خيم الحزن على قلوب الناشطات النسويات في إقليم كردستان العراق عشية الاحتفالات بيوم المرأة العالمي، إثر مقتل شابة على يد شقيقها، فيما تعجز السلطات والمنظمات المعنية عن وضع حد لتفاقم ظاهرة العنف ضد النساء مع ارتفاع عدد القتلى منذ مطلع العام إلى 15 حالة.
"لقد أطلقت عليها ثماني رصاصات قبل أن تهرب"، هكذا أدلى الجاني بإفادته عبر اتصال هاتفي مع محطة إعلامية تابعة لرئيس الحكومة، شرح خلالها تفاصيل الجريمة التي وقعت في شارع رئيس في مدينة أربيل، ليلة الأحد السادس من مارس (آذار)، قبل أن يختفي هارباً.
تصرفات "مخلة"
الضحية هي إيمان سامي مغديد ومعروفة باسم ماريا سامي، وقد شهدت حياتها انعطافات بدأت بانفصال والديها وزواجها في سن مبكرة بعمر 15 سنة، وتحولها من مقدمة برامج دينية رمضانية ترتدي الحجاب إلى ناشطة مجتمعية مدافعة عن المرأة و"المثليين"، فضلاً عن هوايتها الغناء وكتابة الخواطر. وعُرفت بـ"بجرأتها" في نقد "ثوابت" الأعراف والتقاليد الاجتماعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تعرضت للتنمر والتهديد بالقتل لـ"تجاوزها الأعراف" وارتكاب "تصرفات مخلة ومنافية للأخلاق"، فضلاً عن "ارتكابها الردة" عن الدين الإسلامي إلى المسيحية، وفق ما يردد البعض.
وأقر والدها لوسائل الإعلام بأن نجله "يقف وراء جريمة القتل، لأنه لم يتحمل ما كانت تبثه شقيقته من مقاطع فيديو بعد تركها المنزل لأكثر من عامين".
يذكر أن الضحية كانت نشرت قبل مقتلها بأيام عبارات تنم عن الشكوى. وورد في إحداها "أنا لا أخاف الآلام فهي كانت دائماً جزءاً مني".
زواج مبكر
تشير نائبات ومنظمات حقوقية إلى أن نحو 15 امرأة "إما قتلن وإما انتحرن" في الإقليم منذ مطلع العام الحالي، في ارتفاع ملحوظ للظاهرة مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021. ووفقاً لبيانات صادرة عن المديرية العامة لمناهضة العنف ضد المرأة الحكومية، فإن العام الماضي شهد "مقتل عشر نساء، وانتحار 41، و45 محاولة انتحار حرقاً، و77 حالة اعتداء جنسي". وتفيد البيانات بتسجيل "أكثر من ثمانية آلاف شكوى مرفوعة من قبل النساء".
وروى شقيق الضحية أن عمه كان برفقته عندما "أطلق عليها ثماني رصاصات، لأنها كانت متمردة وعنيدة ولم تستجب للنصائح، وأنا لست نادماً على ما فعلت". وكشف عن خلافات كانت تدور بين والديه قبل أن ينفصلا. وقال إن والدته ضمته مع شقيقته على الرغم من خسارتها قضية حضانتهما في المحكمة، مشيراً إلى أن شقيقته "كانت تزوجت وهي في عمر 15 سنة، على الرغم من اعتراض الوالد، لكنها انفصلت لاحقاً، لأن زوجها دائماً كان يشكو من عنفها، وفي أحد الأيام تركت بيت والدتي بعد شجار مع عمنا". ونفى "ما أُشيع عن تغيير دينها إلى المسيحية".
في الأثناء، أعلنت مديرية شرطة محافظة كركوك، في بيان مساء الأربعاء 9 مارس (آذار)، عن "إلقاء القبض على قاتل الشابة ماريا سامي، الضحية التي أقدم شقيقها على قتلها في محافظة أربيل قبيل عيد المرأة بساعات"، مشيرة إلى أنها "ستسلم الجاني إلى شرطة إقليم كردستان".
ونفت إحدى صديقات الضحية، في إفادة، أن تكون ماريا "قد غيرت دينها"، مضيفة أن "قلادة الصليب المعلقة في رقبتها كانت هدية أعطتها إياها امرأة مسنة مسيحية تكريماً على مساعدتها في عبور الشارع". وأشارت الصديقة إلى أن علاقة الضحية مع زوجها "كانت طبيعية ولم تكن هناك خلافات بينهما، وانفصالهما الذي حصل قبل عامين كان بسبب عدم الإنجاب". وذكرت أن "ماريا كانت راغبة في العودة إلى منزل العائلة، لكن والدها رفض، بينما عمها كان يهددها باستمرار".
وتزامنت الجريمة مع مقتل شاب برصاص حراس أمنيين. وأظهرت نتائج التحقيق الأولية، وفق بيان للشرطة، أن "حارسين أمنيين تابعين لأحد البنوك استجابا لنداء فتاة كانت برفقة القتيل الذي كان يحاول اغتصابها، وأثناء محاولته الفرار أطلقا عليه الرصاص وأردياه قتيلاً". وأضاف البيان أن "الحارسين والفتاة أحيلوا على التحقيق".
وقفات احتجاجية
ونظمت ناشطات نسويات وقفات احتجاجية في كل من أربيل والسليمانية، رُفعت خلالها صور الضحايا اللواتي قتلن منذ مطلع العام الحالي. وطالبت المشاركات السلطات المعنية "بوضع حد لتفاقم ظاهرة قتل النساء بدواعي غسل العار، والعمل على مراجعة القوانين وتطبيقها". وحذرن من "حالات الإفلات من العقاب تحت غطاء الأعراف والتقاليد العشائرية المحافظة". ودعت الناشطات اللواتي ارتدين الأسود حزناً على الضحايا الحكومة والجهات المعنية "إلى تشريع قوانين أشد صرامة تجاه الظاهرة التي باتت تهدد المجتمع".
وحذّرت منظمات مدنية، في بيان، "من تداعيات تزايد الجرائم التي ترتكب بحق المرأة الكردية". وطالبت "باعتبار يوم 20 فبراير (شباط) من كل عام يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة في الإقليم"، إذ قتلت امرأة حرقاً على يد زوجها في مدينة السليمانية بعدما سكب عليها الوقود وأشعل فيها النار". وحثت المنظمات السلطات على "إجراء تعديلات على القوانين وتشريع قوانين جديدة، والحد من التدخل في شؤون القضاء، وتقديم مزيد من الدعم للمؤسسات المعنية بشؤون المرأة".
وعود حكومية
وشهدت مدينة أربيل احتفالاً في مناسبة يوم المرأة العالمي، تحت شعار "تحقيق المساواة بين الجنسين ضمان لمستقبل واعد". وأشاد رئيس الحكومة مسرور بارزاني "بالدور الذي لعبته المرأة الكردية عبر تاريخ نضال الشعب الكردي وتنامي مشاركتها في الحياة على مختلف المستويات". وأضاف، "لكن من المؤسف أن نعاني ظاهرة العنف ضد النساء في المجتمع الكردستاني مثل العديد من المجتمعات، لكننا نعمل بقوة للقضاء على أشكال العنف من خلال تعزيز دور المرأة في السلطة والمجتمع، وتطبيق القوانين وتعزيز دور المحاكم ومحاسبة ممارسي العنف".
وشدد رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني على "الوقوف إلى جانب حقوق وحرية المرأة وحمايتها بكل الإمكانات"، معرباً عن قلقه إزاء "البيانات المتعلقة بحالات العنف التي انعكست سلباً على المجتمع وتسيء إلى سمعة الإقليم". وقال "هذا الوضع مرفوض ويجب أن ينتهي، ومواجهة الظاهرة واجب مشترك بين الجميع".
عقوبات صارمة
ويرى ناشطون في مجال حقوق المرأة أن ما بُذل من جهود للحد من ظاهرة العنف ضد النساء، على الرغم من أهميتها، "لم يكن ذا جدوى". ما يتطلب وضع "خطط استراتيجية بعيدة المدى"، مثل إجراء مراجعة "للنظام القضائي والقوانين ذات العلاقة وتطبيق عقوبات صارمة ورادعة"، في ظل إمكان إفلات الجناة من العقاب عبر "الإفراج عنهم وفق قرار الكفالة والتوقيع على تعهد خطي"، فضلاً عن "وضع مناهج للمراحل الدراسية الأولى، ونشر الوعي على مختلف المستويات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستهلّت رئيسة البرلمان ريواز فائق كلمتها أمام البرلمان بعبارة "خذوا الثامن من مارس لكم، وأعطونا بقية أيام السنة". وأوضحت "إننا نشهد أرقاماً قياسية في جرائم قتل النساء، والجناة يبررون جرائمهم بأعذار مخجلة، رجل مخمور يسكب على زوجته الوقود ويحرقها، أي ظلام تعيشه المرأة؟". وأضافت، "صحيح أن قوانين شرعت لصالح المرأة، وأقر لها نظام الكوتا للتمثيل النيابي وغيرها من الحقوق، لكن للأزمة أبعاداً اجتماعية وليست سياسية، لذا يجب تكثيف الجهود على المستوى الاجتماعي".
وحاول وزير الداخلية في إقليم كردستان ريبر أحمد التخفيف من هول الصدمة، بالقول إن "مجتمعنا مسالم، وما يتعلق بإحصاءات الجرائم المرتكبة بحق النساء في الإقليم، على الرغم من أن قتل مجرد فرد واحد له وقعه المؤثر ويعد جرماً لا يغتفر، لكنها تعتبر قليلة بالمقارنة مع المجتمعات المحيطة أو على مستوى العالم"، مشيراً إلى أن "الحرية المتاحة لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تناول الجرائم التي ترتكب بحق المرأة قد لا تكون متوفرة في العديد من البلدان". أضاف أحمد أن "مرتكبي العنف والمعنفات على حد سواء هم ضحايا التقاليد والأعراف، وعلى المجتمع أن يواجه هذه الظاهرة، فالعنف دائماً يولد العنف".
بيانات مقلقة
وعلى مستوى مواقف القوى السياسية، وجهت رئيسة كتلة "التغيير" النيابية كولستان سعيد انتقادات حادة إلى نائب رئيس الحكومة قباد طالباني، تعقيباً على تعميمه رسالة نصية قصيرة عبر الهاتف في مناسبة يوم المرأة حث فيها كل مواطن على أن "يبدأ من بيته من أجل المساواة بين الرجل والمرأة".
وقالت سعيد "ترسلون لنا التهاني عبر هواتفنا، وفي الوقت نفسه لا تصغون لدعواتنا". وأردفت "عليكم أن لا تساندوا القتلة ولا تخفوهم، عززوا حكم القانون أولاً، لأن كرامة المرأة لم تتعرض في أي مرحلة للإهانة والتشهير والقتل وإفلات قاتليها من العقاب كما يجري اليوم، رجاء أوقفوا قتل النساء".
وأعرب زعيم حزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني عن "القلق بشأن البيانات المتعلقة بالظاهرة السيئة التي يبدو أنها مستمرة بالتصاعد"، داعياً "الجهات المعنية إلى وضع حد للعقلية التي ما زالت تعتقد بأن قتل النساء شرف".
وشدد زعيم حزب "الاتحاد الإسلامي" ذي التوجه "الإخواني" صلاح الدين بهاء الدين، في بيان، على أن "الإسلام يريد من النساء أن يقمن بدورهن في مجالات الحياة كلها، وهو ضد ازدرائهن تحت أي مسمى". وقال إن حزبه يعمل "في جبهة الحفاظ على هيبة العائلة وحرمة الروابط الزوجية والعدالة في كرامة الإنسان وتشجيع النسوة لأداء أدوارهن في المجتمع، لذا نحن في حرب ضد أعراف العنف والاستخفاف بالنساء، ونرفض استرخاص النساء بكل أشكاله".
وأعاد الكاتب الكردي مريوان وريا قانع نشر إحصائية أعدها بين عامي 2010 و2013، على صفحته في "فيسبوك". وجاء فيها أن عدد ضحايا العنف كان نحو 1675 امرأة، بين قتل وانتحار وحرق. وشدد على "صعوبة التمييز بين أعداد من احترقن قضاء وقدراً، أو انتحرن أو حاولن الانتحار". وقال إن "هذه الأرقام مؤشر على كارثة اجتماعية مخيفة ومدمرة ومستمرة، ولا توجد بيانات تؤشر على تراجع هذه الأرقام".