منذ إعلان السلطات العراقية النصر عسكرياً على التنظيم المنهزم في العراق وسوريا "داعش" الإرهابي في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، شهدت البلاد سلسلة من الهجمات الإرهابية من قبل الخلايا النائمة للتنظيم المتطرف على الرغم من جهود القوات العراقية المشتركة في إفشال الكثير من تلك الاعتداءات، إلا أنه في الأشهر الماضية وبينما كان العراق يستعد لإجراء الانتخابات المبكرة، شهد الوضع الأمني تدهوراً غير مسبوق، لا سيما في المناطق والمحافظات التي تحرّرت من سيطرة "داعش".
في المقابل، قتل اثنان من عناصر قوات البيشمركة الكردية في هجوم مسلح قرب محافظة كركوك، الغنية بالنفط (30-10-2021).
وبحسب مصدر أمني، فإن "عناصر داعش هاجموا قوات البيشمركة في منطقة زيرجا قرب محافظة كركوك، ما أسفر عن مقتل اثنين من عناصرها". كما تعرّضت قرية الرشاد في أطراف المقدادية في محافظة ديالى لهجوم "داعشي"، أدى إلى وقوع نحو 30 شخصاً بين قتيل وجريح.
توجيهات عسكرية لتثبيت الأمن والاستقرار في ديالى
إثر الهجوم الأخير، عقد المجلس الوزاري للأمن الوطني اجتماعاً برئاسة رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي وحضور عدد من القيادات الأمنية والعسكرية.
وقال المكتب الإعلامي للكاظمي في بيان إن "الاجتماع خُصّص لبحث الأوضاع الأمنية التي تشهدها محافظة ديالى، ومستجدات عمل اللجنة الأمنية المشكلة من قبل القائد العام للقوات المسلحة والمرسلة إلى المحافظة".
واعتبر الكاظمي، بحسب البيان، أداء القوات العراقية في سرعة الردّ والاستجابة السريعة، بالأداء البطولي المتميز الذي عُرف به الرجال الأشاوس في القوات الأمنية.
وقال إن "عصابات داعش كانت تبحث عن موطئ قدم في المحافظة، لكن هيهات أن يتسنّى لها ذلك"، مطالباً "جميع الجهات بعدم استغلال مأساة المواطنين، من أجل تحقيق أمور بعينها، ويجب التكاتف من أجل دحر الإرهاب"، وفقاً للبيان.
وبحسب البيان، أصدر القائد العام للقوات المسلحة خلال الاجتماع عدداً من التوجيهات إلى القادة الأمنيين والعسكريين في محافظة ديالى، "من أجل تثبيت الأمن والاستقرار، والقضاء على فلول التكفير الإرهابي والداعشي فيها، ووجّه بتفعيل الجهد الاستخباري للقيام بدوره وتشخيص أي محاولة لبثّ الفرقة الطائفية التي لن نسمح بعودتها".
محاولات الإرهاب استغلال
في سياق متصل، اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح في تغريدة له عبر حسابه بموقع "تويتر"، "الهجوم الإرهابي على كركوك الذي أسفر عن استشهاد عدد من البيشمركة، وقبلها الهجمات في ديالى وصلاح الدين على قواتنا الأمنية، تؤكد محاولات الإرهاب استغلال الثغرات وتهديد السلم المجتمعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد صالح، "واجبنا رص الصفوف واستكمال النصر المتحقق ضد الإرهاب عبر تعزيز الجهد الأمني ودعم قواتنا المسلحة".
حدوث الأزمات الأمنية بعد كل أزمة سياسية
يشير الباحث السياسي والأمني علي البيدر إلى أن "المتابع للمشهد العراقي سيجد حدوث الأزمات الأمنية بعد كل أزمة سياسية وهذا ما يؤكد عدم اهتمام الفواعل السياسيين بالجوانب الأمنية بقدر طموحهم وحرصهم على تحقيق مكاسب سياسية تؤدي إلى حصولهم على مواقع تنفيذية داخل منظومة السلطة".
ويتابع، "معظم إن لم يكُن جميع العمليات الأمنية تحدث في مناطق التماس المكوناتي للطوائف وهذا ما يجعلنا نتساءل عن أسباب حدوثها مكانياً وزمانياً بالرغم من إعلان تحرير مناطق كثيرة في البلاد من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي قبل أربعة أعوام وهو المتهم الأبرز بتنفيذ عمليات أمنية هناك. علامة استفهام كبيرة حول أسباب وجوده في أكثر من منطقة رخوة أمنياً في قواطع عدة ذات تنوع سكاني".
وبحسب البيدر، "ربما يكون التنظيم الإرهابي يعمل على استغلال الأزمات السياسية في البلاد لتحقيق ثغرات أمنية، لكن القوات الأمنية العراقية وإلى حد كبير غير معنيّة بالصراعات والتجاذبات السياسية، لا سيما أنها تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء الشخصية التي ابتعدت عن المنافسة السياسية والانتخابية بعد إعلانها عدم المشاركة في الانتخابات المبكرة التي نفذتها الحكومة بطريقة أفضل من جميع المناسبات السابقة، وهذا ما يقودنا إلى التشكيك بوجود جهات سياسية تعمل على خلق بيئة معينة يستغل الإرهاب من خلالها الوضع وينفذ هجمات متفرقة، بعضها بصبغة طائفية تخدم تلك الأطراف التي تحاول إعادة البلاد إلى أعوام الشحن الطائفي في العقد الثاني من الألفية الجديدة".
ويرى أن "بوصلة الوعي العراقي اليوم أخذت تتجه صوب الوطنية بعد أن كانت متوقفة في اتجاه الطائفية وإن هذا الوعي في تزايد، لذلك خابت تلك المحاولات بعد ردود الفعل المجتمعية تجاه تلك المحاولات، إذ أعلن الشارع العراقي رفضه لأي تخندق طائفي سيقود البلاد إلى مزيد من الأزمات".
حوادث مريرة اقترفها الإرهاب خلال عام وأكثر
بدوره، رفض الباحث السياسي والاقتصادي نبيل جبار العلي إجراء ربط مباشر بين الحوادث الإرهابية والمناسبات أو المحطات السياسية، فالتقارير الأمنية تشير إلى عودة نشاط التنظيم الإرهابي "داعش" منذ ما يزيد على عام تقريباً. وهناك حوادث مريرة اقترفها الإرهاب خلال عام وأكثر، فلعل تفجير ساحة الطيران، وهجوم قضاء الدور في صلاح الدين وتفجير مدينة الصدر وهجمات أمنية أخرى وعمليات بالقذائف والصواريخ خلال الفترة القريبة الماضية، وآخرها الهجوم على مزارعين في قضاء المقدادية في محافظة ديالى، مؤشرات إلى تنامي النشاط الإرهابي في ظل غياب وسبات الجهات والأجهزة الأمنية لمواجهة تلك التحديات، أو استجابات محدودة لا توازي هذا التنامي في النشاط الإرهابي.
ويعتقد العلي بأن "ترك التحليل الموضوعي عن الأسباب الحقيقية لعودة النشاط الإرهابي والتعكز على ربطها بالأحداث السياسية هو خطأ كبير".