يمضي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي فازت كتلته في الانتخابات العراقية التي جرت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بحسب مراقبين، في خطواته للحد من نفوذ الجماعات والميليشيات المسلحة الموالية لإيران وإحراجها أمام المجتمع العراقي، مستغلاً تراجع شعبيتها بشكل كبير وخسارتها لغالبية مقاعدها في البرلمان العراقي.
وكان إعلانه في 29 أكتوبر الحالي غلق كل مقار "سرايا السلام"، الجناح العسكري للتيار الصدري باستثناء خمس مدن خلال 15 يوماً، يمثل رسالة واضحة للجهات المسلحة كافة بضرورة غلق مقار أجنحتها العسكرية في مدن الوسط والجنوب.
استثناء أماكن العتبات الشيعية
وقال الصدر في بيان صحافي إنه قرر غلق كل مقار "سرايا السلام" عدا محافظات النجف وكربلاء وصلاح الدين (سامراء) والعاصمة بغداد.
وتتركز المراقد والعتبات المقدسة لدى المسلمين الشيعة في مدن النجف وكربلاء وسامراء وبغداد.
وأضاف البيان أن الصدر يمنع أي مقر أو حمل سلاح في غير هذه المحافظات بل وفي المحافظات المقدسة أيضاً (كربلاء والنجف) إلا بالتنسيق مع القوات الأمنية.
وأوضح الصدر أن هذه الخطوة تأتي كبادرة "حسن نية" و"لتكون درساً في السياسية من جهة وإدارة الدولة من جهة أخرى، ودفعاً لما يشيعه البعض عني بأني أدير الدولة وأسيّس العباد بواسطة الميليشيات".
حشد السيستاني والصدر
وعقب سيطرة تنظيم "داعش" على مساحات واسعة من الأراضي العراقية في يونيو (حزيران) 2014، شرّعت الدولة عمل الميليشيات من أجل محاربته وشرّعت قانون هيئة "الحشد الشعبي" كإطار قانوني لتكون جزءًا من المنظومة الأمنية العراقية.
وتنقسم الفصائل الشيعية إلى ثلاثة أقسام، الأولى تابعة للمرجع الأعلى علي السيستاني، يبلغ عدد منتسبيها نحو 20 ألف مقاتل وتمتلك عشرات الدبابات والمئات من العجلات القتالية، وتضم كل من فرقة "العباس" القتالية و"لواء علي الأكبر" و"لواء أنصار المرجعية" و"فرقة الإمام علي القتالي"، وهي مرتبطة حالياً بمكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية بعد انفصالها عن هيئة "الحشد الشعبي" وتشكيلها لما يُسمّى بـ"حشد العتبات".
أما القسم الثاني منها، فهي "سرايا السلام" المكونة بحسب الإحصاءات الرسمية من 30 ألف مقاتل، ويشرف عليها بشكل مباشر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهي تتبع للقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية.
ويمثل القسم الثالث فصائل مسلحة تتبع لـ"بدر" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام" و"كتائب حزب الله" و"سرايا الخراساني" و"لواء بابليون" و"الحشد التركماني" و"لواء الشبك" و"لواء الكرد الفيلين" وحشود العلم والحويجة والشرقاط.
الصدر ينفذ برنامجه الحكومي
وقال مدير مركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز عبد الحميد إن أوامر الصدر تنفيذ لخطابه بعد فوزه في الانتخابات، بنزع سلاح المجاميع المسلحة، وهي رسالة لبقية الفصائل لتسليم أسلحتها، مشيراً إلى أن أنصاره ستلتزم أوامر الصدر.
واعتبر أن أوامر الصدر بإغلاق مقار "سرايا السلام" هي تأكيد على خطابه الأول الذي شدد بموجبه على نزع السلاح من جميع المجاميع المسلحة، والذي رفضه بعض الفصائل المسلحة التي أعربت عن دهشتها "بهذه الفقرة من الخطاب".
وأكد الصدر، في خطاب متلفز بعد فوز كتلته بأكبر عدد من المقاعد خلال انتخابات البرلمان العراقي الأخيرة، أنه لن يسمح بالتدخلات على الإطلاق، داعياً إلى حصر السلاح بيد الدولة ومنع استخدامه خارج هذا الإطار ممن يدّعون المقاومة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحول إلى حزب مدني
وأوضح عبد الحميد أن الصدر لا يحتاج إلى هذه المقار في الفترة المقبلة لأن تياره سيتحول إلى حزب مدني خالٍ من الميليشيات ومظاهر السلاح، لافتاً إلى أن أوامره هي رسالة للفصائل كافة التي اشتركت في الانتخابات والتي تملك السلاح، بأن تسلّمه إلى الدولة أو إغلاق مقارها التي هي خارج "الحشد الشعبي" العراقي، لأن الحشد هو جزء من منظومة وزارة الدفاع في الوقت الحاضر.
وأشار إلى أن بعض الفصائل المسلحة ليس ضمن المنظومة الأمنية الموحدة، وينفرد بخصوصية، تحديداً في العمليات النوعية خارج الحدود وتسليحها وأخذ أوامرها العسكرية.
حماية العتبات الشيعية
وتابع عبد الحميد أن الصدر يعرف استراتيجية المرحلة المقبلة وهو يلعب اللعبة بذكاء، واستثنى محافظات كونها تضم مراقد دينية مثل بغداد التي تضم مرقد الإمامين الكاظمين، وصلاح الدين التي تضم سامراء حيث المرقدين العسكريين ومراقد أخرى في النجف وكربلاء، مبيّناً أن شعاراته دائماً تتحدث عن المحافظة على هذه المراقد، وانفردت ألويته في حماية تلك العتبات، لا سيما سامراء حيث مرقد العسكريين، إذ تولّت فصائله حمايتها بعد تفجير قبة المرقدين وكذلك الحفاظ على أمنها بعد طرد "داعش" عام 2014.
وكان لـ"سرايا السلام" دور في عمليات تحرير الأراضي العراقية من قبضة التنظيم عند احتلاله مساحات واسعة من البلاد عام 2014 قبل أن يُطرد عام 2017.
فيما حاربت ضد تنظيم "داعش" في سامراء التي تضم مرقدي العسكريين محمد الهادي والحسن العسكري، وهما من أئمة الشيعة الاثني عشرية.
نزع أسلحة الفصائل
ولفت عبد الحميد إلى أن الخطوة المقبلة سيعمل خلالها الصدر على نزع سلاح بقية الفصائل من أجل أن تنخرط في الحكومة المقبلة من خلال أحزاب مدنية خالية من السلاح، مرجحاً أن يلتزم أتباعه هذا الأمر وأن ينفذوا أوامره، إلا أن المجموعات الأخرى لن تلتزم.
الصدر يعزز برنامجه الحكومي
بدوره، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري إن الصدر يعزز برنامجه الحكومي الذي طرحه في دمج الفصائل بالأجهزة الأمنية وإنهاء المظاهر المسلحة، ورسالة إلى الأطراف الأخرى بضرورة إنهاء هذه المظاهر.
وأضاف الشمري أن هذا الإجراء يعود إلى أن البرنامج الذي طرحه مقتدى الصدر هو عملية دمج الفصائل وإنهاء المظاهر المتعلقة بقضية وجود السلاح خارج إطار الدولة، موكداً أن الصدر يحاول أن يعزز برنامجه الحكومي الذي طرحه بإجراءات على أرض الواقع، خصوصاً أن لديه جناحاً مسلحاً يتمثل في "سرايا السلام"، وكانت هناك مطالبات أن تُدمج "سرايا السلام "وينتهي وجودها على مستوى المظاهر المسلحة.
رسالة إلى الأطراف الأخرى
وأوضح الشمري أن الصدر يحاول أن يؤكد التزامه بما طرحه، ومن جانب آخر هي رسالة إلى الأطراف الأخرى تقضي بضرورة إنهاء المظاهر المسلحة، من خلال إظهار أن الفصيل المسلح لمقتدى الصدر تم إغلاق مقاره كافة.
ولفت إلى أن الصدر يبعث رسائل من خلال أمر الإغلاق لبقية الشركاء في الداخل والخارج، أن هناك نهجاً ورؤية جديدة يقدمها بخلاف بقية الأطراف السياسية التي ما زالت متمسكة بالسلاح كجزء من القوة السياسية، مشيراً إلى أن إغلاق مقار "سرايا السلام" خطوة أولى لنزع السلاح.
الفصائل لن تغلق مقارها
واستبعد أن تعمد الفصائل الأخرى إلى إغلاق مقارها ما لم تكُن هناك إرادة سياسية بشأن ذلك، لا سيما أنه كانت هناك قرارات حكومية سابقة بهذا الشأن لم تنفذ.
وعن سبب الإبقاء على مقار "سرايا السلام" في عدد من المحافظات، يعتقد الشمري أن طبيعة توزيع إبقاء المقار هي لحماية الأماكن المقدسة وكذلك لوضع هذا الوجود تحت مظلة القوات الأمنية.
مقرات الحشد معروفة وثابتة
في المقابل، قال النائب السابق عن تحالف "الفتح" فالح الخزعلي، إن القرار الذي اتخذه مقتدى الصدر القاضي بغلق مقرات "سرايا السلام" ليس حلاً، وهذا ينطبق عليه التجميد، كما هو متعارف عليه في سياسة مقتدى الصدر، إلا أنه رأى أنها "خطوة في الاتجاه الصحيح"، وقال "نأمل من كل التشكيلات والقوى التي لها مكاتب ليس في قواطع العمليات أن تغلق وأن يتحمل أمن الحشد مسؤوليته، وبالتالي حصر السلاح بيد الدولة هو من مهام الحكومة الاتحادية".
وأضاف "مسؤولية الحكومة الاتحادية هي محاسبة كل سلاح خارج إطار الدولة وبإدارته وليس بإدارة الأحزاب والتيارات السياسية، والخطوة التي يقوم بها مقتدى الصدر يجب أن تتم بالتنسيق مع الحشد الشعبي".
وأشار إلى أن "الحشد الشعبي" لا توجد لديه مقرات إلا المقرات المعروفة والثابتة، وهناك قوى سياسية لديها فصائل بالحشد ولكن لا توجد لها معسكرات، ولذلك فإن الصدر ومن خلال هذه الخطوة أعطى رسالة لمن يمتلك قوات أو معسكرات داخل المحافظات بأن عليه أن يتوجه لغلقها، وأن يتوجه لقواطع العمليات وهذا العمل مهم"، معتبراً أنه من مسؤولية الحكومة والاستخبارات متابعة هذه المسألة.
ويضم تحالف "الفتح" عدداً من الأحزاب الشيعية التي تمثل فصائل "الحشد الشعبي" ويترأسه هادي العامري.