على الرغم من تواصل الحراك السياسي للكتل البرلمانية الفائزة في الانتخابات العراقية بهدف تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان، لا يزال الجدل مستمراً حول نتائج الانتخابات وتأخر المحكمة الاتحادية العليا في المصادقة عليها نتيجة الطعون التي قدمها "تحالف الفتح".
وقررت المحكمة الاتحادية العليا، في 13 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، تأجيل موعد البت في دعوى زعيم "تحالف الفتح" هادي العامري لإلغاء نتائج الانتخابات.
وأشارت مصادر قضائية إلى أن المحكمة حددت تأجيل المرافعة إلى الأربعاء المقبل 22 ديسمبر. ويُعد هذا التأجيل هو الثاني الذي قامت به المحكمة، فيما يرى مراقبون أن الغاية الرئيسة من الدعوى ليست إلغاء نتائج الانتخابات بل تسليط ضغوط على الكتل السياسية الفائزة للذهاب نحو التوافق مرة أخرى ودرء فكرة حكومة الأغلبية السياسية.
توقعات برد دعوى "الإطار التنسيقي"
ويرفع "الإطار التنسيقي" للقوى الشيعية العراقية، وهو تحالف يضم أغلب الميليشيات الموالية لإيران، شعار الاعتراض على "تزوير الانتخابات"، بعدما حاز على 17 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان، مقابل 48 مقعداً في البرلمان السابق.
وأشار مسؤولون في "تحالف الفتح" خلال مؤتمر صحافي، إلى حصول أعطال في التصويت الإلكتروني.
وكان المحامي محمد مجيد الساعدي، ممثل "تحالف الفتح" المقدم للشكوى أمام المحكمة الاتحادية، أكد أن الهدف من الدعوى هو "إلغاء نتائج الانتخابات". وقال في تصريحات صحافية، "اتضح وجود مخالفات جسيمة وكبيرة جداً من شأنها إحداث تغيير في النتيجة العامة".
وتمثل المحكمة الاتحادية وفق الدستور، السلطة القضائية الأعلى التي تفصل بالنزاعات التي يمكن أن تحدث نتيجة الإجراءات التي تتخذها إحدى مؤسسات الدولة.
وتوقع الباحث القانوني طارق حرب أن تتضمن الجلسة المقبلة للمحكمة الاتحادية تحديد موعد للنطق بالحكم في ما يتعلق بدعوى إلغاء نتائج الانتخابات، مؤكداً أن "المحكمة سترد الدعوى المقامة من قوى الإطار التنسيقي". وأضاف حرب أن "إعادة الانتخابات أمر شبه مستحيل خصوصاً مع غياب البرلمان ووجود مفوضية معترَض عليها من قبل بعض الأطراف، فضلاً عن آثار أخرى لا يمكن تصورها من الفراغ القانوني والدستوري والفوضى". ويختم قائلاً، إن "الظروف السياسية الحالية ربما أثرت بشكل ما على تأجيل النطق بالحكم، إلا أن القضية ستُحسم خلال الأيام المقبلة".
وعلى الرغم من كل الدفوعات التي قدمها "تحالف الفتح" وقوى "الإطار التنسيقي"، دافعت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت، عن عمل المفوضية العليا للانتخابات، حيث نفت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وجود أدلة على تزوير ممنهج للعملية الانتخابية.
ولا يمكن للبرلمان العراقي الجديد الانعقاد من دون مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية، وهو ما يعرقل مسارات تشكيل الحكومة المقبلة.
ضغوط على المحكمة الاتحادية
ولعل التأخر في حسم المصادقة على النتائج يرجح الرؤى التي تقول، إن احتمالات التصعيد هي التي دفعت المحكمة إلى تأجيل المصادقة.
ورأى الباحث في الشأن السياسي والأمني أحمد الشريفي، أن تأخر المحكمة الاتحادية في حسم الطعون والمصادقة على نتائج الانتخابات "يرتبط بالضغوط التي يمارسها الإطار التنسيقي خلال الفترة الأخيرة"، مبيناً أن كل تلك المناورات "لن تجدي نفعاً في التأثير على قرار المحكمة".
وأشار الشريفي إلى قيود كثيرة تعقد مهمة قوى "الإطار التنسيقي"، أبرزها أن "الانتخابات الأخيرة أحاطتها جملة إجراءات قانونية، بينها الإدارة القضائية. ولذلك فإن أي تراجع أمام مطالبات قوى الإطار التنسيقي سيؤدي إلى تقاطع داخل السلطة القضائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع قائلاً، إن "المحكمة الاتحادية لن تخضع لضغوط الأحزاب، لأن إعلان فشلها في إدارة العملية الانتخابية سيعني تدويل الملف العراقي"، مردفاً أن "السقوف الزمنية للمصادقة على نتائج الانتخابات لن تكون مفتوحة، خصوصاً وأن السلطة القضائية مقيدة بمهل دستورية لا تود تجاوزها".
التوافق هو الغاية الرئيسة
ويبدو أن الرهان الأكبر للقوى الرافضة لنتائج الانتخابات الأخيرة، يرتبط بتسليط أقصى الضغوط على المحكمة الاتحادية للتأثير على الكتل الفائزة في الانتخابات وتغيير مسارات تشكيل الحكومة المقبلة، وفق تعبير الشريفي الذي لفت إلى أن هذا الأمر لن يؤدي إلى "تأخير مصادقة المحكمة أو الالتفاف على مخرجات الانتخابات للذهاب نحو حكومة توافقية".
واعتبر الشريفي أن "خيار التوافق لم يعد مطروحاً في العراق، خصوصاً مع الإرادة المحلية والدولية والإقليمية بالذهاب نحو حكومة أغلبية سياسية"، مستبعداً "قدرة أطراف الإطار التنسيقي على التصعيد لعدم امتلاكهم في المرحلة الحالية أي أدوات لإدارة التصعيد". وأضاف أن "الإرادة الدولية ذاهبة باتجاه أن يكون العراق محوراً للتسوية في المنطقة، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بحكومة أغلبية تمكن البلاد من لعب دور مهم وفاعل في التوازنات الإقليمية".
استنزاف الوقت لتفتيت مشروع الصدر
في موازاة ذلك، يرفع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الفائز بـ73 مقعداً في الانتخابات الأخيرة، شعار "الأغلبية السياسية" لتشكيل الحكومة المقبلة، وهو الأمر الذي استفز أطراف "الإطار التنسيقي" ودفعهم إلى التصعيد في أكثر من مناسبة.
ورأى مراقبون أن الغاية الرئيسة لتصعيد أطراف "الإطار التنسيقي" هي محاولة ثني الصدر عن عزمه تشكيل حكومة أغلبية والعودة إلى توافقات "البيت الشيعي" التي كانت محور تشكيل الحكومات السابقة.
وعلق رئيس "مركز التفكير السياسي" إحسان الشمري على ذلك بالقول، إن الغاية الرئيسة لقوى الإطار التنسيقي تتمثل في محاولة "استنزاف الوقت لتفتيت جبهة التيار الصدري وإحباط محاولاته تشكيل تحالف مع قوى سنية وكردية والذهاب نحو حكومة أغلبية".
وأشار الشمري إلى أن "إلغاء نتائج الانتخابات وإعادتها ليست من اختصاصات المحكمة الاتحادية، إلا أنها تتعاطى مع هذا الملف وفق أسلوب دفع الضرر والتعامل بحيادية إزاء الشكاوى"، مبيناً أن تلك الأطراف "ربما تحاول انتظار تسوية ما تراعي فيها المحكمة الاتحادية مصلحة البلاد العليا من الناحية السياسية كما حصل في مناسبات سابقة".
ورجح الشمري أن "تمضي المحكمة الاتحادية باتجاه المصادقة على النتائج على الرغم من الضغوط السياسية التي تمارسها قوى الإطار التنسيقي". أما بشأن احتمالات التصعيد بعد المصادقة على النتائج الانتخابات، صرح الشمري بأن "جزءاً من قوى الإطار التنسيقي سيعتمد التصعيد، لكن الجزء الآخر سيمضي في النهاية مع التيار الصدري في خياراته لتشكيل الحكومة المقبلة".
وعلى الرغم من توقعه أن تعمد بعض الأطراف إلى التصعيد في حال المصادقة على نتائج الانتخابات، رأى الشمري أن "هذا التصعيد لا يمكن أن يتطور إلى صدام مسلح وستكتفي تلك الأطراف بمحاولة خلق أزمة سياسية وإرباك أمني". ويختم قائلاً، إنه "من المبكر الحديث عن الفراغ الدستوري إلا أن البلاد أمام خلل سيتحول إلى أزمة دستورية إذا لم يتم حسمه".