أعلنت مجموعة من القادة ونواب من المنشقين السابقين عن قوى سياسية كردية قرب إعلان تأسيس حزب جديد ذي نهج معارض لسياسة الحكم القائم في إقليم كردستان، فيما بدأت حركة "التغيير" التي سبق أن قادت قوى المعارضة باتخاذ خطوات "تصحيحية" متأخرة، على أثر خسارة غير مسبوقة مُنيت بها في نتائج الانتخابات الاتحادية الأخيرة.
وتوصف مهمة الحزب الجديد بشبه "المستحيلة" في مجابهة الحزبين الحاكمين التقليديين لما يملكانه من تجربة تاريخية تمتد إلى عقود، على الرغم من تراجع رصيدهما الجماهيري مع تفاقم النقمة، نتيجة لسيطرتهما شبه المطلقة على أدوات ومفاصل المؤسسات، المدنية والعسكرية والمالية، في منطقة معقدة من الناحية الجيوسياسية، مرتبطة بمصالح دول إقليمية وعالمية.
وعلى الرغم من عدم إعلان أسماء الأعضاء المؤسسين، فإن وسائل إعلام محلية ذكرت أن المنشق عن حركة "التغيير" النائب السابق في برلمان الإقليم عبد الله ملا نوري، الذي اشتهر بمواقفه المتشددة ضد السلطة، إلى جانب قادة منشقين سابقين عن حركة "التغيير" وبعدد أقل من حزب "الاتحاد الوطني" وحركة "الجيل الجديد"، فضلاً عن منشقين عن قوى يسارية، يعملون منذ سنتين لتشكيل حزب معارض، وأنهم شكّلوا لجاناً تنظيمية في داخل وخارج الإقليم، ويستعدون لعقد المؤتمر الأول والإعلان الرسمي للتأسيس بعد استحصال الموافقات القانونية.
نظرة مختلفة
وجاء في "البيان التأسيسي" للحزب الجديد أنه "وضع إجابة تاريخية في المرحلة المأساوية التي يمر بها الشعب الكردي، وشخّص أسباب أزمات الإقليم والحلول"، وأكد أن هذا الحزب "له نظرة سياسية مختلفة ترفض الفكرة السائدة التي تربط حياة المجتمع بكاريزما شخص بعينه، وانتظار ظهور قائد منقذ، أو نجعل من ذلك القائد صنماً، عندما ينكسر تتحطم معه جميع الآمال".
وشدد البيان على أن "الهدف هو وضع خريطة طريق لتأسيس حزب يضم الجميع عابراً لمفهوم المناطقية السائد، وتجاوز المفهوم التقليدي في ربط وجود واستمرارية كيان حزب ما، إما بالعمالة لدولة ما، أو امتلاك مشاريع غير شرعية ومقرات ضخمة". مؤكداً أنه "يسعى للوقوف بوجه النهب الحاصل باسم التجارة الحرة والقطاع الخاص، الذي بات يبتلع حياتنا، وتحرير المستثمرين من قبضة المجاميع المتنفذة والمصالح الشخصية".
وختم البيان أن المؤسسين "أياديهم ممدودة للتعاون مع أي جهة أو مجموعة أو قوة، تسعى إلى إجراء إصلاح شامل في نظام الحكم".
ويرى مراقبون أن ارتفاع نسبة مقاطعة الانتخابات النيابية الاتحادية التي جرت في 10 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تخطت نسبة الـ60 في المئة، تفتح الباب أمام ظهور أحزاب جديدة ذات خطاب معارض مستغلة توالي الأزمات الاقتصادية والسياسية وخسارة الحزبين الرئيسين الحاكمين مئات الآلاف من الأصوات، وانهيار المعارضة السابقة التي كانت تقودها حركة "التغيير" قبل انضمامها إلى الائتلاف الحكومي، وفشلها أخيراً في الفوز بأي مقعد، لصالح حركة "الجيل الجديد" المعارضة بقيادة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد، التي ينظر إليها بتحفظ في القدرة على إحداث تغيير ملموس في موازين القوى، على الرغم من تفوقها على المعارضة السابقة.
عوامل مساعدة
ويعزو المحلل السياسي سامان نوح، ظهور أحزاب جديدة إلى عدة عوامل، منها "تداعيات المشاكل البنيوية العميقة التي يعانيها الحزبان الحاكمان، مع حصر مصدر القرار في دائرة ضيقة ضمن عائلة واحدة، ما أفقدهما صفة التفاعلية مع الجماهير، وباتت عاجزة عن تلبية حاجات المجتمع، ما عمّق من الفجوة بينها وبين المؤيدين".
وأضاف أن "الأحزاب القديمة الأخرى اليسارية والإسلامية أيضاً فقدت كثيراً من قوتها وتأثيرها، وأصبحت تعاني حتى الحفاظ على ثقلها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتداولت وسائل الإعلام تصريحاً لأحد الأعضاء المؤسسين، رفض الكشف عن اسمه، أكد فيه أن "الحزب الجديد سيؤسَّس على مبدأ الاشتراكية الديمقراطية، وسيعقد مؤتمره الأول في الأشهر القليلة المقبلة، ولن يركز على أشخاص النخبة، بقدر إعطاء الأولوية للشرائح والطبقات الأخرى للعب دورها". لافتاً إلى "رفض فكرة امتلاك الحزب شركات تجارية، أو التبعية لأية دولة". وشدد على عدم "المشاركة في الانتخابات النيابية الكردية المقررة في مطلع الخريف المقبل، لعدم استقلالية مفوضية الانتخابات الحالية، على أن يبقى القرار رهن إجراء انتخابات سليمة وشفافة"، ونوه بأن "الحزب يتبنى مبدأ قومياً يؤمن باستقلال كردستان".
ويرى نوح أن "الانتكاسة التي مُنيت بها حركة التغيير، بعد رحيل زعيمها واستقالة قادة آخرين، وإخفاقها في تحقيق أي إصلاح ملموس، خصوصاً بعد نسبة المصوتين المتدنية في الانتخابات الأخيرة ما دون 35 في المئة، وما تعكسه من نفور شعبي من جميع الأحزاب، تفتح الباب لظهور منافسين لاستقطاب الأصوات الناقمة"، لافتاً إلى أن "ما حققته حركة الجيل الجديد المعارضة من مكاسب انتخابية، على الرغم من أنها حركة ناشئة تفتقد لقيادة عريضة ومحصورة بقرار شخص، ولا تحظى بشعبية لدى النخب المثقفة، يعكس استعداد الشارع لدعم أي قوة لمجرد أنها تعارض السلطة، وأنها ستفقد الجمهور سريعاً عندما تنضم إلى السلطة، كما حصل مع حركة التغيير".
خريطة النفوذ
وفي نظرة إلى الخريطة السياسية في إقليم كردستان العراق، فإن الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني يعد أقدم الأحزاب الكردية، الذي أُسس على يد والده الراحل الملا مصطفى بارزاني عام 1946، ويتمتع اليوم بالنفوذ الأكبر، تحديداً في محافظتي أربيل مركز الحكومة ودهوك، وبقية المناطق الواقعة إلى الجهة الشمالية والغربية من الإقليم، ويتقاسم إدارة حكم الإقليم بشكل شبه مطلق منذ انتفاضة الأكراد ضد نظام الرئيس العراقي الراحل عام 1991، مع حزب "الاتحاد الوطني" الذي أسسه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني عام 1975 بعد انشقاقه عن حزب بارزاني، حيث يتمتع بالثقل الأكبر في محافظة السليمانية وتوابعها في المناطق الجنوبية والشرقية من الإقليم، وقسم من محافظة كركوك.
ثم ظهرت حركة التغيير "غوران" كقوة منافسة على يد مؤسسها الراحل نوشيروان مصطفى، عقب انشقاقه عن حزب طالباني عام 2009، قبل أن تتراجع أخيراً إثر تلقيها خسارة مدوية في الانتخابات النيابية الاتحادية الأخيرة من دون الفوز بأي مقعد، لصالح حركة "الجيل الجديد" المعارضة التي أُسست عام 2017، وحققت مكاسب لافتة في الانتخابات سواء الكردية أو الاتحادية.
فرصة سانحة
يقول نوح إن "ما يهم الجمهور هو ولادة حزب قادر على مجابهة إغراءات السلطة، والحد من احتكارها من قبل الحزبين، وإجبارهما على إجراء إصلاحات حقيقية". مبيناً أن "فرص ظهور قوة بديلة عن المعارضة تبدو سانحة، إذا ما لاحظنا تراجع شعبية الحزبين إلى نحو 20 في المئة فقط، مقابل 50 في المئة يتطلعون إلى البديل، وبالطبع فإن الطريق لن يكون مفروشاً بالورود، هذا يتطلب أموالاً وإعلاماً قوياً، وقيادات قادرة على مواجهة الأدوات التي بحوزة السلطة".
ويأتي الإعلان عن تشكيل حزب جديد، مع تكهنات بحصول انشقاق في حزب "الاتحاد"، إلا أن الزعيم المشارك في حزب لاهور شيخ جنكي نفى تلك التكهنات، على خلفية صراعه القائم منذ يوليو (تموز) الماضي مع نظيره، نجل عمه، بافل طالباني على الزعامة، وقال خلال حضور معرض للكتاب في السليمانية في رد على قرار طرده مع قادة آخرين من الحزب "ما زلت رئيساً مشاركاً، هذه القرارات غير قانونية"، واستدرك "يبقى السؤال هو، هل الحزب ما زال يحتاجني؟ لكني سأبقى مهما حصل في مواجهة الفاسدين الذين يمتصون دماء الشعب منذ نحو 30 عاماً".
وتضم الخريطة السياسية أيضاً قوى إسلامية تلي الأحزاب التقليدية، يتقدمها حزب "الاتحاد الإسلامي" المحسوب على الإخوان المسلمين، وأُسس عام 1994، ثم حركة "جماعة العدل" التي أُسست عام 2001 على منهج "أهل السنة والجماعة"، و"الحركة الإسلامية" ذات النفوذ المحدود، ويعود تأسيسها إلى عام 1987.
وتدرج القوى اليسارية شعبياً على الرغم من قدمها، ضمن القوى "الصغيرة"، يتقدمها الحزب "الشيوعي الكردستاني" المنبثق من الحزب الأم الحزب الشيوعي العراقي، وحزب "كادحي كردستان" و"الاشتراكي الكردستاني" وغيرها، فضلاً عن عشرات من القوى السياسية ذات التوجه القومي لمختلف المكونات العرقية، كالمسيحيين والإيزيديين وبقية الأقليات.
تداعيات الهجرة
وتزامناً، اتفقت قيادة حركة "التغيير" أخيراً على تشكيل "هيئة مؤقتة" تتولى مهمة القيادة للمرحلة المقبلة وإعادة التنظيم وإجراء مراجعة، وكذلك التحضير لعقد مؤتمر عام لانتخاب قيادة جديدة، بعد استقالة القيادة السابقة على وقع الخسارة في الانتخابات الاتحادية الماضية. مؤكدة فتح "صفحة جديدة" مع الذين ابتعدوا عن الحركة "تحت أي سبب كان، سواء من الرفاق والمناصرين والناخبين الذي سبق وعملوا مع الحركة". عازية الهجرة الجماعية للمواطنين الأكراد، في إشارة إلى أزمة المهاجرين العالقين عند الحدود البيلاروسية البولندية، إلى "التنصل من تطبيق برامج ومقترحات الحركة لإجراء إصلاح شامل في توزيع عادل للثروات العامة، والحد من الفساد المستفحل في مفاصل ومؤسسات الإقليم".
من جهته أكد زعيم حركة "الجيل الجديد" شاسوار عبد الواحد، في تغريدة عبر "تويتر"، أن "هجرة المواطنين الكرد ناجمة عن فقدان أملهم بوطن مزدهر، بعد 30 عاماً من حكم خاضع لسيطرة أسر بعينها، من دون أي تغيير وإصلاح".
في المقابل، نفى رئيس الحكومة مسرور بارزاني "تعرض أي مواطن اختار الهجرة إلى مضايقات سياسية أو أمنية، وأن دوافع الهجرة في معظمها ناجمة ربما عن الفقر والبحث عن حياة أفضل".
ويعتبر الحزبان أن الانتقادات الموجهة "غير منصفة"، نظراً إلى المكاسب التي حققاها في ترسيخ متين لكيان الإقليم والإنجازات المتحققة على مستوى الاستقرار الأمني والخدمات بالمقارنة مع بقية المناطق العراقية، على أن الأزمات الاقتصادية تبقى "ظاهرة عالمية" تتأثر بالمتغيرات وأسواق النفط والعوامل ذات العلاقة.
إلا أن أحدث تقرير نشره موقع "بلومبيرغ" الأميركي، وصف فيه هجرة الأكراد بـ"المفاجئة" على الرغم من أن الإقليم يعد نقطة مستقرة أمنياً واقتصادياً في الشرق الأوسط، ومع إشارته إلى التداعيات الاقتصادية الناجمة عن هبوط قياسي في أسعار النفط منذ عام 2014، وتداعيات ظهور تنظيم "داعش"، والبطالة، لكنه ألقى باللائمة على "عدم تحقيق الديمقراطية مكاسب، وسط غياب الإرادة لإجراء إصلاح سياسي، وهيمنة عشيرتين على الحياة السياسية، وميل حكومة أربيل نحو مزيد من الديكتاتورية، إذ تقوم بسجن المعارضين وتكميم أفواه الصحافيين".