بعد عدة أسابيع على إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تعلن المفوضية حتى الآن النتائج النهائية للانتخابات، حيث لا تزال تعمل على حسم الطعون المقدمة.
ومع قرب إعلان النتائج النهائية، وكشف المفوضية عن أن غالبية الطعون التي عملت عليها لم تحدث تغييرا في نتائج الانتخابات، يدور الحديث في الأوساط السياسية عن طبيعة الحكومة القادمة وكيفية تشكيلها وهل ستكون حكومة أغلبية أم محاصصة، وما الإيجابيات والسلبيات في كل منها؟
ومنذ أول انتخابات برلمانية في العراق عقب الاحتلال الأميركي، لم يشهد العراق تشكيل حكومة أغلبية برلمانية، إذ تشكلت جميع الحكومات الخمس الماضية وفق مبدأ التوافق بين الكتل السياسية واعتمدت معايير المحاصصة بين المكونات الرئيسية في البلاد، وهو ما جعل من غالبية الكتل السياسية في الحكومة وفي المعارضة في آن معا.
ما إيجابيات حكومات التوافق؟
وفي هذا الصدد، يقول كاطع الركابي -عضو ائتلاف "دولة القانون"- للجزيرة نت، إن جميع الحكومات العراقية السابقة بنيت على أساس التوافق بين الكتل، ولم تكن إيجابية، لا سيما أنها جاءت نتيجة سوء الوضع الأمني خلال السنوات الماضية، ما اضطر الكتل السياسية للتوافق على تشكيل حكومات تضم غالبية الكتل السياسية، وفق قوله.
أما الباحث السياسي الكردي محمد زنكنة -المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني- فله رأي آخر، إذ يرى أن لحكومات التوافق إيجابيات تتمثل بالتخلص من سيطرة الأغلبية سواء كانت عددية مذهبية أو قومية، وبالتالي فإن هذا المبدأ (التوافق) أنقذ العراق من الكثير من المصائب في وقت كانت الكتل الشيعية تشكل الكتلة الأكبر في البرلمان حينها لتؤهلها لتسمية رئيس الوزراء.
وأضاف زنكنة أن إخفاق الحكومات السابقة لا يعزى للتوافق، بل يعزى لسوء الإدارة والعقلية التي أدارت الحكومات السابقة التي لم تلتفت للمشكلات التي يعاني منها العراقيون، ما أدى لخروج المظاهرات الشعبية واستقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
هل هناك توافق على تفسير الكتلة الأكبر؟
وعن تشكيل الحكومة القادمة، يرى القيادي في "تحالف عزم" مشعان الجبوري أن المزاج الشعبي العراقي يذهب باتجاه حكومة أغلبية سياسية، إلا أن الواقع سيحدده مبدأ الكتلة الأكبر الذي لا يزال غامضا.
ويضيف الجبوري -في حديثه للجزيرة نت- أن تفسير المحكمة الاتحادية يشير إلى أن الكتلة الأكبر هي التي تسجل في أول جلسة برلمانية، غير أن قانون الانتخابات الجديد رقم 9 لعام 2020 نص بوضوح على أنها الكتلة الفائزة بالانتخابات، وبالتالي سيظل الغموض حول طبيعة الحكومة القادمة قائما حتى تحسم مسألة الكتلة الأكبر، وفق قوله.
وفيما يتعلق بتوقيت تشكيل الحكومة، أوضح الجبوري أن هناك توقيتات دستورية ملزمة، وأن تشكيل الحكومة سيبدأ فور المصادقة على نتائج الانتخابات، لافتا إلى أن الحديث عن 6 أشهر لتشكيل الحكومة مبالغ به، لا سيما أن الوضع السياسي والأمني للعراق لا يسمح بذلك.
ما السلبيات؟
كثيرة هي المؤشرات السلبية المسجلة على الحكومات التوافقية السابقة بحسب المحلل السياسي مناف الموسوي، المقرب من التيار الصدري، إذ يرى أن غالبية الكتل السياسية تفتقر لثقافة المعارضة وتود المشاركة في الحكومة وهو ما حصل منذ أول حكومة عراقية منتخبة بعد انتخابات عام 2005.
ويعدد الموسوي -في حديثه للجزيرة نت- أهم المؤشرات السلبية قائلا "المحاصصة والفساد وسوء الإدارة كانت نتيجة مباشرة للحكومات التوافقية المبنية على أساس المحاصصة، الانتخابات الأخيرة كانت مبكرة وكانت محصلة للمظاهرات الشعبية عام 2019، وبالتالي فإنه لا بد من إحداث تغيير في التركيبة السياسية للحكومة المقبلة".
وعن مدى فاعلية الحكومات التوافقية، يرى الركابي أن تفكيك الأزمات الحالية التي يشهدها العراق لن يكون إلا من خلال الذهاب لحكومة أغلبية تتحمل مسؤولية وضع البلاد، فضلا عن إسهامها في إنضاج ديمقراطية حقيقية متمثلة بوجود قوى برلمانية معارضة تراقب الأداء الحكومي، بحسب تعبيره.
ويذهب في هذا المنحى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري الذي وصف تجربة حكومات التوافق منذ عام 2003 وحتى احتجاجات عام 2019 بـ"السيئة"، وأن الاستمرار بعُرف المحاصصة السياسية فتح الباب للفساد في مؤسسات الدولة، فضلا عن فشله في تحقيق أي إصلاح سياسي في البلاد.
ما طبيعة الحكومة القادمة؟
كثيرة هي الرؤى والتحليلات التي تكتنف تشكيل الحكومة العراقية القادمة، إلا أنه وبالعودة إلى مناف الموسوي فإنه أوضح أن تصريحات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أشارت صراحة إلى أن الحكومة القادمة لن تكون على أساس المحاصصة، وأن التيار الصدري في حال لم يستطع التحالف مع القوى الفائزة الكبيرة، فإنه قد يلجأ للمعارضة، وبالتالي لن تكون الحكومة القادمة توافقية بأي حال من الأحوال، على اعتبار أن التيار حصل على أكبر عدد مقاعد في البرلمان.
أما عن المدة التي قد يستغرقها تشكيل الحكومة، فيعتقد الموسوي أن العراق ملزم بتوقيتات دستورية لتشكيل الحكومة القادمة، إلا أن الواقع السياسي قد يتجه لعدة أشهر لأجل تشكيل الحكومة.
وبالعودة إلى عضو ائتلاف دولة القانون كاطع الركابي، نرى أنه يعرض رأيا مغايرا يتمثل بأن الحديث عن طبيعة الحكومة القادمة سابق لأوانه، لا سيما أنه لم يعلن عن النتائج النهائية للانتخابات، وبالتالي لا توجد أي تفاهمات بينية معمقة بين الكتل لأجل تشكيل الحكومة.
وعمّا إذا كانت توافقية أم أغلبية، أشار الركابي إلى أن العراقيين يطمحون لحكومة أغبية، إلا أن السؤال الأهم يتمثل بالوضع العراقي ومدى إمكانية تحقيق ذلك، معبرا عن أمله في أن تتشكل الحكومة القادمة في أسرع وقت ممكن.
من جانبه، يرى المحلل السياسي حسن العبيدي أن ولادة الحكومة القادمة قد تكون عسيرة للغاية، لا سيما أن هناك العديد من المؤشرات على أن الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف تقدم لن يعلنا أي تحالف مع التيار الصدري ما لم تحسم الكتل الشيعية خلافاتها.
وفي حديثه ، يعتقد العبيدي أن اللاعب الإقليمي المتمثل بإيران قد يكون فاعلا من خلال الضغط على "الكردستاني" و"تقدم" لأجل عدم التحالف مع "التيار الصدري"، وهو ما سيقود لجملة من عمليات التخندق السياسية التي قد تستغرق أشهرا عديدة لتشكيل الحكومة، بحسبه.
ويذهب في هذا المنحى إحسان الشمري الذي أضاف أن تحالف تقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني أعلنا صراحة أنهما لن يذهبا للتحالف مع طرف شيعي على حساب الأطراف الأخرى، لافتا إلى أن المكونات الإثنية باتت واضحة من خلال تحالف الأحزاب الكردية باستثناء الجيل الجديد، مع الإعلان عن تقارب كبير بين تحالفي تقدم وعزم.
وعن البيت الشيعي، يعتقد الشمري أنه قد تتشكل كتلة تضم 75% من الأحزاب الشيعية، لافتا إلى أن المدة التي قد يستغرقها تشكيل الحكومة ستعتمد على مباحثات الكتل السياسية، وبخلاف ذلك قد تمضي أشهر عديدة قبل تشكيل الحكومة.
ما معايير نجاح الحكومة؟
وعن معايير نجاح الحكومة العراقية القادمة، يعدد الشمري شروط ذلك، وهي متمثلة بألا تعتمد تقسيم المناصب وفق التقسيم المكوناتي، وأن يكون لرئيس الوزراء القادم حرية اختيار الكابينة الوزارية التي يراها مناسبة، لا سيما أنها ستكون حكومة إنقاذ للعراق من المشكلات السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.
ويذهب في هذا المنحى مهند الجنابي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان بأربيل، حيث يضيف أن الفاعل الوطني المتمثل بالشارع العراقي بات يراقب الكتل السياسية، وبالتالي فإن معيار نجاح الحكومة سيكون من خلال حكومة أغلبية تحمي رئيس الوزراء من الضغوط السياسية.
ويتابع الجنابي في إفادته أن حكومة الأغلبية ستكون مسؤولة أمام الكتل السياسية في ظل وجود معارضة برلمانية تحاسب المسؤولين التنفيذيين دون الخضوع لما وصفه بـ"الابتزاز السياسي" الذي عطّل دور السلطة التشريعية في الدورات البرلمانية السابقة، بحسبه.