرات بغداد إلى بكين، لتودع في حساب الاستثمار الخارجي الممسوك من البنك المركزي العراقي لمصلحة حكومة العراق"، لافتاً إلى أن أموال الحساب في تزايد شهري مستمر، واستناداً إلى ظاهرة ارتفاع أسعار النفط الحالية، فإن مبالغ الصندوق تزداد بواقع 250 مليون دولار شهرياً وبشكل تراكمي، لا سيما خلال الأشهر الخمسة الأخيرة أي تاريخ دخول الاتفاق حيز التفعيل، ليقارب المبلغ مليار دولار نهاية عام 2021.
ولفت المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء إلى أن آليات السداد والدفع لتغطية تكاليف إنتاج وحدات الأبنية المدرسية، تخضع إلى إشراف ومتابعة وتدقيق واحدة من كبريات شركات المحاسبة والتدقيق في العالم، التي عيّنتها الحكومة العراقية لهذا الغرض.
ويرى صالح أن الأبنية المدرسية ستدخل عصراً معمارياً ورقمياً جديداً من حيث التصميم والتجهيز، يليق بمستقبل أجيالنا التي تعرّضت لسوء التنمية البشرية خلال الأعوام الأربعين الأخيرة، وستنتشر في المحافظات الأكثر حاجة لها.
مصانع موقعية مدخلاتها عراقية
ويؤكد أنه سيتم تأسيس مصانع موقعية لعمليات إعداد مواد التشييد وأن مدخلات الإنتاج ستكون عراقية من عمل ومواد أولية، إلا بعض الاستثناءات الأساسية من مواد وخبرات التقنية.
اختزال الوقت
ولفت إلى أن التنفيذ سيكون على شكل مراحل ولن يستغرق أكثر من ثلث الوقت المعتاد لبناء المدارس وبكفاءة وإنتاجية عاليتين.
8000 مدرسة تفي لفك الخناق
وزارة التربية من جانبها، تؤكد أنها بحاجة إلى أكثر من 8000 مدرسة لفك الخناق و"سنتحلص من الدوام الثنائي والثلاثي"، فيما أشارت إلى أن عدد الطلاب يبلغ أكثر من 11 مليون طالب في المراحل التعليمية كافة.
ويقول المتحدث باسم الوزارة حيدر فاروق: "العراق بحاجة إلى 8000 مدرسة لفك الاختناق بالدوام الثنائي والثلاثي والمدارس الكرفانية، وأن الـ1000 مدرسة جزء بسيط من الحاجة الفعلية، إلا أنه أمر جيد، لا سيما أن هذه المدارس نموذجية تضم المرافق كافة من مختبرات وساحة ألعاب ومراسم وقاعات امتحانية خاصة".
11 مليون طالب بالمراحل كافة
ويلفت إلى أن أعداد الطلبة تتزايد كل عام، بحيث وصل عددهم في المراحل الدراسية كافة من الأول الابتدائي إلى الدراسة الثانوية والمهنية، لنحو 11 مليون طالب، وبذلك نحن بحاجة مستمرة للمرافق كل عام، موضحاً أنهم بحاجة لأكثر من 12 ألف مدرسة لتكون الصفوف نموذجية في أعداد الطلبة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أعلنت في مايو (أيار) 2019، عبر بيان لها أن 50 في المئة من المدارس "بحاجة إلى التأهيل والترميم"، وأشارت إلى أن نقص "المدارس والكوادر التربوية والتعليمية في العراق أسفر عن ازدحام الصفوف المدرسية بالتلاميذ، ويعاني الأطفال من أجل التعليم، حتى اضطر عدد كبير منهم إلى ترك مقاعد الدراسة".