بجهوده الذاتية، وباستخدام طابعة صغيرة حصل عليها من فاعل خير، يواصل المدرس الكفيف عصمت عبدالحافظ البصري (37 عاماً)، ترجمة المناهج الدراسية للمرحلة الثانوية إلى طريقة (برايل) لتوزيعها مجاناً على الطلبة المكفوفين، بعد أن أنجز في العام الماضي تهيئة وطباعة مناهج المرحلة الابتدائية.
وعن مبادرته يقول البصري، إن "عملية ترجمة وطباعة كل كتاب دراسي تستغرق مدة لا تقل عن 15 يوماً من العمل، وبمجرد اكتمال النسخة الأولى لأي كتاب يمكن طباعة مئات النسخ منها بسهولة". أضاف أن "الإجازة الطويلة التي فرضتها جائحة كورونا في العام الماضي أتاحت فرصة التفرغ لتنضيد وطباعة عشرات الكتب الدراسية".
واعتبر البصري أن سعادته تكمن في توفير الكتب الدراسية للطلبة المكفوفين، وأشار إلى أن "وزارة التربية تغمض عينيها عن حقوق المكفوفين، ولا توفر لهم أي كتب منهجية مطبوعة بطريقة (برايل) على الرغم من وجود آلاف الطلاب المكفوفين في المدارس". وأشار إلى أن "مدارس المكفوفين قليلة، حيث يوجد في جنوب العراق مدرسة ابتدائية واحدة تقع في البصرة، ولا توجد مدارس ثانوية خاصة بالمكفوفين".
ويعتزم البصري التقدم بخطوات جديدة في طريق مساعدة المكفوفين. وقال إن "طموحي لا ينتهي عند حدود توفير الكتب المنهجية بطريقة (برايل)، بل أعتزم ترجمة وطباعة باقة من الكتب الأدبية والعلمية غير المنهجية لأن الكتب الورقية لها رونقها وجاذبيتها على الرغم من وفرة الكتب الصوتية (المسموعة) على شبكة الإنترنت".
تفوق رغم التحديات
وفضلاً عن انهماكه بتوفير الكتب للمكفوفين، فإن البصري يواظب على زيارة الطلبة المكفوفين في المدارس والجامعات ليرفع من معنوياتهم ويغذي عزيمتهم، وبتفويض من مديرية التربية يلقي محاضرات توعوية على الطلاب الآخرين والهيئات التدريسية حول كيفية التعامل مع المكفوفين، وأخيراً توجه إلى زيارة طالب كفيف في داره ونجح في إقناعه بالعودة إلى المدرسة، بعد أن قرر تركها بسبب ضغوط نفسية ناجمة عن عدم تفهم احتياجاته كفاقد للبصر.
وعن تجربته الشخصية يذكر البصري أنه لما قدم طلباً للعمل بصفة مدرس بعد إكمال دراسته الجامعية بتفوقٍ عام 2011، قوبل طلبه بالرفض في بادئ الأمر، ثم انتهز فرصة انعقاد مؤتمر عن التعليم بحضور مسؤولين في وزارة التربية وأعضاء في مجلس النواب، وقال لهم خلال المؤتمر، إن "طه حسين قبل ستة عقود كان وزيراً للمعارف (التربية والتعليم) في مصر، وأنتم بعد ستة عقود تستكثرون عليّ أن أكون مدرساً... عليكم بمراجعة أنفسكم"، وبعد أسابيع صدر قرار تعيينه مدرساً للغة العربية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من التحديات والتعقيدات التي يواجهها المكفوفون في المدارس فإن نتائج الامتحانات الثانوية العامة في العراق أظهرت تفوق عدد منهم، ومن بينهم الطالبة إيناس عادل خضير التي حلت خلال العام الدراسي (2020-2021) بالمرتبة الثالثة على مستوى العراق للفرع الأدبي، والمرتبة الأولى على مستوى محافظة البصرة، بحصولها على معدل 99.86.
ندرة طابعات "برايل"
نائب محافظ البصرة، ضرغام الأجودي، من المسؤولين القلائل في البصرة الذين يتفاعلون مع مشاكل المكفوفين، وقبل عامين بادر باستيراد طابعتين للغة (برايل) على نفقته الشخصية، وقدمهما كهدية إلى المعهد الحكومي الوحيد لتعليم المكفوفين في المحافظة، لكن المبادرات الشخصية تبقى ذات تأثير محدود، ولا تغني عن الجهد الحكومي الغائب.
الأجودي أكد لـ"اندبندنت عربية"، أن "المكفوفين بحاجة إلى العناية والاهتمام من قبل مؤسسات الدولة". وأضاف أن "وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تصرف سنوياً مئات مليارات الدنانير على برامج دعم الفقراء والمحتاجين، وينبغي شمول المكفوفين بالدعم أيضاً، وثمة ضرورة لتوفير طابعات لطريقة (برايل) بواقع طابعتين على الأقل في كل محافظة".
ويكفل القانون العراقي للمكفوفين حق التعليم، وتفيد المادة التاسعة من تشريع نظام رعاية وتأهيل المكفوفين الصادر عام 1964 بأن "لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بالاتفاق مع وزارة التربية تطوير مناهج الدراسة بما يتفق وطبيعة المكفوفين، وتعتبر طريقة (برايل) الدولية الموحدة هي الطريقة الرسمية لتعليم القراءة والكتابة"، وخلال العام الدراسي الجديد (2021-2022) قامت وزارة التربية بتضمين كتاب اللغة العربية للصف الخامس الإعدادي مقالة بعنوان (لويس برايل... قاهر الظلام)، لكن يتعذر على الطلبة المكفوفين قراءة المقالة لأن الوزارة لم توفر الكتاب بطريقة "برايل".