الترا عراق - فريق التحرير
في الساعات الأولى التي تلت محاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، علم "الترا عراق" عبر مسؤولين بارزين بعضهم على صلة وثيقة بالحكومة، أنّ قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قد سارع بزيارة طارئة إلى العراق.
كشفت "رويترز" عن تفاصيل زيارات قاآني إلى العراق خلال هذا العام
وقال المسؤولون حينها، إنّ إسماعيل قاآني قدم تأكيدات إلى الكاظمي تفيد بأنّ إيران لم تكن على علم بمحاولة الاغتيال، فضلاً عن رفضها القاطع لمثل هذا النوع من الهجمات، مشيرين إلى أنّ قاآني منح الكاظمي "ضوءًا أخضر" لمحاسبة المسؤولين عن الهجوم "دون رحمة".
بدورها، كشفت "رويترز" في تقرير جديد، تفاصيل حول الزيارة التي تضمنت اجتماعًا مع زعيمي اثنين من أكبر الفصائل المسلحة، وعن زيارات أخرى سبقتها في إطار محاولات "قمع اضطرابات أثارتها الميليشيات".
اقرأ/ي أيضًا: سقوط طائرة مسيرة في المنصور ومعلومات عن محاولة اغتيال
ويقول التقرير الذي ترجمه "الترا عراق" دون تصرف، إنّ قاآني "وبخ كلاً من هادي العامري وقيس الخزعلي وطالبهما بالقبول بنتائج الانتخابات"، كما وجه رسالة مماثلة إلى قائد أركان الحشد الشعبي "أبو فدك".
وحذر قاآني، وفقًا للتقرير، من "السياسة التافهة للميليشيات والتي تهدد قوة الأغلبية الشيعية الحاكمة في العراق، حيث تمارس إيران نفوذها".
وأشار تقرير رويترز أيضًا، إلى أنّ حراك قاآني داخل العراق، في هذا العام، شمل مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري.
تتدخل إيران في العراق لقمع الاضطرابات الداخلية المزعزعة للاستقرار التي أثارتها الميليشيات المدعومة منها. وتأتي هذه الإجراءات في الوقت الذي تسعى فيه طهران إلى الحفاظ على نفوذها العميق في البلاد مع الإبحار في مفاوضات متوترة حول طموحاتها النووية مع الولايات المتحدة.
وجاء تدخل رفيع المستوى بشكل خاص الشهر الماضي، بعد ساعات من هجوم على مقر رئيس الوزراء العراقي، ألقى بعض المسؤولين في بغداد باللوم فيه على الجماعات المدعومة من إيران.
رويترز: قاآني وبّخ هادي العامري وقيس الخزعلي وطالبهما بالقبول بنتائج الانتخابات والتهدئة
وقد هرع أحد كبار القادة العسكريين في طهران وهو العميد إسماعيل قاآني إلى بغداد، وفقًا لما ذكره مسؤولو الميليشيات والسياسيون العراقيون المقربون من الميليشيات ودبلوماسيون غربيون ومصدر أمني عراقي مطلع على المحادثات. وكان قاآني يحمل رسالة إلى الميليشيات الموالية لإيران التي ترفض الاعتراف بالنتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر والتي فاز فيها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، المرشح الشعبوي المعارض للنفوذ الإيراني. رسالة قاآني نصت على: القبول بنتائج الانتخابات
وقال قاآني، قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذي يرأس عملياته العسكرية الخارجية، لقادة ميليشيات اثنين إنّ السياسة التافهة تهدد قوة الأغلبية الشيعية الحاكمة في العراق، التي تمارس إيران من خلالها نفوذها، وفقًا للمطلعين على الاجتماع.
وشكل الهجوم المسلح بطائرة بدون طيار في 7 تشرين الثاني/نوفمبر على مقر إقامة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، تصعيدًا كبيرًا في التوترات التي كانت تتصاعد خلال الأشهر الأخيرة بين الجماعات الشيعية المتنافسة. وقد انحاز كاظمي إلى الصدر. ومني تكتل الفتح البرلماني المؤلف من فصائل مرتبطة بالميليشيات الموالية لطهران بهزيمة كبيرة في الانتخابات، حيث خسر عشرات المقاعد.
وخلال اجتماع مقتضب في مكتب سياسي مخضرم مدعوم من إيران في بغداد، وبخ قاآني زعيمي جماعات الميليشيات الرئيسية المدعومة من إيران، متهمًا إياهما بالتعامل مع تداعيات الانتخابات بشكل سيء.
ووصف أحد مسؤولي الميليشيا الاجتماع لرويترز، مستندًا إلى معرفة مباشرة باللقاء، فضلاً عن سياسيين مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بالميليشيات اطلعا على الاجتماع.
وقال المسؤول وسياسيان، إنّ قاآني الذي كان يرافقه فريق صغير طلب من رئيسي الميليشيا السيطرة على أنصارهما ومسلحيهما.
وقال مسؤول الميليشيا، إن "الإيرانيين كانوا غاضبين". وأضاف أنّ مسؤولاً إيرانيًا سأل "هل تريدون حربًا أهلية شيعية؟". ورفض المسؤول الكشف عن هوية الإيراني الذي أدلى بهذه التصريحات.
رويترز: مسؤول إيراني تحدث إلى زعمي الميليشيات بغضب وقال "هل تريدون حربًا أهلية شيعية؟"
وقال خمسة مسؤولين آخرين في الميليشيا ودبلوماسيان غربيان ومسؤول أمني عراقي اطلعوا على اللقاء، إنّ قاآني قاد الإجراءات. وقدمت جميع هذه المصادر روايات مماثلة، مؤكدة أنّ قاآني طلب من الجماعات المدعومة من إيران التوقف عن تأجيج الاضطرابات في العراق.
ولم ترد الحكومة الإيرانية، التي أدانت هجوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر، في ذلك الوقت، على طلبات التعليق على هذا المقال، كما لم يرد الحرس الثوري على أسئلة مكتوبة، ولم يرد مكتب العلاقات العامة للحرس عندما تم الاتصال به هاتفيًا من أجل هذا المقال.
ولم تتلق رويترز ردودًا على الأسئلة الموجهة إلى قاآني المرسلة عبر الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني.
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، أنّ قاآني زار العراق في أعقاب الهجوم، لكنها لم تقدم سوى القليل من التفاصيل عن أنشطته هناك.
ولم يرد مكتب رئيس الوزراء العراقي على طلب التعليق.
وتعتبر الرواية، التي لم يتم الإبلاغ عنها من قبل عن مهمة قاآني في بغداد، واحدة من عدة تدخلات قامت بها إيران خلال العام الماضي بهدف منع تصاعد العنف بين الجماعات الشيعية المتنافسة، مما يهدد بتقويض نفوذ إيران في العراق المجاور وزعزعة استقرار المنطقة. كما كان حلفاء الميليشيات الإيرانية مسؤولين عن هجمات على الأصول الأمريكية في العراق.
وتأتي التوترات بين الشيعة في العراق بمثابة إلهاء غير مرحب به لطهران في الوقت الذي تجري فيه محادثات غير مباشرة مع واشنطن حول إحياء الاتفاق النووي لعام 2015. وقد منح هذا الاتفاق، الذي مزقه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، إيران إعفاءً من العقوبات الاقتصادية مقابل الحد من برنامجها النووي.
رويترز: يشكو بعض قادة الميليشيات سرًا من أنّ قاآني يفتقر إلى الكاريزما
وتقدم الزيارة نظرة نادرة على الأنشطة المتعلقة بالعراق التي يقوم بها قاآني، الذي يرأس فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري الإيراني الذي يسيطر على الميليشيات المتحالفة معه في الخارج.
وقد تولى هذا المنصب في كانون الثاني/يناير 2020 بعد أن اغتالت الولايات المتحدة سلفه قاسم سليماني في غارة بطائرة بدون طيار خلال زيارة إلى بغداد.
وقد اتسمت فترة ولاية قاآني بزيادة الجهود للسيطرة على الميليشيات. وفي السابق، كان الوضع أسهل نسبيًا بالنسبة لإيران في توجيه وكلائها في العراق، وفقًا لمسؤولي الميليشيا والسياسيين العراقيين المقربين من الميليشيات والدبلوماسيين الغربيين ومصدر أمني عراقي.
اقرأ/ي أيضًا: بعد ساعات من تهديدات ميليشيات.. هجوم صاروخي على الخضراء
وبدأ حلفاء طهران العسكريون والسياسيون في العراق في الغالب كجماعات شبه عسكرية تمولها إيران وتدربها وتطورت فيما عبر أجنحة سياسية. وهي تعمل الآن كجماعات عسكرية وسياسية هجينة مدججة بالسلاح تسيطر على أجزاء من الاقتصاد العراقي ومؤسسات الدولة.
وقال مسؤولون عراقيون، إنّ هذه السلطة شجعت بعض قادة الميليشيات على التصرف بشكل أكثر استقلالية عن طهران. ويشكو بعض قادة الميليشيات سرًا من أن قاآني يفتقر إلى الكاريزما والقيادة العربية لسلفه.
وكان الزعيمان اللذين التقى بهم قاآني، هادي العامري الحليف الإيراني شبه العسكري منذ فترة طويلة، وقائد سياسي عسكري آخر، قيس الخزعلي، وفقًا لمسؤول الميليشيا الذي لديه معرفة مباشرة بالاجتماع والسياسيين المقربين من الميليشيات.
ولم يرد مكتبا العامري والخزعلي على طلبات التعليق. وقد أدان العامري الهجوم علنًا، فيما ألقى الخزعلي باللائمة على جهات فاعلة مجهولة الهوية.
وقد وصفت الميليشيات المدعومة من إيران علنًا هجوم 7 تشرين الأول/نوفمبر، بأنّه مؤامرة لزج اسمها وزرع الفوضى في العراق. ولم ترد عدة ميليشيات مدعومة من إيران اتصلت بها رويترز على طلبات التعليق على الهجوم.
رويترز: الإيرانيين يجدون صعوبة متزايدة في السيطرة على حلفائهم في العراق
وقد تصاعدت التوترات بين الجماعات الشيعية المتنافسة في الأسابيع الأخيرة. ومن المتوقع أن يصادق القضاء العراقي على نتائج الانتخابات في الأيام المقبلة، الأمر الذي قد يؤجج الاستياء.
وقد يأتي اختبار هام آخر لقدرة إيران على إبقاء التوترات تحت السيطرة بعد 31 كانون الأول/ديسمبر، إذ دعت إحدى جماعات الميليشيات، تدعى كتائب سيد الشهداء، علنًا المعارضين لوجود الولايات المتحدة في العراق إلى الاستعداد للمواجهة. وقد أدان الجيش الأمريكي الهجمات التي تشنها الميليشيات الموالية لإيران ضد قواته، وقالت واشنطن إنّها تحتفظ بحق الرد على أي هجمات مميتة.
التنافس على السلطة
وقد هيمنت الجماعات الشيعية على السياسة العراقية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 والذي أطاح بالدكتاتور السني صدام حسين. فهي تمتد عبر مجموعة من الأحزاب الشيعية، ومعظمها لها أجنحة مسلحة، لكنها تقع الآن بشكل عام في معسكرين؛ المعسكر المؤيدين لإيران وتلك التي تعارض نفوذ طهران في العراق.
وتجري الأحزاب السياسية الرئيسية في العراق حاليًا محادثات حول تشكيل ائتلاف. وقال الصدر، رجل الدين الشيعي الذي فازت كتلته بمقاعد البرلمان، إنّه سيتحالف مع كل من يقدم المصالح الوطنية للعراق، مثل تقديم الخدمات للسكان، أولاً. وهذا مؤشر، كما يقول مسؤولون عراقيون ودبلوماسيون غربيون، على أنه قد يستبعد بعض الجماعات المدعومة من إيران لصالح الأحزاب الكردية والسنية.
وقال توبي دودج الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، إن "الإيرانيين يجدون صعوبة متزايدة في السيطرة على حلفائهم الذين لهم مصالحهم الخاصة".
وقد اشتعلت التوترات خلال العام الماضي أو نحو ذلك، ولاسيما حول الانتخابات الأخيرة حيث تزاحمت الجماعات على السلطة.
وعقب هجوم 7 تشرين الأول/نوفمبر التقى قاآني أيضًا في بغداد مع قائد القوات شبه العسكرية الحكومية العراقية (رئيس أركان الحشد الشعبي) التي تسيطر عليها جماعات إيرانية بالوكالة، وفقًا لما ذكره السياسيان المقربان من الميليشيات. وقال السياسيون إنّ قاآني أعطى القائد عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك)، وهو عميل مدعوم من إيران منذ فترة طويلة، نفس الرسالة: السيطرة على الميليشيات.
رويترز: قاآني وجه رسالة مماثلة إلى "أبو فدك" للسيطرة على الميليشيات
ولم يرد مكتب المحمداوي على أسئلة حول الاجتماع.
مقاطعة الانتخابات
وقد تدخل المسؤولون الإيرانيون في محاولات لتهدئة التوترات بين الشيعة في مناسبات أخرى، بما في ذلك في الفترة التي سبقت الانتخابات.
وكان الصدر أعلن في تموز/يوليو الماضي أنّه سيقاطع التصويت، مدعيًا أنّ أعداء غير محددين يحاولون زعزعة استقرار العراق وثم توجيه اللوم إليه.
ورفض ممثل في المكتب السياسي للصدر الإدلاء بأي تعليق.
وقال السياسي العراقي عبد الكريم الموسوي العضو في ائتلاف الفتح، إنّ "هذا يقلق أيران". وأضاف أنّ "الصدر شارك دائمًا في التحالفات الشيعية الحاكمة، وكان رفضه المشاركة في العملية السياسية سيزعزع الأمور ويتسبب في مزيد من عدم الاستقرار".
اقرأ/ي أيضًا: "بقرة النقود".. واشنطن بوست تغوص في حقيبة مقتدى الصدر
والتقى وزير الاستخبارات الإيراني في ذلك الوقت، محمود علوي، ورئيس أمن الحرس الثوري حسين الطيب، من بين مسؤولين آخرين، ببعض أعضاء الفريق السياسي للصدر في بغداد. وقال مسؤول في
المكتب السياسي للصدر إن الرجلين حاولا إقناع الصدر بعدم مقاطعة التصويت.
وقال المسؤول في المكتب السياسي للصدر لرويترز، إنّ "الصدر قرر العودة لتجنب التصعيد، بعد أن طلب مشورة آية الله العظمى علي السيستاني". وأضاف أن "الوساطة الإيرانية نجحت".
رويترز: قاآني تدخل لإقناع الصدر بالعودة بعد قرار مقاطعة الانتخابات
كما زار قاآني بغداد خلال أزمتين أخريين في العام الماضي، وفقا لاثنين من مسؤولي الميليشيا والسياسيين المقربين من الميليشيا.
وأكّد قائد ميليشيا عراقية في معسكر إيران، إن مسؤولين إيرانيين لم يحدد هويتهم تدخلوا لإقناع الصدر بعدم مقاطعة الانتخابات.
لم تتلق رويترز ردودًا على طلبات التعليق الموجهة إلى علوي والطيب المرسلة عبر الحكومة الإيرانية والحرس الثوري على التوالي.
اقرأ/ي أيضًا:
التفاصيل الكاملة لمحاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي
بصمات "الكتائب" و"العصائب".. قائمة تهديدات طويلة سبقت محاولة اغتيال الكاظمي