كان ظهور الأحزاب الجديدة ما بعد احتجاجات تشرين، حالة صحية لانتقال الحركيين من العمل العائم وغير الموجه إلى تنظيمات وكوادر حزبية تعطي التعاليم والمعارف الجديدة التي تحول الفرد المتحزب من شخص بلا معنى ولا فائدة ولا تأثير إلى العكس، لكنّ هناك مشكلة قد يراها كثيرون مسألة اعتيادية ولا ترقى لتكون مشكلة، بينما أراها ربما تتحول مع مرور الوقت إلى آفة تنخر التنظيم وتنهيه، وهي مسألة تقارب الأعمار أو تساويها في قيادة الصف الأول للأحزاب ومن يرأسها.
أحد أسباب الخلافات التي تقع فيها الأحزاب هو عدم وجود مساحة يضعها رأس هرم التنظيم بينه وبين الأعضاء
تميزت حركة امتداد عن غيرها بأن كبار القائمين عليها لديهم "هيبة ووقار"، واستطاعوا أن يفرضوا وجودهم في التنظيم ويكبحوا جماح الشباب ويأخذوا قرارات حاسمة ويعصموا انفسهم عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تحط من هيبة القيادي إذا بقي ملازمًا لها.
اقرأ/ي أيضًا: الجلسة الأولى لنواب الاحتجاج: تكتك وموقف و"محاصصة"
في عام 1948 اغتالت حكومة إبراهيم عبد الهادي مرشد جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا ودخلت الجماعة في نفق خلافة الإمام، فكان هناك خلاف عميق دخل فيه أعضاء مكتب الإرشاد الذين يرى كل واحد منهم في نفسه الحق بإمارة الجماعة وله من المقوّمات ما تؤهله لهذا المكان، لكن لا أحد منهم يتنازل للآخر، وفجأة وإذا بوصية يخرج بها شخص شيبة ووقار وهيبة، وهو القاضي حسن الهضيبي الذي يكبرهم عمرًا ويغلبهم هيبة، ويقول "أنا المرشد بوصية من الإمام البنا"، وهنا قد أحرج الجميع وقطع نزاع القوم وتنصب، فكان في لحظتها إحراج لهم لأنه يكبرهم سنًا فضلًا عن الحضور والمكانة التي يمتلكها.
إن أحد أسباب الخلافات التي تقع فيها الأحزاب هو عدم وجود مساحة يضعها رأس هرم التنظيم بينه وبين الأعضاء، حتى لا يستستهل التجرؤ عليه، وهذا لا يعني تكبّر، إنما ضرورة من ضرورات القيادة وهي أن يكون القائد له وقع نفسي ورهبة في نفوس من يقودهم قد تصل حد القداسة له، كما أنّ كثرة التواجد في وسائل التواصل الاجتماعي تبيّن أن هذا القائد دون عمل ومسعى، ولديه وقت كثير يقضيه للمزاح والتراشق بينه وبين متابعيه وكأنه الفنان الكوميدي محمد هنيدي.
فضلًا عما ذكرنا، هناك حالة أفترض أيضًا أنها سلبية على الحركات الناشئة، وهي إن كانت القرارات تأخذ بتأثير المدونين فهنا والله لأزمة قيادة حقيقية تنتهي بفناء التنظيم بصورة مضحكة، وقد شاهدنا قرارات مصيرية اتخذتها الأحزاب المنبثقة من احتجاجات تشرين بصورة ارتجالية تخص قضايا مهمة ومفصلية كانت بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت حتى من دون موافقة كوادرهم وتسببت باستقالات جماعية من الأعضاء فقط لأن شخصية رئيس الحزب تتأثر بـ"الغضب" الموجود داخل الفضاء الالكتروني، أما مسألة "المزاح الصبياني" فهذه أصبحت معتادة لدى أحد الأحزاب، فتراهم تاركين العمل الحزبي وهم في أخطر مرحلة يمرّون بها، وهي مرحلة التأسيس ويتراشقون بصورة قائد الحزب وكأنهم رفاق مقهى.
أنا هنا لا اشترط العمر للقيادة، كما لا أدعو إلى ترك مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعراض عن الحياة، لكن ينبغي فهم الشروط التاريخية والاجتماعية التي نحن فيها، فضلًا عن تأثير الكاريزما والحضور داخل مجتمعاتنا.
اقرأ/ي أيضًا:
تحديات نواب الاحتجاج: النموذج الأول والمهام الجسام
"نواب الاحتجاج" في البرلمان الخامس.. من ساحات الدم إلى السياسة