في جلسة استماع إلى موازنة السنة المالية المقبلة 2022، تحدث نائب المنسق الرئيس لشؤون مكافحة الإرهاب التابع لمكتب وزارة الخارجية الأميركية، اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب العالمي كريس لاندبرغ، بتاريخ 17 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وجاء في النص الثاني من التقرير ما يلي:
"يلعب مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية (CT) دوراً حاسماً في جهود الحكومة الأميركية للتعاون في مكافحة الإرهاب وتعزيز الشراكات وبناء القدرات المدنية لمواجهة مجموعة كاملة من التهديدات الإرهابية التي تواجه الولايات المتحدة وحلفائنا، في احتواء "داعش" و"القاعدة" والجماعات المدعومة من إيران، وكذلك المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية أو الأخلاقية.
يركز مكتب مكافحة الإرهاب على تعزيز التزام شركائنا الدوليين بمكافحة الإرهاب. نحن نساعدهم في التطوير والحفاظ على الأدوات والقدرات التي يحتاجون إليها لمواجهة أعدائنا الإرهابيين المشتركين بشكل فعّال. يظل مكتب مكافحة الإرهاب في طليعة الجهود الدولية لمساعدة الشركاء على الوفاء بمسؤولياتهم المتعلقة بمكافحة الإرهاب للتعامل مع كبار مرتكبي جرائم الإرهاب العالمية".
ويشير التقرير إلى أن طلب الموازنة للسنة المالية 2022 إلى مكتب مكافحة الإرهاب بمبلغ قدره 326.75 مليون دولار، وذلك في البرامج المتعلقة بعدم الانتشار ومكافحة الإرهاب وإزالة الألغام (NADAR) لصندوق شركاء مكافحة الإرهاب (CTPF)، وكذلك برنامج مساعدة مكافحة الإرهاب (ATA)، وبرنامج حظر الإرهاب (TIP)، إضافة إلى 15 مليون دولار من صناديق الدعم الاقتصادي (ESE) لمواجهة برامج الإبادة العنيفة (CVE)، كما يتضمن الطلب أيضاً مبلغ 30.17 مليون دولار في حساب البرامج الدبلوماسية لتعزيز قوة العمل لمكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية.
وبحسب التقرير، فإن هذا الطلب يعطي الأولوية للتمويل للمضي قدماً بأهداف بناء القدرات طويلة الأجل الخاصة بالمكتب، ودعم أولويات مكافحة الإرهاب بشكل مباشر، وتتناول هذه البرامج المجالات الحاسمة، بما في ذلك تطوير قدرات إنفاذ القانون، للتحقيق مع الإرهابيين ومقاضاتهم والاستجابة للأزمات المتعلقة بالإرهاب في الوقت الحقيقي، ومعالجة أمن الطيران والحدود وتمويل الإرهاب ومنع التطرف العنيف ومكافحته.
وكشف لاندبرغ في تقريره عن نقطة مهمة، إذ "تأتي موازنة السنة المالية 2022 في وقت يتغير فيه النهج العام للحكومة الأميركية لمكافحة الإرهاب، إذ نبتعد عن النهج الذي يقوده الجيش إلى تلك التي تتجذر أكثر في الدبلوماسية والشراكة والمشاركة المتعددة الأطراف".
وكذلك تطرق إلى أن موازنة مكتب مكافحة الإرهاب لا تتشكل فقط من خلال مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، لكنها مدفوعة أيضاً بالمشهد الأرضي الذي أصبح أكثر خطراً وتعقيداً وحركة سريعة من أي وقت مضى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا أقر التقرير بأن الجماعات الإرهابية، بخاصة تنامي "داعش" عالمياً، على الرغم من التحرير الكامل إلى الأراضي التي كان يسيطر عليها ذات يوم في العراق وسوريا، لكنه يواصل التحرك على الصعيد العالمي بالاستفادة من الفروع والشبكات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا لتعزيز مخططاته، فإن الخطورة التي يثيرها التقرير في ختامه بما يلي:
"بالتوازي مع كل هذا تواصل إيران ووكلائها، بما في ذلك حزب الله في لبنان وجماعات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، الانخراط في نشاط خطر ومزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه، إذ تعمل إيران على تمويل وكلائها، بما في ذلك التقنية المتطورة، وتمكين الهجمات في جميع أنحاء المنطقة".
المثير في التقرير أنه لا يدخل العنصر الزمني في الحسبان، وكأن عمليات وإجراءات واحترازات مكافحة الإرهاب سلسلة مفتوحة بلا نهاية، والأغرب إن معظم تلك المواجهات والتدابير ضد الإرهاب محصورة في العالم العربي وحسب، وبذلك على الدول العربية بذل مزيد من التعاون والشراكة مع الجانب الأميركي بتحقيق هدف تطارده الولايات المتحدة منذ عقدين من الزمن من دون نتيجة نهائية، ناهيك عن بعض التناقضات الواردة في التقرير ذاته، من بينها تنامي "داعش" عالمياً، مع الإقرار بتحرير الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، أي جعل الفروع الداعشية الموجودة هنا وهناك أكثر خطورة من قيام دولتهم، التي ظهرت فجأة وتمددت سريعاً وانتهت على الإيقاع نفسه، لكن رواسبها ما زالت موجودة تظهر وتختفي بشكل مريب.
والكلام عن طلب موازنة مالية تتجاوز الثلث مليار دولار إلى "مكتب مكافحة الإرهاب"، يعني أن دافع الضرائب الأميركي يتحمل عبئاً مستمراً من دون أن يرى نهاية وشيكة لهذا النفق المظلم، وأن الأمن القومي للبلاد ما زال يعاني مشكلة مزمنة لم يتمكن من حسمها، على الرغم من الإمكانات العالية التي يمتلكها، والتعاون من طرف الحلفاء والأصدقاء حول العالم، فأين الخلل؟
والأبرز في التقرير الإقرار في "تواصل إيران ووكلائها" في زعزعة المنطقة، وتمكين الهجمات فيها، مع أن التمدد الإيراني في بعض الدول العربية، لا سيما في العراق، جاء عبر التوافق مع الجانب الأميركي، ولا يمكن لإيران أن تحقق كل ذلك التمدد على الضد من الإدارات الأميركية المتعاقبة.
صفوة القول، إن التحليل العقلي والاستنتاج المنطقي يشير إلى أن "مكتب مكافحة الإرهاب" الأميركي يؤدي دوراً ضمن السياسة المرسومة في اضطراب منطقة الشرق الأوسط على حساب استقرار وأمن الدول العربية، وإلا كيف نفسر الاعتراف بخطر الإرهاب الإيراني ووكلائه في المنطقة وخارجها، وغياب الإرادة الدولية ضده؟ بل كيف نفهم مرونة الولايات المتحدة خصوصاً، والدول الغربية عموماً تجاه إيران؟ ولماذا الاستمرار في حصر مجمل المواجهات والهجمات الإرهابية داخل الأراضي العربية؟
الأسئلة كثيرة لكن الجواب واحد، فبحسب تصورنا فهي السياسة الأميركية الهوجاء في الشرق الأوسط، لذلك خسرت الكثير، وتضادت حتى مع بعض الدول العربية الحليفة لها، فلا عجب أن يستمر وجود روسيا في منطقتنا عسكرياً وتلحق بها الصين اقتصادياً.