"التوكتوك" العراقي... من "إسعاف الثورة" إلى "احتلال" شوارع بغداد

آخر تحديث 2021-11-19 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

تسابقوا مع سيارات الإسعاف لنقل الجرحى والمصابين، خلال احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إلى المستشفيات القريبة تارة ومواقع العلاج المنتشرة قرب ساحة التحرير تارةً أخرى... هم أصحاب دراجات "التوكتوك" والتي أطلق عليها "توكتوك الإسعاف" إذ ساهم أصحابها في نقل المصابين إلى أقرب مكان للعلاج حيث لا يمكن للسيارات أن تخترق حشود المتظاهرين، وكانوا يوفرون الأغطية والطعام وبقية الخدمات للمتظاهرين، ومثّل سائقو هذه العربات الطبقة الفقيرة والمعدمة من المجتمع العراقي، أو ممن لم يحصلوا على وظيفة بعد تخرجهم.

عملوا في ساحات التظاهر من دون مقابل، فازداد تعاطف الرأي العام معهم، خصوصاً أنهم تركوا البحث عن أرزاقهم مقابل إنقاذ الجرحى والمصابين في الساحات بشكل طوعي وتحملوا الاختناق بالغازات المسيلة للدموع والقتل أيضاً، فقد تجاوز عدد قتلاهم الـ 200 قتيل.

صحيفة "تكتك"

بعد أن أصبحت رمزاً للاحتجاجات العراقية، لاستخدامها في نقل جرحى المتظاهرين إلى المستشفى الميداني، أصدر نشطاء مناهضين للحكومة العراقية صحيفة "تكتك" كانت توزع على آلاف المتظاهرين المنتشرين بساحة التحرير في بغداد. وكان إصدارها رداً على محاولة التعتيم الإعلامي الذي فُرض على المتظاهرين والذي سبقه عملية قطع لخدمة الإنترنت لمدة تزيد على الشهر كي لا تصل أصوات المتظاهرين وما يتعرضون له من إساءة إلى وسائل الإعلام العالمية. فكانت هذه الصحيفة تُصرِّح بمطالب المحتجين في ساحات الاعتصام.

احتوت الصحيفة على مقالات حماسية وتقارير مترجمة، وكانت تطبع وتحرر في ورش طباعة محلية وبواسطة نشطاء في مجالات الطباعة والنشر. وكانت توزع بواقع 2000 نسخة على خيام المتظاهرين ولعدة مرات في الأسبوع. وشكّلت الصحيفة إحدى الوسائل القليلة التي مكّنت المتظاهرين في ساحة التحرير من الحصول على تقارير حقيقية يعتد بها عن الاضطرابات التي كانت تجري في البلد. ففي الوقت الذي اشتبكت فيه قوات الأمن مع المحتجين، كان التلفزيون الرسمي يتحدث عن الهدوء في بغداد، فأخذت تغزو شوارع العاصمة وتحديداً الأحياء الفقيرة مثل "مدينة الصدر والشعب والحسينية وحي أور والبلديات" وغيرها من المناطق.

أغنية أبو "التوكتوك"

وكنوع من التكريم، صدحت حناجر المتظاهرين بالغناء لـ "أبو التوكتوك" (صاحب التوكتوك)، إذ أصبح رمزاً للبطولة، فغنى حسام الرسام الأغنية وتغنى به "ثوار تشرين" في أغنية "والنعم من أبو التوكتوك" وغيرها من الأغنيات التي استلهمت شجاعة سائقي هذه الدراجة.

وفي الأول من أغسطس (آب) 2021 افتتح وزير الثقافة العراقي حسن ناظم "مهرجان المسرح العراقي" وشهد حفل الافتتاح عرض صورٍ لضحايا "ثورة تشرين" من محافظات العراق كافة محمولة بالعلم العراقي على عجلات "التوكتوك".

وقد سبق أن أقيم في الأول من ديسمبر (كانون الأول) 2019 مهرجان "التوكتوك" المسرحي الأول الذي أقامه "نادي المسرح المستقل" بالتعاون مع معهد الفنون الجميلة ببغداد. وقُدِّم المهرجان في فضاءات ساحة التحرير وعلى نهر "دجلة" و"جسر الجمهورية" ومبنى "المطعم التركي" و"نصب الحرية" و"حديقة الأمة" و"ساحة الطيران" وشاركت مسرحية "توكتوك طابق 14" التي أشارت إلى أحد طوابق المطعم التركي التي كان مجموعة من المعتصمين والمتظاهرين يتواجدون فيه طيلة فترة الاحتجاج.

وينتشر "التوكتوك" بكثرة في البلاد الآسيوية ولا سيما في البلاد العربية وخصوصاً في العراق ومصر والسودان ويتسع لراكبين بالمقعد الخلفي، بالإضافة إلى السائق الذي يجلس في المقدمة.

من دون تصريح مروري

ينتشر في الشارع العراقي عشرات الآلاف منه، ولكن من دون تصريح من المرور وبدون إجازة سوق، وهو ما يعتبر إحدى أهم المشكلات التي يواجهها سائقو "التوكتوك" في العاصمة بغداد.

وتتواجد هذه العربات بعدة ألوان، وتبلغ أعلى سرعة لها 80 كلم/ساعة، ويقدر سعرها بـ 6 ملايين دينار (حوالى 4100 دولار أميركي) "بالتقسيط" بحسب ما يشرح سجاد، سائق توكتوك، ويقول "أحصل من عملي اليومي كسائق توكتوك من 20 إلى 25 ألف دينار عراقي، ولو أمسك بي رجل المرور فالغرامة تصل إلى 200 ألف دينار" أي ما يعادل 125 دولاراً. 

ويكثر تواجدها في الأحياء الفقيرة حيث لا يملك البعض أجرة "التاكسي" فيلجأ لهذه الوسيلة الرخيصة وأيضاً لسرعتها في التنقل بين الازدحام المروري الكبير في شوارع العاصمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يقتصر العمل في "التوكتوك" على عمر معين، وليست هناك ضوابط تحدد الفئة العمرية لقيادتها، أو اختبار يحدد ما إذا كان سائقها يجيد قيادة العجلة لتلافي الوقوع في الأخطاء المرورية والتي قد تسبب حوادث مروعة في الشارع.

تجارة شرسة

أغرقت الشوارع العراقية بهذه الدراجات وبأرقام خيالية وأصبحت فرصة للعاطلين من العمل لأنها تباع بالتقسيط بواسطة تجار جشعين. فأضحت عبئاً ثقيلاً على الشارع، أما العامل الأكثر أهمية أنها تدخل من دون أرقام مسجلة لدى مديرية المرور، ولا تلتزم بالإشارات المرورية ما يسبب إرباكاً لسائقي الحافلات في الشارع. وازدادت بسببها الحوادث المرورية وأضحى العديد من سائقي "التوكتوك" من الأطفال والمراهقين ضحايا هذه الحوادث. 

لعب أطفال

وعلى خلفية الموضوع كشف مصدر مسؤول في وزارة الداخلية أن مركبات "التوكتوك" تُستورد بشكل قطع منفصلة وتُجمّع داخل العراق، وبين أنها مصنفة تحت مسمى "لعب أطفال" في إجازة الاستيراد، وبهذا لا تسجل في دوائر المرور.

ويستطرد "انتشرت هذه العجلة بسبب سعرها الذي لا يتجاوز 5 أو 6 ملايين دينار، وبسبب البطالة وقلة وسائل النقل ورخص كلفتها، استغنى المواطنون عن ركوب التاكسي واكتفوا بهذه العجلة، فغدت مصدر رزق يعتاش منه عوائل كثيرة، بخاصة في المناطق الشعبية مثل شرق القناة التي انتشرت فيها بصورة كبيرة".

وذكر أنه بسبب سهولة سرقتها التي لا تستغرق أكثر من دقيقة، صممت شرطة مكافحة الإجرام برنامج سُمي "التوكتوك"، ويعلق "من خلال هذا البرنامج استطعنا الوصول إلى أكثر من 1200 عجلة مسروقة. وتسجل يومياً 20 حالة سرقة توكتوك على الإقل. ويحاكم سارقها بالمادة 446 عقوبات وهي جريمة خفيفة يحكم السارق فيها من 6 شهور إلى سنة، مع وقف التنفيذ في غالب الأحيان".

وأضاف أن "هذه العجلة ممنوعة في نظام المرور، ولا تسجل في إجازة الاستيراد إذ من المتعارف تسجيل نوع وموديل العجلة، فالدراجة النارية التي تسير بمعدل 120 كلم / ساعة تسجل في المرور، أما العجلة التي تقل سرعتها عن 120 فتعد من لعب الأطفال، وصنفت هذه العجلة لعب أطفال لهذا السبب لأن معدل سيرها يقل عن 80 كلم / ساعة أو أقل بالتاكيد". وأضاف أن هذا الموضوع يسيطر عليه أطراف يصعب التعامل معها وأصبحت تجارة رائجة لا سبيل لإيقافها.

نقمة على المجتمع

يقول فريد (33 سنة) "بات التوكتوك اليوم بمثابة سرطان ينتشر في جسد المدينة، فهذه المركبة تزاحم السيارات وتسير عكس خط السير، وتكسر كل قواعد المرور، كل ذلك حوّل تلك العجلة إلى نقمة على المجتمع".

أما فهمي القصاب (56 سنة) يشير "في جميع بلدان العالم يبدأ أي مشروع بتخطيط وضوابط ويوظف لخدمة الصالح العام إلا بلدان العالم الثالث، إن فكرة التوكتوك أصبحت بديلاً سيئاً بسبب افتقارنا إلى وسائل النقل الحديثة، كمعاناتنا من فقدان قطارات سكك الحديد ومترو الأنفاق وحافلات النقل الكبيرة للطرق البعيدة، وغيرها".

ويضيف "التوكتوك يعني شباب دون الـ 20 وزحمة في المرور وكثرة الضوضاء بالإضافة إلى الحوادث الخطيرة التي تتسبب بها. أما المطلوب فهو إيجاد بدائل لروادها، وإنعاش وسائط النقل الحديثة... برأيي هي ظاهرة متخلفة وغير حضارية، ففي الأسبوع الماضي أصدرت مصر قراراً بعدم استيراد قطع غيار لهذه العجلة، للحد من استخدامها".

انتشرت في بلدان أخرى 

علق وليد العبيدي أنه سبق لهذه الظاهرة أن انتشرت في بلدان أخرى قبل العراق، منها مصر، و كان لوجود "التوكتوك" وسيلة يفترض أن تكون خدماتية ومحكومة بضوابط تحدد استيراده وعمله في الشارع، لكن ذلك لم يحصل فانتشر بكثرة وبعشوائية في الشوارع والمناطق ما أدى إلى مشاكل كثيرة تتعلق بالزحام المروري والجريمة المجتمعية التي كان سببها "التوكتوك".

ويضيف "أعتقد اننا لو كررنا تجربة مصر في عدم وضع ضوابط لاستيراد وعمل وأماكن تواجد "التوكتوك" فسنعاني نفس المشاكل إن لم يكن أكثر بسبب فوضى القانون التي يعاني منها البلد".

أشار د.ثائر علي (55 سنة) إلى أن "التوكتوك ظاهرة غريبة غزت بغداد وشوارعها الرئيسة وشوهت منظرها بحكم أعدادها الكبيرة". ويقول "حين كنت أراها في الشارع قبل وخلال ثورة تشرين، كنت أتحاشى استخدامها كوسيلة نقل نظراً لصغر حجمها، وقلة خبرة سائقيها الذين يقودونها من دون إجازات"

واستطرد "لقد شوهت هذه الظاهرة جمال مدينة بغداد وخالفت النظام المروري فيها نظراً لصغر حجمها ما يسبب إرباكاً شديداً لكل سائقي السيارات وحتى المواطنين في الشارع، فضلاً عن تشويه شكل مدينة عريقة كبغداد".

فكرة خاطئة

أما نصير حيدر لازم (29 سنة) فيقول "رأيت التوكتوك لأول مرة قبل عدة سنوات في الهند، وحقيقة كان وجوده موضوعاً عادياً، بل ويصل إلى حد الضرورة بسبب تعداد السكان الكبير هناك، فضلاً عن الفقر المنتشر، فهذه الوسيلة تؤدي الغرض بثمن بسيط، لكن ما وجدته هناك هو أن الشوارع فيها مجال مخصص لسير التوكتوك والدراجات النارية، لذا لا مشكلة تذكر في السير والتأثير على السيارات المارة".

ويتابع "أما في بغداد فالموضوع مختلف وفكرة استيراد التوكتوك خاطئة جداً، فلا بغداد مدينة مكتظة بالسكان، ولا هي مدينة فقيرة مثل الهند، فضلاً عن عدم وجود مسارات خاصة لها في الشوارع، لذا كان وجودها يشوه بغداد وتاريخها".