شهدت أسواق بيع العملة في جميع مدن العراق إقبالاً كبيراً خلال الساعات القليلة الماضية لبيع الدولار بكميات كبيرة من قبل المواطنين، ما أدى إلى تراجع قيمته أمام الدينار العراقي، فضلاً عن تراجع النشاط الاقتصادي بانتظار توجهات الحكومة المنتهية ولايتها بهذا الخصوص.
وأدى استخدام ملف سعر صرف الدينار العراقي خلال الأيام القليلة الماضية من قبل جهات سياسية مختلفة، كورقة سياسية في الصراع الدائر حول تشكيل الحكومة والتحالفات السياسية، إلى التشويش على السوق العراقية والمواطنين بشأن إمكانية عودة سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي إلى وضعه السابق قبل نهاية 2020.
وأصدر البنك المركزي العراقي في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2020 قراراً بخفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار الأميركي تضمن بيعه عبر مراحل، الأولى منها عبر شراء الدولار من وزارة المالية بـ 1450 ديناراً وببيع البنك المركزي له إلى المصارف بـ 1460، ثم بيعه للمواطنين بـ 1470.
وكان السعر السابق للدولار يباع من قبل البنك المركزي بسعر 1190 ديناراً، ومن ثم يباع في الأسواق العراقية بسعر يتجاوز 1200 دينار.
حرب التصريحات
وأدى استدعاء النائب الأول لرئيس البرلمان حاكم الزملي، لوزير المالية علي علاوي، بمنشور على موقع التواصل الاجتماعي استجابة لمقترحات زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في شأن تنظيم بيع العملة في العراق إلى رد فعل عنيف من الوزير، الذي رفض الاستدعاء وانتقد إدارة الدولة عبر التغريدات في إشارة منه إلى الصدر، مؤكداً نجاحه في إنقاذ العراق من الأزمة المالية.
منع سفر
ورد الزاملي على بيان علاوي في كلمة له خلال استضافة مجلس النواب لمحافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف، بدعوة الادعاء العام العراقي بمنع سفر وزير المالية، محملاً وزارة الداخلية وجهاز الاستخبارات مسؤولية سفره، لحين إكمال مستندات حضوره لمجلس النواب والإدلاء بشهادته وحسم الملفات التي على عاتقه.
وأضاف الزاملي أن وزير المالية نقل تجاربه الخاسرة في الشركات التي أدارها خارجاً إلى العراق، ولم يقدم أي شيء لهذا البلد، و"أسهم في ارتفاع ديون العراق إلى 27 تريليون دينار في عام واحد فقط".
وكان الصدر قدم في تغريدة، الخميس الماضي، ستة مقترحات في شأن سعر صرف الدولار، من بينها استدعاء وزير المالية ومحافظ البنك المركزي تحت قبة البرلمان، وتنظيم سوق العملة العراقية بصورة مركزية وسن "بعض القوانين التي تزيد في قيمة سعر صرف الدينار العراقي".
وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة لمزاد العملة، ومحاولات الحكومات العراقية المتعاقبة إجراء تعديلات على طريقة عمل المزاد، وتدقيق في الفواتير المقدمة في ما يتعلق بالاستيرادات، إلا أنها فشلت في تحقيق نتيجة تذكر تمنع استغلاله لتهريب الدولار إلى الخارج.
السعر ثابت
وأعلن البنك المركزي عدم وجود نية لديه لتغيير سعر الصرف الحالي للدينار مقابل الدولار بأي شكل من الأشكال خلال الفترة القليلة المقبلة.
وذكر البنك في بيان له أن "سعر الصرف الحالي حقق كثيراً من النتائج الإيجابية، كان أبرزها تخفيض عجز الموازنة العامة للدولة وصولاً إلى تحقيق فائض في نهاية عام 2021، ومنح المنتجين والمستثمرين المحليين ميزة تنافسية مهمة مع السلع المستوردة".
وأضاف البيان أن تكرار تغيير سعر الصرف خلال أوقات قصيرة من دون دراسة من الجهات المعنية، يؤدي إلى ركود اقتصادي، ويربك عمل الأسواق المحلية، ويزيد من المضاربات على العملة الأجنبية، ويبدد المكاسب التي حققها سعر الصرف الحالي.
وشهد عام 2020 أزمة اقتصادية خانقة للمرة الأولى في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، تمثلت الانخفاض الشديد لإيرادات الدولة العراقية من النفط وباقي القطاعات، وعدم قدرتها على تسديد رواتب موظفي القطاع العام لأشهر عدة، واضطرارها للدين الداخلي من البنك المركزي والمصارف بنحو 25 تريليون دينار لسد العجز الكبير في إيراداتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قرار خطر
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، إن إعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار عما كان عليه في ديسمبر عام 2020 سيكون من أخطر القرارات الاقتصادية.
وأضاف أن "بيان مقتدى الصدر لم يشر إلى تغير سعر الصرف بقدر ما هو تنظيم عملية بيع الدولار، لا سيما وأن هذه السوق فيها شبهات فساد كبيرة تتمثل في فجوة بين حجم الاستيرادات في هيئة المنافذ الحدودية وحجم مبيعات البنك المركزي العراقي"، مشيراً إلى أن عام 2020 بلغ حجم مبيعات البنك المركزي العراقي 40 ملياراً، فيما بلغ حجم استيرادات القطاع الخاص المسجلة 15 مليار دولار.
الإشاعات مؤثرة
ولفت إلى أن سعر الصرف حساس مثل سعر النفط فيتأثر بالإشاعات، ما أحدث نوعاً من الذعر المالي من قبل صغار المدخرين، فعرضوا ادخاراتهم من الدولار في الأسواق، ما أدى إلى انخفاض سعر الصرف في الأسواق المحلية أقل من سعر الصرف الرسمي، مبيناً أن المركزي يبيع بسعر 1450 ديناراً للدولار الواحد، فيما يجري تداوله أقل من هذا الرقم، بالتالي فإن صغار المدخرين هم من سيتأثر سلباً.
13 مليار دولار
وأوضح الكلفة المالية لإعادة سعر الصرف إلى ما كان عليه تتجاوز 13 مليار دولار، فضلاً عن عدم تأثيره في ملف انخفاض أسعار السلع لكونه مرتبطاً بارتفاع أسعارها عالمياً وزيادة كلفة الشحن.
مغامرة غير محسوبة
وأكد المرسومي أن قرار تخفيض سعر الصرف سيكون قراراً خاطئاً مثلما كان قرار رفع الصرف، ومغامرة غير محسوبة تقوض الاستقرار المالي في البلاد، مشيراً إلى أنها تعطي إشارة سلبية للمستثمرين بأن الوضع المالي في العراق غير مستقر ومتداع.
ولم يستبعد المرسومي أن يعمد البرلمان إلى إعادة سعر الصرف عما كان عليه سابقاً من خلال الضغط على السلطات المالية، مرجحاً أن يتخذ مثل هذا القرار في الحكومة المقبلة كون الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال.
60 مليار دولار
والعراق بحاجة إلى 60 مليار دولار لتغطية نفقات الرواتب وفق سعر 80 دولاراً للبرميل في الموازنة العامة على أقل تقدير، بحسب المرسومي، الذي شدد على ضرورة أن يكون سعر الصرف ثابتاً وألا يُربط بسعر النفط المتقلب.
واعتبر أن هناك وسائل أخرى ممكن أن تحسن المستوى المعيشي لدى المواطن من ضمنها إعفاء السلع الغذائية من الرسوم، ورفع رواتب الحماية الاجتماعية، وكذلك دعم مفردات البطاقة التموينية.
ويبلغ الاحتياطي النقدي للعراق من الدولار أكثر من 64 مليار دولار بحسب بيان للبنك المركزي، بعد أن كان نحو 50 مليار دولار في نهاية عام 2020، الذي مثّل أدنى مستوى له منذ عقد، مسجلاً انخفاضاً من 90 مليار دولار مطلع عام 2020 بعد سلسلة من القروض الداخلية للحكومة العراقية من البنك المركزي والمصارف الحكومية والأهلية، لتغطية الرواتب والنفقات بعد تراجع أسعار النفط.
طمأنة السوق
بدورها بينت المتخصصة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم، أن بلاد الرافدين بحاجة إلى قرار حكومي لطمأنة الأسواق في شأن سعر الصرف، فيما رجحت أن يبقى سعر صرف الدولار على ما هو عليه لمدة أربع سنوات.
وقالت إن هناك مضاربات في الأسواق، وإن محافظ البنك المركزي أعلن أن سعر الدولار لن يتغير وهذا هو المتوقع، لأن هناك اتفاقاً أن يبقى سعر الصرف الحالي لمدة خمس سنوات، مشددة على ضرورة وجود بيان حكومي واضح في شأن سعر الصرف يجعل السوق العراقية في مرحلة اليقين.
وأضاف أن وثيقة الإصلاح أبرمها وزير المالية، بالتالي أجبر محافظ البنك المركزي على تغيير سعر الصرف، وإذا أردنا تحسن سعر الصرف يجب أن يكون بإيقاف التهريب إلى الخارج، الذي يتم عبر بنوك معينة، وهذا ما أكد عليه الصدر.