عن الإسلام السياسي وتجربة الحكم (فيسبوك)
كتبت في الأسبوع الماضي مقالا بعنوان "التَّسَلُّل من القصر إلى المعبد" وكان موضوعه يَنصبُّ على نقد الإسلام السياسي، لكن ظَنَّ بعض المعلّقين بأنه نقد للدين، لكنَّني أعتقد، إلى حدٍّ كبير، بأن ليست هناك حاجة إلى نقد الأديان إلا عندما تتحوّل إلى مشاريع سياسيّة تدير حياة الناس. ولهذا السبب كان المقال في نقد الإسلام السياسي تحديدًا، فهو الذي أسّس إلى القاعدة التي تقول؛ بأن الإسلام هو نظام في إدارة الدول، لكي يستثمرها ويتأسس عليها فيما بعد، ومن هنا جاء تذكيري في المقال بضرورة أن يحتوي الدين الإسلامي، في حال تبنّيه للإسلام السياسي، على منظومة مسائلة وتصحيح للأخطاء، حتى لا يُسبغ شرعية الله على أفعال الساسة، فيُشاركهم تحميل الله أخطاء البشر وغاياتهم الدنيوية المنحرفة.
الله لطيف وعادل، فإذا أراد لحاكم أن يحكم باسمه فعليه أن يجعله ممنوعًا من الخطأ، كأن يَعْصِمه حتى لا يظلم الناس باسمه. وهذه هي النظرية الشيعة في الحكم، وهي النظرية السياسيَّة الوحيدة التي تتبنى منظومة معالجة أو تدارُك لأخطاء من يحكون باسم الله، ومن ثمَّ لا يحدث بينها كنظرية، وبين جوهر الدين وعدالة الله أي تعارض منطقي، لكن الشيعة تخلّوا عنها للأسف الشديد فساهموا بتوريط الدين بورطة الساسة والسياسة.
الدولة الأموية كانت دولة إسلام سياسي، وكذلك الدولة العباسية، وفي هاتين الدولتين قُتل أئمة الشيعة، تحت ذريعة خروجهم على وليّ أمر المسلمين وخليفة الله فيهم الذي استمدَّ شرعيته من بيعة المسلمين له، ما يعني ان قتلهم كان شرعيًا، وهذا هو المقصود بأن الإسلام يُسبغ شرعية الله على جرائم البشر. فهل يصح أن نعتقد بأن أئمة الشيعة قتلهم النظام السياسي الإسلامي الشرعي؟ طبعًا لا، لأن قتلهم جاء بسبب اعتراضهم على الانحراف. ولهذا السبب كان الشيعة، إلى وقت قريب، يرفضون جوهر فكرة الإسلام السياسي، أي يرفضون أن يتولى بشر غير معصوم الحكم باسم الله، وعلى هذا الأساس كانوا يرفضون العذر الذي يطرحه الفكر السياسي السني لتبرير جرائم قتل الأئمة، وهو العذر الذي يقول بأن الخلافة تبقى شرعية وأن أخطأ الخليفة، فخطأوه واقع بمساحة الاجتهاد. وكان الشيعة يعتبرون أن هذا التبرير يضرب الإسلام بالصميم ويستندون إليه في القول بوجوب عصمة الحاكم، وهي العصمة التي تعطي الأفضلية لأئمة الشيعة على بقية خلفاء المسلمين. لكن المشكلة أن الشيعة تخلّوا عن وجوب عصمة الحاكم، وهذا سيضطرهم إلى سلب أفضلية المعصوم على بقيَّة الخلفاء، ثمَّ إضفاء الشرعية على جميع جرائم الأمويين والعباسيين، بضمنها جرائم قتل الأئمة، لأنها أخطاء حدثت بظل نظام إسلامي شرعي.
إذًا ومن جديد كيف يمكن أن يجعل الله دينه مسؤولًا عن إدارة حياة الناس ويترك لمن هب ودب أن يتولى هذه الإدارة دون أن يحمي الناس ويحمي قدسيته؟ كيف يرتكب المطلق مثل هذه الخطأ الذي التفتت إليه البشرية فأسَّست لتفاديه السلطات المستقلَّة التي يراقب بعضها بعضًا؟ ستقولون بأن النظام الديمقراطي بسلطاته المستقلّة أيضًا يرتكب الأخطاء. وسأقول لكم بأنها أخطاء بشريّة لا تضع عباءة جرائمها على أكتاف الله كما يفعل الإسلام السياسي. أي أنها لا تخدع الناس باسم الله، وعندها يمكن الوقوف بوجهها وتغييرها وتصحيح مسارها. لكن في تجارب الإسلام السياسي تصل الخديعة إلى حدَّ أنَّ أكثر المتضررين من جرائمها وفسادها، من شرائح الفقراء والمسحوقين، يحمونها ويدافعون عنها، لاعتقادهم بأنها تُمثل الله، وأن الوقوف بوجهها يستهدف الدين ويحاول تدنيسه. وهذا منتهى الظلم والتعسّف، أقصد أن تَسلُب من الإنسان حقوقه ثم تخدعه وتجعله يدافع عنك وعن سرقاتك له حتى لو كان هذا الدفاع يقع بالضد من مصالحه هو، فأي حيف هذا وأي استغفال؟!
اقرأ/ي أيضًا:
التَسَلُّل من القصر إلى المعبد (1ـ2)
التلوّث النفسي في بيئة الإسلام السياسي