شكلت الانتخابات المبكرة التي جرت في العراق إثر "انتفاضة تشرين" الشعبية، منعطفاً حقيقياً نحو التغيير، فضلاً عما أضافته من حقائق إلى الواقع العراقي، تلخصت في فقدان الثقة بالأحزاب والقوى الحاكمة واستبعاد أصحاب القرار، فيما شكلت نسبة المصوتين، 20 في المئة ممن يحق لهم الانتخاب.
رسالة واضحة للقوى السياسية
يتضح لنا من خلال قراءة سريعة للصورة، عدم فهم القوى السياسية الحاكمة، الرسالة التي وجهها العراقيون عبر التظاهر في العاصمة والمحافظات، بأن منظومتهم أضحت مرفوضة وعليهم المغادرة في أسرع وقت.
وبسبب عدم الوصول إلى اتفاقات وتسويات ترضي جميع الأطراف، توقع البعض تأخر تشكيل الحكومة عبر تعطيل جلسات البرلمان وتعمد عدم إكمال نصاب الجلسة البرلمانية. إذ لم تصل نسبة الحضور إلى ثلثي الأعضاء، الذي حصل في الجلسة الأخيرة التي جرت، السبت 26 مارس (آذار) 2022.
تغريدة الصدر
وعلى خلفية الجلسة، غرد زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر في 26 مارس، قائلاً: "شكراً لكل من حضر الجلسة حباً بالعراق. شكراً تحالف الوطن، امتداد، الجيل الجديد، الإخوة المستقلين... هؤلاء ما أرعبهم تهديد ولا أغراهم ترغيب". وأكد أهمية الحضور في جلسة الأربعاء (30 مارس)، قائلاً: "ويتجدد موعدكم في الأربعاء القادم مع من يلتحق مجدداً لنزيح الفساد والتبعية والتوافقية. حكومة أغلبية وطنية ولن نعود لخلطة العطار، فاليوم ثبتنا وأثبتنا أن لا مكان للمحاصصة فكانت أجمل فسيفساء عراقية لا شرقية ولا غربية".
بانتظار وقفة مشرفة
وأكد المكتب الخاص في النجف، أن الصدر أجرى اتصالاً هاتفياً بمحافظ مدينة البصرة، أسعد العيداني، الأحد الماضي، وثمن موقفه المشرف مع بعض الأعضاء من "تحالف تصميم"، بحضور جلسة مجلس النواب التي أجريت ذلك اليوم، مؤكداً أن "موقفهم هذا يمثل بداية الشروع بإنهاء الفساد والتبعية والتوافقية لإتمام تشكيل حكومة أغلبية وطنية".
وكان زعيم التيار الصدري غرد عشية الجلسة الأولى داعياً إلى استنهاض الهمم والعمل يداً واحدة من أجل البناء. وقال: "ننتظر النواب المستقلين ونأمل منهم بل ومن المعارضة الوطنية أيضاً وقفة مشرفة من أجل شعبهم فهم ينتظرون بفارغ الصبر تشكيل حكومة أغلبية إصلاحية. فلتقف الموالاة والمعارضة يداً واحدة لبناء وطن حر مستقل ذي هيبة وسيادة وكرامة بلا احتلال ولا تطبيع ولا إرهاب".
إغفال الدستور للوقت
وتتلخص أسباب تأخير الجلسة في عدم تضمين الدستور محددات أو شروط لتجاوز المواعيد الدستورية، وهذا ما تحاول الكتل والأحزاب السياسية الإفادة منه، في إطالة الوقت وتعطيل العملية. وقال الباحث السياسي عن التيار الصدري مناف الموسوي، إن "الأمر حسم بشكل نهائي لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. لذلك أعتقد أن الموضوع سيقر في غضون جلسة أو جلستين، وإن لم يتم الحصول على ثلثي الأصوات في الجلسة الأولى، فمن المؤمل أن تتحقق في الجلسة الثانية، ويتم الانتخاب بالأغلبية المطلقة. وأعتقد أن التصويت حسم لمصلحة الإنقاذ الوطني".
وعن دور "الإطار التنسيقي"، أورد الموسوي أن الأخير "لا يعد تحالفاً بقدر ما يمكن أن نسميه تجمعاً لمصالح الكتل التي تعتبر نفسها متضررة، وتعتقد أن هناك بعض الامتيازات التي من الواجب الحصول عليها وأن بإمكانهم جذب أو كسب المستقلين. وبالتالي يسعى الإطار إلى تحقيق النتيجة التي تصب في مصلحته". وأضاف أن "المخرجات بكل ما تفرزه من سلبيات تقع دائماً على المواطن الذي يدفع فاتورة هذا التأخير، فضلاً عن التأثيرات التي يتسبب بها الوضع العالق بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك الوضع الاقتصادي الذي تجسد بارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية".
قرار المستقلين
وعلى خلفية جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، صرح النائب المستقل علي الساعدي، "لدينا اجتماع قريب يخص النواب المستقلين، الأربعاء 30 مارس، وسيكون قرارنا وطنياً قبل أن يكون سياسياً، كوننا مستقلين ولدينا مساحة لاتخاذ القرار لعدم وجود زعامات تترأسنا". وأضاف الساعدي "نتوقع أن تكون الأمور صعبة لكنها لن تكون مستحيلة. ولي الشرف بأن أكون أول الحاضرين تعزيزاً لمبدأ الديمقراطية لإنهاء حكومة المحاصصة، والإيفاء بالبرنامج الانتخابي الذي وعدت به الجمهور وبدء صفحة جديدة في السياسة العراقية".
واختتم الساعدي قائلاً، إن "ذلك يعد من واجبات العمل النيابي وإيفاء لليمين الدستوري الذي أقسمته، في تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة بغض النظر عن التصويت لهذا المرشح أو ذاك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الثلث "بدعة" لبنانية
وعن توقع تعديل في المواقف، استبعد رئيس منظمة "ستيب" للديمقراطية والانتخابات، سربست مصطفى، حدوث تغيير كبير في عدد الحضور أو المقاطعين للجلسة البرلمانية. ورأى أنه "من شبه المستحيل انتخاب رئيس الجمهورية في جلسة الأربعاء. وهذا سيفتح الباب أمام كافة الاحتمالات". وأضاف مصطفى أن "الثلث بدعة لبنانية تطبق لنفس الأغراض والمرام في العراق. وفي حال الوصول إلى تفاهمات من قبل المكونات المنخرطة في هذا الثلث لأجل تشكيل الحكومة. فإنها لن تبقى على حالها ولن تجتمع لاحقاً بتقديري الشخصي، إلا في بعض القضايا التي تتعلق بأهداف وراءها أجندات إقليمية".
ليسوا كتلة
من جهة أخرى، صرح وزير العلوم والتكنولوجيا العراقي السابق رائد فهمي، "لا يمثل النواب المستقلون كتلة متجانسة سياسياً، وبعضهم وثيق الصلة بالكتل السياسية. ولا يخفى على البعض مواقف بعض المستقلين، لا سيما أولئك الذين حضروا جلسات المجلس الأخيرة، فهؤلاء يؤيدون تحقيق النصاب لانعقاد الجلسة، ولهم موقفهم الخاص بشأن اختيار رئيس الجمهورية في الجولة الأولى وقد يمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية إذا كان المرشحون ينتمون إلى أحد الحزبين الرئيسين في كردستان". وأضاف فهمي "يتراوح عدد هؤلاء النواب ما بين 25 و35 نائباً، أما المجموعات الأخرى من المستقلين فتتوزع أصواتها على تأييد إحدى الكتل أو التحالفين الرئيسين، اًو أنها لا تزال متأرجحة غير حاسمة أمرها، وهي تتعرض لضغوط وإغراءات لحسم موقفها لصالح حضور الجلسة القادمة لمجلس النواب أو مقاطعتها".
وأعلنت إحدى القنوات الفضائية رفض "الإطار التنسيقي"، الذي يضم في أغلبه فصائل "الحشد الشعبي"، رفضه "أساليب الترهيب والتهديد التي وجهت إلى النواب المستقلين"، الذين يمثلون 40 نائباً من أصل 329. وسعى إلى توفير الحماية لهم إثر تهديدات طالتهم بعد مقاطعتهم الجلسة الأخيرة للبرلمان.
وفي هذا السياق، اعتبر فهمي أنه "في حال عدم نجاح التحالف الثلاثي أو الإطار التنسيقي في تأمين النصاب، فإن جلسة الأربعاء ستؤجل لبضعة أيام أخرى لإتاحة مزيد من الوقت للمفاوضات ما بين الكتل، من أجل الوصول إلى حلول متوافق عليها".
وأكد فهمي أنه "من غير المتوقع أن يتم التوصل إلى أي نتيجة توافقية وفق ما يطلبه الإطار التنسيقي. فإذا لم ينجح أي من الطرفين في الحصول على أغلبية حاسمة فالوضع الحالي سيؤول إلى الإبقاء على الحكومة الحالية، كحكومة تصريف أعمال بوجود رئيس جمهورية منتهية ولايته، ولكنه مشروع سيستمر وفق قرار المحكمة الاتحادية".