بغداد اليوم - متابعة
بعد سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011 وانقسام ليبيا بين العديد من الفصائل المتناحرة فيما بينها، تطوّر هذا الانقسام ليصبح حرباً تشهدها البلاد منذ حوالي عقد من الزمن، بدعم من قوى إقليمية ومقاتلين أجانب ومرتزقة، بين حكومة الوفاق الوطني والتي اتخذت من غرب ليبيا مقراً لها، وبين المشير خليفة حفتر الذي أعلن عداءه لهذه الحكومة من شرق البلاد.
وفي الوقت الذي تلقت فيه حكومة الوفاق الوطني دعماً من تركيا وقطر وأمريكا، تلقى المشير خليفة حفتر دعماً من دول عدة كالإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، وكانت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية اسماً بارزاً تداولته ولا تزال تتداوله العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية كداعم رئيسي لقوات حليفة حفتر في معاركها على الأراضي الليبية، والتي تعرضت مؤخراً لهجوم إعلامي كبير ترافق مع عقوبات من قبل الأمم المتحدة، بالتزامن مع اقتراب الانتخابات الليبية، فيما بدا وكأنه رغبة لدى بعض الأطراف في التأثير على سير تلك الانتخابات.
اتهامات كاذبة
قد وجهت الأمم المتحدة مؤخراً جملة من الاتهامات لمجموعة فاغنر منها مايرقى إلى مستوى جرائم حرب، وذلك خلال العمليات العسكرية التي أجرتها في ليبيا، وفقاً لتقرير صادر عن جهات رسمية في الأمم المتحددة والذي يشير إلى روسيا ومجموعة فاغنر كمسؤولين عن الفوضى الحاصلة في ليبيا.
إذ اتهم محققو حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة الأطراف المتحاربة في النزاع الليبي بارتكاب انتهاكات قد تشمل جرائم حرب، وفيما ذلك تسليط الضوء بشكل رئيسي على دور شركة المرتزقة الروسية "فاغنر جروب".
ويدفعنا التدقيق والتمعن في نتائج هذا التقرير إلى طرح مجموعة من التساؤلات حول مدى مصداقية المعلومات التي تنشرها الأطراف الغربية عن نشاط مجموعة فاغنر في ليبيا، وعن حقيقة مسؤوليتها عن الجرائم والتهم المنسوبة إليها. فعلى سبيل المثال وليس الحصر فإن الجرائم والانتهاكات التي أشار إليها التقرير تعود في معظمها إلى الفترة مابين عامي 2011 و 2016، مع العلم أنّ أول مشاركة لقوات "فاغنر" في الحرب الليبية كانت خلال عام 2018! ويتضمن التقرير أيضاً قائمة طويلة من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين من قتل وتجنيد للأطفال، بالإضافة إلى الإصابات والوفيات الناتجة عن انفجار الألغام المزروعة في حقول عديدة من قبل جميع الأطراف التي تشارك في النزاع على الأراضي الليبية، إلا أن وسائل الإعلام الغربية تتجاهل متعمدة أن اتهام التقرير لجميع الأطراف المشاركة في الحرب والقوات الامريكية والتركية التي تم نقلها إلى ليبيا في عام 2019 لدعم حكومة الوفاق الوطني تعتبر مسؤولة أيضاً عن هذه الجرائم وليست مجموعة فاغنر وحدها هي المتهم بالقيام بكل تلك الانتهاكات التي يشير التقرير إلى مشاركة القوات التركية فيها أيضا بشكل واضح.
انتهاكات تركيا في ليبيا
كانالمرصد السوري لحقوق الإنسان قد كشف عن وجود أكثر من 17 ألف مرتزق وإرهابي ممن أرسلتهم تركيا للقتال في صفوف المليشيات بليبيا.
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن، إنه لا يزال في ليبيا أكثر من 7 آلاف مرتزق من حملة الجنسية السورية و10 آلاف إرهابي ربعهم تونسيون من مجموعات مصنفة إرهابية.
وبحسب بيان صادر عن المرصد، فإن "الإرهابيين التونسيين" جرى نقلهم من سوريا إلى ليبيا. وتدريبهم في تركيا علي اعلي المستويات
وقد نشر موقع جلوباليست الإيطالي تحليلًا عن سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتدخلاته الخارجية، وألقى الضوء على اتهاماته لروسيا بدعم الجيش الوطني الليبي، بينما يدعم هو الميليشيات المتطرفة الذين لطخوا أنفسهم في سوريا بجرائم بشعة وأرسلهم أردوغان لدعم حكومة الوفاق في ليبيا .
وأشار الموقع إلى أن أردوغان، أغرق ليبيا بالآلاف من الميليشيات الإرهابية الذين ارتكبوا جرائم بشعة في سوريا، وقالت إنهم علموا تحت قيادات القاعدة أولًا ثم تحت قيادة «سلطان أنقرة» لاحقًا في إشارة إلى أردوغان الذي يطالب بمغادرة المرتزقة من ليبيا، وفي الوقت نفسه يدعو المجتمع الدولي لدعم حكومة الوفاق التي تعتمد على الميليشيات التي يرسلها هو إلى ليبيا، ويتهم القوى الوطنية الليبية بجرائم حرب، وأضاف المقال «هذا هو ملخص موقف الرئيس التركي من ليبيا». وتابع الموقع أن أردوغان يلعب دورا مركزيا في الأزمة الليبية، ليس فقط لدعم السراج ضد حفتر، ولكن لخدمة أهداف تركيا التوسعية الواضحة، وهي احتلال موارد الطاقة في طرابلس والبحر الأبيض المتوسط، مؤكدًا أن تركيا تسعى لأن تكون موجودة بشكل متزايد في الأراضي الليبية، وأن «غزو» ليبيا هو جزء من خطة الإمبراطورية العثمانية الجديد.
هجوم اعلامي شرس
أصبحت مجموعة فاغنر الهدف الرئيسي والشغل الشاغل للكثير من وسائل الإعلام الغربية التي لم تتوقف عن مهاجمة المجموعة واتهامها بكل أنواع الجرائم في كل أصقاع الأرض، حتى بلغ الأمر بتلك الجهات الإعلامية أن تستخدم أخبار كاذبة ومعلومات مزيفة وتنسبها إلى مجموعة فاغنر في محاولة لتحقيق أكبر زخم إعلامي ممكن ضد المجموعة. ولكن ماالذي فعلته فاغنر حتى تتعرض لهذا الهجوم الإعلامي الغربي الشرس؟ وماهو الدور الذي تلعبه حتى تكون في مرمى الإعلام الغربي؟ لابدّ من الإشارة والتذكير بأن مجموعة فاغنر الروسية قد قامت فعلاً بإحداث خلل واضح وكبير في المخططات الاستراتيجية التي رسمها الغرب في الشرق الأوسط سواءً على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، ولعلّ صمود سوريا في وجه التقسيم وحفاظها على وحدة أراضيها من أهم الأدلة على أهمية الدور الذي لعبته قوات فاغنر في وجه المخططات الغربية، ولكن أي دور لعبته مجموعة فاغنر في ليبيا،
اهداف نبيلة
كشفت صحيفة "ميدوزا" الروسية وهي إحدى الصحف المعارضة وموقع ليبيا أوبزرفر، عن الأهداف الحقيقية التي أتت بقوات فاغنر إلى ليبيا في نهاية العام 2018، ولخصت الصحيفة مهام مجموعة فاغنر في ثلاث نقاط رئيسة: 1: المساهمة في محاربة والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي وفروعه على الأراضي الليبية. إذ منح تأمين الوضع الأمني في ليبيا ومساعدة الخبراء التابعين للمجموعة على عودة إنتاج النفط لتطوير الاقتصاد الليبي الذي يستفيد منه ليس حفتر وحده ولكن جميع الأطراف. 2: تقديم تدريبات للقوات التابعة لخليفة حفتر والقيام بعمليات الاستطلاع والتقصي، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تسريع سيطرة خليفة حفتر على مساحات ومناطق واسعة. إذ قامت قوات فاغنر ببناء خط دفاعي بين سرت والجفرة من أجل تأمين نجاح الهدنة في ليبيا. 3: حراسة وحماية حياة سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي السابق الذي من الممكن أن يكون مرشحاً وسطيا يوافق عليه جميع أطراف الأزمة. وعلى الرغم من الإشاعات الكثيرة التي تحدثت عن سعي مجموعة فاغنر الحثيث لإيصال خليفة حفتر إلى سدة الحكم في ليبيا، إلا أن دعم وحماية سيف الإسلام القذافي في الوقت ذاته يعني الإيمان بضرورة قيام عملية سياسية يشارك فيها مختلف الأطراف بالشكل الذي لا يسمح للقوة بإقصاء أي طرف. وبهذا فإن وجود قوات فاغنر كقوة ثالثة في مقابل القوات الأمريكية والتركية يعني ضماناً لاستقرار ليبيا حتى الوصول إلى تسوية تنصف وترضي جميع الأطراف المتنازعة، ويعني عدم الرضوخ لرغبة أمريكا وتركيا في السيطرة على البلاد، وخاصةً في ظل السعي التركي للحصول على امتيازات فيما يخص استخدام البحر الأبيض المتوسط من حكومة السراج. لا شك أن تؤدي الحرب إلى مفاجاّت مأسوية يتحمل مسؤوليتها كل الأطرف التي شاركت في الحرب من قوات تركية وأمريكية وروسية وحتى الشعب الليبي نفسه. بالتالي فإن موقف مجموعة فاغنر المناوئ للمخططات الأمريكية والتركية لتقسيم الشرق الأوسط هو الذي جعلها هدفاً لوسائل الإعلام الغربية التي لم تكن يوماً لتهتم بأي قضية إلا بما يخدم مصالحها وخاصة في الشرق الأوسط.