مدينة البرتقال هي التسمية الشعبية لمحافظة ديالى شرق العراق، لكونها أهم محافظات العراق في الإنتاج الزراعي. هذه المدينة تعاني جفافاً وانخفاضاً حاداً في إيرادات المياه الآتية من إيران، ما ينذر بخطر كبير يهدد سكانها خلال الفترة القليلة المقبلة.
وأدى تراجع إيرادات المياه إلى المحافظة، التي يبلغ عدد سكانها 1.6 مليون نسمة، والمتمثلة في السيول الآتية من إيران وقلة تساقط الأمطار، إلى انخفاض خزين بحيرة حمرين في ديالى، التي تبلغ قدرتها التخزينية ملياري متر مكعب. مما أثر سلباً في القطاع الزراعي خلال العام الحالي، وأجبر العديد من السكان على ترك منازلهم في موجة نزوح جديدة، خصوصاً أن معظم سكان المحافظة يعملون في الزراعة.
تراجع المساحات المزروعة
ويكشف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، عون ذياب، عن أن الوزارة اتخذت بعض الإجراءات لمعالجة مشكلة النقص الحاد في المياه في محافظة ديالى، مشدداً على ضرورة إجراء تفاهمات مع إيران لضخ المياه إلى نهر ديالى.
ويضيف ذياب أن "هناك جفافاً حاداً أثر في منسوب السدود والخزانات المائية، إذ لم تكن أمطار خريف هذه السنة مبكرة، ونتوقع تحسن الواردات المائية إلى سدي دربندخان وحمرين".
ويقول ذياب إن "الوزارة اتخذت الإجراءات الخاصة بتوفير مياه الشرب، لا سيما في بعقوبة، بعد أن تم نقل المياه من نهر دجلة، فضلاً عن إجراءات أخرى تتعلق بالتوسع في حفر الآبار لاستخدامها للزراعة في مناطق متعددة من ديالى".
ويتابع أن "الوزارة اتخذت إجراءات أخرى تمثلت في تقليص الزراعة وفق الخطة الشتوية بنسبة 50 في المئة، ولم نعط موافقة على الزراعة الصيفية في حوض ديالى للحد من حالة الجفاف".
وبعدما تراجع إنتاج الحنطة خلال العام الحالي، جراء انخفاض كميات المياه الواردة إلى العراق بمقدار مليون طن، وبلغ 3.5 مليون طن بعدما كان أربعة ملايين ونصف المليون طن في 2020، تتوقع دراسات وزارة الزراعة أن ينخفض الإنتاج في العام المقبل إلى مليوني طن.
التفاهم مع إيران
ويعتقد ذياب أن ثمة "ضرورة لإجراء تفاهمات مع طهران، لكون 75 في المئة من نهر ديالى تأتي من الجانب الإيراني، وللحصول على نسب معقولة من المياه في نهر ديالى".
ويلفت ذياب إلى أن "الوزارة استكملت من الناحيتين الفنية والقانونية ملف المياه مع إيران، ويبقى الجانب السياسي والدبلوماسي وقرار التدويل من مسؤولية وزارة الخارجية ومجلس الوزراء"، لافتاً إلى أن العراق بحاجة إلى تحرك أكبر في مجال الضغط على الجارة إيران في حال استمر تراجع إمدادات المياه".
ويعتمد العراق في تغذية أنهاره سنوياً على المياه الآتية من تركيا وإيران، خصوصاً في فصل الربيع، فضلاً عن الأمطار والثلوج، إلا أن الموسم الحالي شهد انخفاضاً كبيراً وغير مسبوق منذ سنوات. وبدا ذلك واضحاً من خلال انحسار مساحة نهري الفرات ودجلة داخل الأراضي العراقية.
سوء الإدارة
بدوره، يعزو النائب السابق عن محافظة ديالى، محمد الخالدي، مشكلة شح المياه في ديالى إلى "سوء إدارة هذا الملف"، محذراً من "هجرة قد تشهدها المحافظة بسبب نقص المياه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الخالدي أن "سوء إدارة المياه، لا سيما من قبل إدارة المحافظة، أحدث كثيراً من المشاكل"، مشيراً إلى أنه "من ضمن هذه المشاكل التدخلات السياسية في توزيع حصص المياه وزراعة الأراضي أكثر من حجم المياه المخصصة لتلك الأراضي لمصلحة عشائر أو أحزاب".
ويتابع أن "المحافظة لم تستفد من مياه الأمطار المحلية من خلال إنشاء سدود للاستفادة من مياه الفيضان"، مؤكداً أن "كثيراً من الدول وبما فيها كل من تركيا وإيران تنشئ مثل هذه السدود الصغيرة للاستفادة من الأمطار واستخدامها في أوقات شح المياه".
ويعتبر أنه "لتحسين الموقع التفاوضي للعراق وحصته في المياه، من الممكن استخدام ملف التجارة مقابل المياه مع دول الجوار"، لافتاً إلى أن "التوقعات تشير إلى أن عدد سكان العراق في عام 2030 سيصل إلى 60 مليوناً، ما يعني زيادة الحاجة إلى المياه للاستخدامات اليومية والزراعة".
ويتوقع الخالدي "هجرة من بعض مناطق ديالى، بسبب شح المياه"، مشيراً إلى أن "بعض سكان المحافظة اعتمد على مياه الآبار ذات كُلف التشغيل العالية في ري الأراضي الزراعية بعد النقص الحاد الذي شهدته المحافظة".
الصيف خطر
وخلال السنوات الماضية، دعت الحكومات العراقية تكراراً إيران وتركيا إلى التفاوض من أجل إيجاد حلول لموضوع تقاسم المياه بين الأطراف الثلاثة، في ما يتعلق بنهري الفرات ودجلة وإرجاع مسار نهر كارون إلى وضعه الطبيعي ليغذي شط العرب، إلا أنها لم تفلح في تحقيق نتائج إيجابية.
فعلى الرغم من كون العراق شريكاً تجارياً مهماً لإيران وتركيا، ويعد من المستوردين الكبار للمواد المصنعة في الدولتين، فضلاً عن تعاقده مع شركاتهما لتنفيذ مشاريع في مختلف المجالات، فإن الجانبين كانا يسيران في اتجاه معاكس لهذا التقارب العراقي، إذ اتخذا سلسلة من الإجراءات التي زادت من خفض إيرادات المياه إلى البلاد.
بدوره، يتوقع المتخصص في المجال الزراعي عادل المختار أن "تشهد محافظة ديالى وضعاً صعباً في فصل الصيف المقبل، إذا استمر شح المياه"، معرباً عن أمله أن يتحسن الوضع المائي خلال فصل الشتاء الحالي.
ويضيف المختار أن "موسم الجفاف الكبير الذي يمر به العراق لم يمر به منذ أربعين عاماً"، لافتاً إلى أن "الحلول قد تكون معدومة، باستثناء بعض الإجراءات التي اتخذتها وزارة الموارد المائية".
موقف إيران
وتقول طهران إنها تعاونت مع العراق في ملف المياه، وإن ايران شهدت خلال السنوات الماضية قلة في هطول الأمطار والجفاف .
وقال السفير الإيراني في العراق إيرج مسجدي لوكالة الانباء العراقية (واع) في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي أنه "خلال السنوات الماضية تعرضت إيران الى قلة هطول الامطار وكذلك الجفاف والنقص في المياه وقد تؤثر هذه الامور على نسبة المياه"، لافتاً الى ان "الجمهورية الاسلامية الايرانية قامت بالتعاون التام مع العراق في هذا الجانب".
واقترح مسجدي ان "يجتمع المسؤولون المختصون لكلا البلدين (العراق وإيران)، وأن يناقشوا هذه الأمور ويتخذوا القرار بأجواء ودية وأخوية فيما بينهم"، موضحاً "أننا نرغب ونحرص بتقديم أي مساعدة ودعم".