تخوض الكتل النيابية في برلمان إقليم كردستان تجاذبات حول الدعوات لإجراء تعديلات على قانون الانتخابات النيابية، في ظل اتهامات متبادلة لتأجيلها والحد من نزيف الأصوات التي مُنيت بها في الانتخابات الاتحادية الماضية، فيما يشتد الخلاف على إقرار صيغة توافقية لتشكيل مفوضية جديدة للانتخابات ومعايير محددة لانتخاب أعضائها.
ومن المقرر أن يخوض الأكراد جولة جديدة من الانتخابات النيابية في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، لاختيار 111 عضواً يشكلون عدد مقاعد البرلمان، بما فيها مقاعد مخصصة وفق نظام الكوتا للنساء والأقليات.
وخسر الحزبان الكرديان الحاكمان "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، نحو 700 ألف صوت وفق نتائج الانتخابات النيابية الاتحادية التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، على الرغم من تحقيقهما مكاسب على مستوى عدد المقاعد وفق قانون الانتخابات الجديد الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة، فحصد "الديمقراطي" 31 مقعداً مقابل 18 مقعداً لنظيره "الوطني"، بنسبة مشاركة متدنية لم تتجاوز 40 في المئة، وكانت المفاجأة حصول حركة "الجيل الجديد" المعارضة بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد على 9 مقاعد، مقابل خروج حركة "التغيير" المشاركة في حكومة الحزبين خالية الوفاض من دون الفوز ولو بمقعد.
ويرجع المراقبون تدنّي نسبة مشاركة الناخبين مع التراجع غير المسبوق في شعبية الحزبين إلى الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالإقليم منذ أعوام على الصعيدين السياسي والاقتصادي، جراء "التقاطعات السياسية وسوء الإدارة والفساد وتردي الخدمات، والعجز المزمن في تأمين مرتبات القطاع العام".
بين القديم والجديد
تتمسك كتلة "الديمقراطي" بموقفها في الإبقاء على قانون الانتخابات الحالي وإجراء الانتخابات في موعدها، إذ ينص القانون الذي أُقرّ عام 2013 على أن الإقليم دائرة واحدة"، كما تؤكد اعتماد "الثقل النيابي" لكل كتلة وفق النتائج التي أفرزتها انتخابات عام 2018، كمعيار في توزيع مقاعد مفوضية الانتخابات.
في المقابل، تشدد كتلة حزب "الاتحاد الوطني" الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني مع بقية القوى على أهمية إخضاع قانون الانتخابات لتعديلات على غرار التعديلات التي أجريت في قانون الانتخابات الاتحادي والتحول إلى نظام الدوائر المتعددة، فضلاً عن تغيير هيكلة مفوضية الانتخابات، لكن كتلة "الديمقراطي" ترى أن التعديل من شأنه أن "يعرقل العملية الانتخابية ويشكل خطراً على كيان الإقليم الدستوري من خلال تقسيمه إلى أربعة دوائر". ويذهب أعضاء من الكتلة إلى أبعد من ذلك بالقول "إذا كانت الكتل تحاول تجريد الحزب الديمقراطي من الغالبية النيابية عبر تقسيم الإقليم إلى دوائر، فإن بإمكانها النظر إلى نتائجنا في الانتخابات الاتحادية الأخيرة".
وكانت نسبة المشاركة في انتخابات برلمان الإقليم التي جرت عام 2018 بلغت نحو 59 في المئة من مجموع 3 ملايين و85 ألفاً كان يحق لهم التصويت، نافست فيها 29 قائمة، تمكّن خلالها حزب بارزاني من حصد 45 مقعداً، تلاه حزب "الاتحاد الوطني" بـ21 مقعداً، ثم حركة "التغيير" 12 مقعداً، وثمانية مقاعد لحركة "الجيل الجديد"، كما حصدت القوى الإسلامية 12 مقعداً.
محاذير من التأجيل
ويرى أعضاء كتلة "الديمقراطي" أن "قانون الانتخابات لا يحتاج إلى أي تعديل، فهو واضح يعتمد على القائمة المفتوحة والدائرة الواحدة، واتهم رئيس كتلة الديمقراطي النيابية، أحزاب الاتحاد الوطني والتغيير والقوى الإسلامية بالعمل على تأجيل الانتخابات عبر الدعوة إلى تعديل قانونها.
وقال زانا ملا خالد للصحافيين عقب جلسة للبرلمان في وقت سابق إن "القوى كانت تحذر دائماً من سلبيات نظام الدوائر المتعددة، واليوم تريد تطبيقه، لكن نحن مع الإبقاء على نظام الدائرة الواحدة، وإذا ما لم يخضع الآن للتعديل، فإن الانتخابات لن تجري في موعدها المحدد".
يأتي ذلك في وقت تبذل كتلة "الديمقراطي" جهوداً حثيثة لإجراء تغييرات في هيكلية "المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء في الإقليم"، وانتخاب أعضاء جدد وفقاً للثقل النيابي لكل كتلة نيابية"، بحيث تحظى الكتلة بغالبية مقاعد تفوق نصف مقاعد البرلمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف خالد عن أن كتلته جمعت "تواقيع 56 نائباً لتشكيل مفوضية انتخابات جديدة، بعد انتهاء مهمة المفوضية السابقة"، محذراً من "خلق أي أعذار لتأجيل هذا الاستحقاق، ويحب أن تُجرى الانتخابات في موعدها المحدد".
ويُعدّ انتهاء المهلة القانونية لمفوضية الانتخابات في 23 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، وتعثّر انتخاب مفوضية جديدة جراء جائحة كورونا، من أهم العقبات التي تواجه انتخابات برلمان الإقليم في دورته السادسة، وبقي أمام الكتل مهلة لا تتعدى 30 مارس (آذار) المقبل لحسم الخلافات على هيكلية المفوضية.
وأفاد العضو الآخر في كتلة "الديمقراطي" شوان كريم بأن "56 نائباً من بين 10 كتل طالبوا رئاسة البرلمان بتخصيص جلسة خاصة لتكليف لجنة نيابية تتولّى مهمة التحضير لانتخاب مفوضية جديدة، قبل شهر مارس المقبل، وبخلافه يصعب إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، كما تأمل جميع الكتل"، مشيراً إلى أن "الشروط تقضي بألّا يقل عدد أعضاء المفوضية عن تسعة أعضاء، وعليه يجب اختيار أعضاء جدد إما عبر التوافق، أو وفق عدد مقاعد كل كتلة".
تحذير من الأسوأ
زعيم "الاتحاد الإسلامي" الذي يتبنّى نهج "الإخوان المسلمين" صلاح الدين بهاء الدين قال للصحافيين في أربيل إن حزبه "مع المطالبين باعتماد نظام الدوائر المتعددة في انتخابات برلمان الإقليم". وحول الموقف من آلية التصويت على مقاعد نظام "الكوتا"، دعا إلى "حصر التصويت بأبناء الأقليات لاختيار ممثليهم وليس أن تختارهم قوى أخرى بدلاً عنهم لمرشحين موالين لها"، في إشارة إلى "استغلال" القوى المتنفذة مقاعد الأقليات لصالحها.
وشدد على أن "الأوضاع في الإقليم تتجه نحو الأسوأ، نتيجة للانقسام في موقف الأحزاب سواء في الإقليم أو بغداد"، وجاء تصريحه بعدما وجّه انتقادات لاذعة للحزبين الحاكمين في كلمة خلال مؤتمر اتحاد نساء الحزب، قائلاً إن "الذين كانوا بالأمس يصفون أنفسهم بالمناضلين والأبطال، ها هم اليوم يفشلون في تجربة الحكم".
وفي السياق ذاته، يرى رئيس كتلة "الاتحاد الإسلامي" شيركو جودت أن كتلة "الديمقراطي" تسعى من وراء حل مفوضية الانتخابات إلى تأجيلها والتمديد لهذه الحكومة الفاشلة، لكون ذلك يتطلب وقتاً طويلاً، فضلاً عن حاجة المفوضية الجديدة على أقل تقدير إلى 6 أشهر للتحضير للانتخابات"، مؤكداً "أهمية أن يحظى أعضاء المفوضية بالاستقلالية، بعيداً من القرارات الحزبية، لأن اختيار أي عضو يكون مرتبطاً بأي حزب من الأحزاب، فإن من شأن ذلك أن ينعكس سلباً على شفافية الانتخابات".
إشراف أممي
من جهتها، أعلنت حركة "الجيل الجديد" المعارضة عقب اجتماع لأعضائها أن "الآراء انقسمت بين اتجاهين، أحدهما يرى الاستمرار بالمفوضية السابقة على أن يعيد الأعضاء المنسحبون اليمين القانونية، والأخير ذهب باتجاه تغيير كلي في أعضاء المفوضية". وقال رئيس كتلة الحركة كاوة عبد القادر إن كتلته "مع تعديل قانون الانتخابات، وتطبيق نظام الدوائر المتعددة، فضلاً عن تغيير أعضاء المفوضية من أجل ضمان نزاهة الانتخابات كما حصل في الانتخابات الاتحادية تحت إشراف الأمم المتحدة، مع التمسك بإجرائها في موعدها المقرر من دون التمديد لدورة البرلمان الحالية".
وسبق أن نوّه نائب رئيس البرلمان عن كتلة "الديمقراطي" هيمن هورامي إلى أن الوقت لن يكون مفتوحاً أمام الكتل لانتخاب مفوضية جديدة قبل شهر مارس المقبل، مؤكداً أن كتلته "تؤيد اعتماد نظام القائمة المفتوحة والدائرة الواحدة القائم". وشدد على "أهمية ترحيل أي مقترح لإجراء أي تعديلات في النظام إلى الدورة النيابية المقبلة، ونأمل ألا تخلق الكتل الأعذار لعدم تفعيل المفوضية، بالتالي تأجيل الانتخابات".
وتشكلت أول مفوضية للانتخابات في الإقليم عام 2013، مؤلفة من تسعة أعضاء يتم انتخابهم من قبل البرلمان بالغالبية المطلقة، شريطة أن تضم عضوين متخصصين في القانون على الأقل، وحددت ولايتها القانونية بخمسة أعوام.
ووفقاً للناطق باسم المفوضية شيروان زرار، فإن "الوقت قد نفد أمام مساعي تعديل قانون الانتخابات، ونحن بانتظار حسم القرار المتعلق بمصير هيكلة مفوضية الانتخابات لكي تتمكن من التحضير لها قبل ستة أشهر من موعدها"، لافتاً إلى أن "هناك مقترحاً للإبقاء على هيكلتها الحالية مع إضافة مقعدين جديدن للأقليات، أو إجراء تغيير شامل للأعضاء من قبل البرلمان".
وتطالب معظم القوى الكردية بتطبيق نظام "البايومتري" المعتمد من قبل مفوضية الانتخابات الاتحادية وحصر حق التصويت بحاملي البطاقة البايومترية، للحدّ من الأخطاء والمخالفات التي شهدتها الانتخابات السابقة في الإقليم، نتيجة ورود أسماء مكررة وأخرى لمتوفين، أو السماح للناخبين بالتوصيت عبر وثيقتي البطاقة الوطنية أو الجنسية العراقية.
أقلية تحكم الغالبية
ويرى المحلل السياسي مسعود عبد الخالق أن الانتخابات الاتحادية الأخيرة "أظهرت الثقل الحقيقي لكل حزب. صحيح أنها حصلت على عدد غير متوقع من المقاعد، لكن بأصوات قليلة جداً بموجب قانون الدوائر المتعددة الجديد، ومن المرجح أن تكون نسبة المشاركة في انتخابات الإقليم المقبلة أقل بكثير"، وأوضح أن "حزب بارزاني في أربيل مثلاً لم يحصل سوى على 11 في المئة من الأصوات، و29 في المئة في دهوك، وفي السليمانية 3 في المئة، أما رصيد حزب الاتحاد الوطني والقوى الأخرى، فقد كان أسوأ من ذلك بكثير، لذا نجد أن كل طرف يحاول إيجاد صيغة انتخابية جديدة لإخفاء انتكاسته الانتخابية، عبر الحصول على مقاعد بأقل عدد من الأصوات".
وتوقع عبد الخالق أن "تُمنى الأحزاب بانتكاسة أشد في انتخابات الإقليم المقبلة في حال اعتماد الدوائر المتعددة، إذ كان بإمكان حزب بارزاني سابقاً من خلال نظام الدائرة الواحدة أن يحقق انتصاراً يمنحه حكم الإقليم من خلال منطقة دهوك فقط، وبعكسه سيظهر التعديل الجديد في ما لو حصل على أن الحزبين يمثلان الأقلية كغيرهما من القوى، وهما يتحكمان بالإقليم على الرغم من كونهما أقلية في الواقع"، كما توقّع أن "لا تخضع هيكلة قانون المفوضية إلى تعديل، مقابل إجراء تعديل على قانون الانتخابات لتقسيم الإقليم إلى أربع دوائر انتخابية".