زيدان يطرح خارطة طريق قانونية لإنهاء الانسداد السياسي

آخر تحديث 2022-02-14 00:00:00 - المصدر: العربية

في خطوة غير مسبوقة، طرح رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، مقترح تعديل الدستور العراقي الذي يشكك بعض الخبراء في وجود إشكاليات فيه.

وتعتبر خطوة زيدان بمثابة "خارطة طريق" لإنهاء الانسداد السياسي في البلاد، وفقاً لما يراه مراقبون.

مادة اعلانية

فقد ذكر زيدان في مقاله، أن الدستور يعرّف على أنه القانون الأسمى في الدولة الذي يتم من خلاله تحديد شكل الدولة وحكومتها ونظام حكمها وطبيعة السلطات واختصاصاتها والعلاقات فيما بينها وحدودها إلى جانب تحديده لحقوق المواطنين وضمان أداء هذه الحقوق لهم.

حاجة إلى تعديل مواد الدستور

وأوضح أيضا أن الدول يتم صياغتها بما يتفق مع الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل دولة، مع الأخذ بالحسبان أن هذه الظروف تتغير لذا لابد من تعديل الدستور بما يتفق مع الظروف المتغيرة، لا سيما أن النظام الدستوري لأي دولة من الصعوبة بمكان وصوله إلى درجة الكمال مهما كانت درجة إتقان صياغته، بحسب قوله.

كذلك رأى رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، أن دستور سنة 2005 تمت صياغته في ظروف تختلف في حينه عن الظروف الحالية، مؤكداً أن معظم من اشترك في إخراجه بالشكل النافذ حالياً هم في مقدمة الداعين إلى تعديله الآن لظروف ومستجدات الواقع السياسي الذي وصل إلى مرحلة خرق الدستور في أكثر من مناسبة بسبب النصوص الدستورية التي لم تعد مناسبة للمرحلة الحالية.

إلى ذلك، اعتقد زيدان أن أكثر النصوص الدستورية التي تبرز الحاجة إلى تعديلها هي المواد التي تسببت أحكامها في تعثر تشكيل السلطات ومنها تلك التي تشترط موافقة (أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب) وهذه الأغلبية تفترض حضور ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب كخطوة أولى باعتبارها النصاب الواجب لافتتاح جلسة مجلس النواب ثم يصار إلى التصويت للحصول على موافقة نفس هذا العدد من أعضاء مجلس النواب.

"الإشكالية الدستورية الأهم"

ورأى أيضا أن المادة (52) التي نصت على أن يبت مجلس النواب في صحة عضوية أعضائه بأغلبية ثلثي أعضائه، والمادة (65) التي اشترطت سن قانون مجلس الاتحاد بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، هي مثال آخر للمواد التي يجب أن تُعدل، وكذلك ما نصت عليه المادة (70) التي تنص على أن ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه.

وتحدث كذلك عن المادة (92) التي تشترط سن قانون المحكمة الاتحادية العليا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، ومن هذه النصوص نلاحظ عملياً كيف أن شرط تحقق نصاب انعقاد المجلس ومن ثم موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على منصب معين أو تشريع قانون ما يعني دخول البلد في أزمة سياسية ودستورية بدليل عدم تمكن مجلس النواب من تشريع قانون مجلس الاتحاد وقانون المحكمة الاتحادية العليا منذ نفاذ الدستور سنة 2005 وإلى الآن، أما شرط انتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب فقد تسبب في الأزمة السياسية التي يشهدها العراق حالياً، إذ يتعذر على مجلس النواب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية ما لم يتحقق نصاب ثلثي العدد الكلي لعدد أعضاء المجلس ثم الانتقال للتصويت على المرشحين المتنافسين على هذا المنصب كخطوة أولى بوجوب حصول الفائز على أغلبية ثلثي العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب، فإذا لم يحصل أي من المرشحين على هذه الأغلبية يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات وهذه هي الخطوة الثانية على وفق أحكام المادة (70) من الدستور.

كذلك بين رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، أنه وبسبب هذا القيد الذي وضعه المشرع الدستوري انقضت المدة الدستورية البالغة ثلاثين يوماً من تأريخ أول انعقاد لمجلس النواب في (9 /1 /2022) وهي المدة التي حددتها المادة (72/ثانياً/ب) من الدستور لاستمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد.

وقال: "دخلنا في مرحلة الاجتهاد الدستوري القضائي بخصوص استمرار الرئيس من عدمه بممارسة مهامه لحين انتخاب رئيس جديد، إذ سبق أن اجتهدت المحكمة الاتحادية سنة 2010 بموجب قرارها العدد (51/اتحادية/2010) الصادر بتاريخ 13 /7 /2010 إلى أن مجلس الرئاسة (الذي كان يقوم بمهام رئيس الجمهورية في حينه) يستمر بممارسة مهام رئيس الجمهورية حتى يتم انتخاب رئيس للجمهورية رغم ما حصل من خرق دستوري (على وصف المحكمة في القرار المذكور) لتجاوز المدة المحددة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وهذا الاجتهاد سارت على منواله المحكمة الاتحادية (بتشكيلها الجديد) بموجب قرارها العدد (24/اتحادية/2022) الصادر بتأريخ 13 /2 /2022 حيث أجازت استمرار رئيس الجمهورية في مهامه لحين انتخاب رئيس جديد وفق مقتضيات الضرورة والمصلحة العامة رغم انقضاء المدة الدستورية التي حددتها المادة (72/ثانياً/ب)".

كما أشار إلى ما وصفها بـ"الإشكالية الدستورية الأهم، وهي صياغة المادة (76) من الدستور التي نصت على أن يكلف رئيس الجمهورية مرشح (الكتلة النيابية الأكثر عدداً) بتشكيل مجلس الوزراء، إذ فسرت المحكمة الاتحادية العليا سنة 2010 بموجب القرار الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) بتأريخ 25 /3 /2010 مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً بأنها (إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عدداً، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عدداً من الكتلة أو الكتل الأخرى بتشكيل مجلس الوزراء) في حين ذهبت المحكمة الاتحادية العليا (بتشكيلها الجديد) إلى عدم اشتراط تكوين أو تشكيل الكتلة النيابية الأكثر عدداً في الجلسة الأولى وإنما أجازت ذلك في أية جلسة لمجلس النواب بموجب القرار الصادر بالعدد (7 وموحدتيها 9 و10/اتحادية/2022) بتأريخ 3 /2 /2022".

وأوضح زيدان أن "أمام مجلس النواب مسؤولية تأريخية وواجبا وطنيا يتمثل بضرورة العمل على تعديل المواد الدستورية المتقدم ذكرها لاسيما أنها مواد ليست خلافية وإنما قابلة لإعادة الصياغة بشكل يضمن عدم دخول البلد في حالة خرق أو فراغ دستوري مستقبلاً باعتماد المبدأ الوارد في المادة (59) من الدستور بأن يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه وتتخذ القرارات بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب وسريان هذا المبدأ بشكل عام بدون النص على (أغلبية ثلثي عدد أعضاء المجلس) أينما وردت في الدستور، كذلك ضرورة تعديل المادة (76) والنص على مبدأ واضح غير قابل للاجتهاد بأن يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة أو القائمة الفائزة في الانتخابات بتشكيل مجلس الوزراء في نفس جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد استكمال إجراءات انتخابه دستورياً، وهذا يحسم الجدل المستمر منذ سنة 2010 وإلى الآن فيما لو تمت صياغة النص بشكل دقيق وواضح في الدستور".

ويرى مراقبون أن فتح باب التعديلات الدستورية ربما يشمل مواد أخرى لم يتطرق لها رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق في مقاله، منها ما يتعلق بعدد أعضاء مجلس النواب، وكذلك المدد الدستورية، والمادة 140 من الدستور بشأن المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.

قانون جامد وخارطة مهمة

وعن هذا الموضوع، أوضح الخبير القانوني علي التميمي لـ"العربية.نت"، أن كلام رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان شكل خارطة طريق مهمة لإنهاء التوتر السياسي والخلافات السياسية في النصوص القانونية للدستور في كل انتخابات.

وأضاف أن على مجلس النواب والكتل السياسية العمل بجد لتعديل الفقرات التي حددها زيدان في كلامه.

أيضاً وصف التميمي القانون العراقي بأنه قانون جامد بسبب كثرة التأويلات ومطاطية المصطلحات والتعريفات التي تنتج أكثر من تفسير، وبالتالي تخلق أزمات سياسية، لذا على مجلس النواب التوجه إلى المادة 142 في الدستور العراقي التي تفتح باب التعديلات الدستورية المقترحة.

صورة اجتماع لمجلس القضاء الأعلى في العراق

تيار الحكمة يوافق

الجدير ذكره أن تيار "الحكمة الوطني" بزعامة عمار الحكيم يتفق مع ما ذهب إليه رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، وقال القيادي في التيار فادي الشمري قال لـ"العربية.نت"، إن تيار الحكمة الوطني والسيد الحكيم رفع راية ضرورة تعديل الدستور وكان أول من طالب به ودعا إلى مراجعة حقيقية وتقديم معالجات للنصوص التي تقبل التأويل وكذلك ترشيد وتنضيج مباني الدستور وفق متطلبات الواقع واستحضار المستقبل، خاصة أن ظروف وهواجس ومخاوف كتابة الدستور في 2005 قد اختلفت.

وأضاف أن الحكيم ترجم هذه الدعوى عندما تم ضمين التفاهمات السياسية التي حصلت في خريف 2018 حين اندلعت الاحتجاجات الشعبية كشرط من شروط التوقيع والتي على إثرها شكلت لجنة نيابية واختير ممثل الحكمة رئيساً لها وعملت بشكل حثيث على المضي قدما في القيام بالتعديلات الضرورية وانتهت من أعمالها وسلمت تقريرها إلى مجلس النواب السابق ثم ضمنت في الاتفاق السياسي ماقبل الانتخابات المبكرة أيضا.

مجلس القضاء الأعلى بالعراق

وأكد الشمري على موافقة تيار الحكمة مع التعديل التدريجي الذي يقتصر على النصوص غير الخلافية التي تعنى بالكتلة الأكبر والإدارات المحلية وفصل السلطات وغيرها وليس التغيير الشامل لمرة واحدة حتى تتوفر إمكانية التمرير، وطرحنا القيام بالخطوة بالتزامن مع انتخابات 2021 الماضية وقبلت المفوضية لكن حصلت اعتراضات من بعض القوى الوطنية مما استدعى تأجيل الأمر.

يذكر أنه منذ عام 2010 بدأت الكتل السياسية العراقية باللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا لتفسير المصطلحات الخاصة بالكتلة الأكبر التي تنتخب رئيس الحكومة، وكذلك الجلسة الأولى للبرلمان، والفراغ الدستوري وغيرها من المواد الدستورية.