تواجه اتفاقية إعادة تطبيع الأوضاع في قضاء سنجار مصيراً مبهماً في ظل استمرار الصراعات بين قوى محلية فاعلة، وتدخلات دول إقليمية تطمح لفرض نفوذها على نقطة واقعة ضمن رقعة جغرافية استراتيجية، فيما لا يزال معظم سكانه يعانون من العيش في المخيمات، لتتعمق جراح المدينة المنكوبة التي ما زالت تعاني من تداعيات اجتياح تنظيم "داعش".
وأبرمت حكومتا بغداد وأربيل اتفاقية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي لتحسين الأوضاع في القضاء، الواقع ضمن مناطق موضع خلاف بين الحكومتين، على مستويات الإدارة والأمن وإعادة الإعمار، وتشمل تعيين إدارة جديدة، وتولي الشرطة المحلية والأجهزة الأمنية الاتحادية "حصراً" مسؤولية الأمن فيها بعد إبعاد "التشكيلات المسلحة ومنظمة حزب العمال الكردستاني"، وتأهيل الأرضية لعودة النازحين، وسط دعم وترحيب أميركي وأممي، إلا أن جملة من العقبات تقف حائلاً دون تنفيذ الاتفاق.
مواقف متضاربة
لكن الناطق باسم "قيادة العمليات المشتركة" تحسين الخفاجي نفى "وجود عراقيل في تنفيذ الاتفاقية من قبل مسلحين، وأنها تسير بوجود القوات الأمنية الاتحادية التي لن تسمح لأي جهة بعرقلتها"، وأكد على "عدم وجود أي مظاهر مسلحة في داخل القضاء".
وجدد قائممقام قضاء سنجار المدعوم من أربيل، محما خليل اتهامه لحزب "العمال الكردستاني وفصال شيعية من الخارجين عن القانون "بعرقلة تطبيق الاتفاقية، والإبقاء على غياب هيبة الدولة، من أجل استمرار مكاسبهم الشخصية والاقتصادية ومتاجرتهم بالممنوعات التي تدر عليهم أموالاً طائلة"، وأكد في بيان أن "بعض التصريحات تتحدث عن معلومات مغلوطة عن الوضع الحقيقي في سنجار"، في إشارة إلى تصريحات الخفاجي.
وشدد خليل على أنه "لا بديل عن تطبيق الاتفاقية لكونها مطلباً شعبياً ودستورياً، وقد أقصى شعبها في الانتخابات الأخيرة من يعرقل الاتفاقية والعابثين بالمدينة".
الناطق باسم تنظيمات فرع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي يتزعمه مسعود بارزاني، سعيد مموزيني أكد لـ"اندبندنت عربية" إن "فصائل مسلحة من الحشد الشعبي وحزب العمال وميليشيات يقفون عائقاً أمام تنفيذ بنود الاتفاقية". وأضاف "هاتان القوتان تفرضان سيطرتهما على البلدة وتتحكمان بشؤونها، ولا يخفى أن الطرفين يتلقيان الدعم المالي بصيغة رسمية من الدولة العراقية"، مبيناً أن "حزب العمال يعمل بشتى الأسماء بغية إبعاد الشبهات ويعطي شرعية لوجوده"، وحول انعكاسات الانسحاب الأميركي المرتقب على مصير الاتفاقية قال مموزيني إن "هذا الانسحاب حتماً سيكون له تداعيات في عموم العراق، وليس في هذا الملف فقط، البلاد ما زالت بحاجة إلى تواجد الجيش الأميركي".
وكان وزير داخلية الإقليم ريبر أحمد، حمّل "العمال الكردستاني ومليشيات متعاونة معه وجهات أمنية (لم يسمها)" مسؤولية عرقلة تطبيق الاتفاقية بعد مضي عام من إبرامها "وهي تمنع الحكومة الاتحادية من تطبيق المهام على الأرض"، وقال خلال ندوة عقدت في الجامعة الأميركية بمحافظة دهوك الأسبوع الماضي "قضية سنجار حساسة جداً تفوق مساحة جغرافية معينة"، مشيراً إلى أن "أكثر من 300 ألف نسمة من أبنائها الأيزيديين ما زالوا نازحين في الإقليم، فيما هاجر قسم كبير إلى دول الغرب".
طموحات تركية
في المقابل يتهم حزب "العمال" نظيره "الديمقراطي" بتقديم "التسهيلات للقوات التركية للوصول إلى سنجار، ويزودها بالمعلومات لتوجيه ضربات جوية لأهداف تعتبرها معادية لها"، ويؤكد أنه "لا يملك أي قوات تعمل تحت اسمه".
وشدد القيادي الأيزيدي عضو مجلس نينوى السابق داود جندي على أن الاتفاقية "تم صوغها وتوقيعها من قبل فريق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ومن ضمنهم قاسم الأعرجي (وزير الداخلية)، إضافة إلى فريق من الحزب الديمقراطي، وجاءت ملبية لطموحات وأهواء الأتراك، وغاية حكومتي أربيل وبغداد كان إيجاد العذر الرسمي بغية إقناع الأميركيين والأمم المتحدة بأن حزب العمال يتواجد ويعمل باسمه الصريح وليس باسم آخر، ولا يخفى أنه مدرج ضمن قوائم الإرهاب عالمياً"، وأردف "في حين أن هناك العشرات من الأحزاب وفصائل عسكرية تأسست على نهج وأيدولوجية عبدالله أوجلان (مؤسس حزب العمال)، وهي تمارس نشاطها في عدد من المناطق من دون أن تتعرض لمضايقات، مثلاً هناك حزب الحل موجود في الإقليم، ناهيك عن منظمات ومؤسسات أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح جندي أن "رئيس المخابرات التركي كان أجرى مباحثات في بغداد قبل إبرام الاتفاقية، في مسعى لخلق مسوغ قانوني يمنح الأتراك الدخول للمنطقة أو شن عمليات قصف من جهة، ووضع عراقيل لعودة النازحين، التي تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي اقتصادياً وسياسياً من جهة ثانية، كما أن الأعرجي كان يطمح أيضاً لكسب تأييد من الديمقراطي لمرحلة ما بعد الانتخابات لمنصب رئاسة الوزراء وغيرها من المكاسب".
ودخل مقاتلون تابعون لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" السوري إلى منطقة سنجار واستطاعوا فك الحصار عن آلاف الأيزيديين عندما اقتحمها تنظيم "داعش" عام 2014، ثم تشكلت في عام 2007 قوة باسم "وحدات مقاومة سنجار" مؤلفة من 3500 عنصر من متطوعين أيزيديين للدفاع عن المدينة قبل أن يتم إلحاقها رسمياً بقوات "الحشد الشعبي" الشيعية.
ووفقاً لمدير عام شؤون الأيزديين في حكومة الإقليم خيري بوزاني فإن سنجار "هي ضحية الصراع المحتدم بين أنقرة وحزب العمال، وما زالت تحمل ندوب التدخل الإقليمي، إلى جانب الأعمال الإرهابية والتهجير والإهمال"، منوهاً إلى "غياب الإرادة الحقيقية لمنع التدخل الخارجي".
اعتراض إيراني
ويقول جندي إن أفراد هذه الوحدات "هم عراقيون أباً عن جد، والمكانات الإعلامية انشغلت بعيداً من النقاط الرئيسة في الاتفاقية، وذهبت تركز على حزب العمال لتظهر أن الوضع غير مستقر لعودة النازحين، وجرت محاولة زج الجيش في مواجهة مع الوحدات قبل أن تتدخل وساطات للتهدئة"، وشدد على أن إيران "تلعب أيضاً دوراً مؤثراً في سنجار، وأغلب الفصائل الموجودة في سنجار، هي فصائل ولائية، وطهران تدعم هذا الوجود لكي يتم استغلاله لأهداف استراتيجية، كأن يكون نقطة ربط مع سوريا، لذلك فإن الإيرانيين وقفوا ضد الاتفاقية".
يذكر أن قوات "الحشد الشعبي" أجرت تغييرات في المناصب الإدارية، وعينت قائممقام وبعضاً من مديري النواحي، عقب انسحاب قوات البشمركة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017، وبرفقتها الحكومة المحلية، على وقع إجراءات عقابية اتخذتها حكومة بغداد ضد الأكراد رداً على تنظيمهم استفتاء للانفصال.
وسبق أن اتهم الحزب "الديمقراطي "مسلحي حزب العمال وفصائل أخرى" بمنع مرشحي الحزب "تحت تهديد السلاح عن الترويج لحملاتهم الدعائية في الانتخابات الاتحادية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، لكن في المقابل تعتبر القوى المناوئة للديمقراطي أن "الأخير يسعى من وراء الحديث عن الاتفاقية إلى إعادة البشمركة ونفوذه إلى القضاء".
ورقة "داعش"
وفي الانعكاسات التي قد يخلفها الانسحاب العسكري الأميركي، قال جندي "على الرغم من عدم وجود عسكري أميركي في سنجار وما حولها، لكن انسحاب القوات القتالية سينعكس سلباً على كافة المفاصل، واستناداً إلى تجارب سابقة، فإنه سيفتح الباب أمام عودة مسلحي داعش، ومن غير المستبعد أن تدعم بعض الدول الإقليمية لتحريك الخلايا النائمة للتنظيم بتنفيذ عمليات نوعية، لإبقاء سنجار شبه خالية كطريق سالك يحقق مصالح تلك الدول".
ومن المقرر أن يكتمل انسحاب القوات "القتالية" الأميركية من العراق بموجب اتفاق بين الجانبين مع نهاية العام الجاري، في وقت تواجه فيه الأخيرة صعوبات في السيطرة على فصائل شيعية متشددة تعمل ضمن غطاء قوات "الحشد الشعبي"، التي توالي نهج "ولاية الفقية" في إيران.
وتشير بيانات رسمية إلى أن مسلحي تنظيم "داعش" قتلوا أكثر من 3 آلاف أيزيدي واختطفوا أكثر من 6 آلاف آخرين، عندما اجتاحوا المدينة، وقد تم تحرير (لغاية الآن) أكثر من 3500 مختطف، فيما لا يزال مصير أكثر من 2800 مجهولاً، وما زال 360 ألف شخص يعيشون في مخيمات للنازحين، في حين هاجر نحو 100 آخرون نحو دول أوروبا وبلدان الهجرة، بينما لا يتجاوز عدد العائدين من النازحين 20 في المئة من مجموع تعداد سكان المدينة الذي كان يقدر بنحو 550 ألفاً.