لا تزال الطرق في العراق تحصد أرواح المدنيين يومياً وبمعدلات مرتفعة بسبب تضررها وعدم وجود صيانة لها وعدم إخضاعها للقوانين المرورية المعمول بها في العالم، لتسجّل مستويات قياسية في أعداد الضحايا.
وبدت مشاهد حوادث الطرق وصور الضحايا والعجلات المدمرة مألوفة على مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة إلى المتابعين، وكان آخرها مصرع 11 شخصاً ليلاً على طريق بغداد - بابل جنوب العاصمة بغداد، يعملون بغالبيتهم في سلك التعليم، إثر اصطدام سيارة مسرعة بعجلتهم، آتية بالاتجاه المعاكس.
إعمار الطرق
واستقطب هذا الحادث وآخر على طريق الأنبار- بغداد توفي على إثره 5 أشخاص اهتمام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وارتفعت المطالبات بتأهيل الطرق بين المدن العراقية التي أصبح عدد منها غير صالح لسير الآليات بمختلف أنواعها.
ولم يكُن هذا الحادث الأول من نوعه، فقد شهدت تلك الطرق عشرات الحوادث المماثلة حتى لُقّب بعضها بطرقات الموت بسبب ضيقها أو بسبب تكسرات أجزاء كبيرة منها.
1500 ضحية
وحصدت حوادث السير والمرور في العراق خلال عام 2020 أرواح أكثر من 1500 شخص، بحسب إحصاءات رسمية، تحدثت أيضاً عن إصابة أكثر من 10 آلاف شخص.
وعزا عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان فاضل الغراوي أسباب ارتفاع الضحايا إلى "انعدام متطلبات السلامة في الطرق وقِدمها ورداءة السيارات المستخدمة من قبل المواطنين".
وأضاف أن "محافظة بغداد شهدت 871 حادثاً وهي أعلى نسبة لعدد الحوادث عام 2020، تليها محافظة صلاح الدين بـ790 حادثاً، والنجف 648 حادثاً، مبيّناً أن "الأرقام المسجلة بحسب التقارير الموثقة لدينا هي 4666 حادثاً مرورياً، وللأسف الكبير تسببت بوفاة 1552 مواطناً وإصابة بحدود 10670 آخرين".
وطالب الغراوي "بشكل عاجل" مديرية المرور العامة "بتطبيق معايير السلامة في الطرق السريعة والرابطة بين المدن الرئيسة".
تأثيث الطرق
ودعا الغراوي أمانة بغداد ووزارة الإسكان والإعمار والبلديات العامة والمحافظات كافة "إلى تأثيث الطرق الخارجية والداخلية وتأمين متطلبات السلامة فيها، بما يحافظ على حياة المواطنين ويقلل الحوادث المرورية".
ولعل أحد أسباب زيادة حوادث السير، الطرقات غير المؤهلة والتي تحتاج غالبيتها إلى تأهيل وإصلاح التخسفات، التي تتركها سيارات الحمل الكبيرة المتحولة إلى شكل أخاديد يصعب للسيارات السير عليها.
كما يغيب عن غالبية الطرق العراقية التأثيث مثل الأسيجة الواقية والدلالات والإشارات، إلا باستثناءات محدودة، خصوصاً الطرق السريعة الرابطة بين معظم المدن العراقية.
ومنذ عام 2014 وحتى نهاية عام 2019، توقفت غالبية مشاريع الطرق والجسور في العراق لأسباب تتعلق بالحرب ضد تنظيم "داعش" حينها، والأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال عام 2020، إلا أنها عادت مطلع عام 2021 بشكل جدّي لتطلق سلسلة مشاريع، منها من تخصيصات الموازنة العراقية وأخرى بتمويل من قروض البنك الدولي لإعمار المناطق المحررة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
1500 كلم
وبحسب وزارة الإعمار والإسكان، فإن العراق بحاجة إلى نحو 1500 كيلومتر من الطرق داخل المحافظات وخارجها، فيما أوضحت أن البلاد تحتل مرتبة متأخرة عالمياً في جودة الطرق.
وقال مدير عام دائرة الطرق والجسور في الوزارة حسين جاسم كاظم إن "الحاجة إلى الطرق داخل المحافظات أكثر من خارجها، إذ يحتاج العراق إلى 1500 كيلومتر"، مضيفاً أن "تخصيصات دائرة الطرق تصل إلى 250 مليار دينار، إذ يكلف الكيلومتر الواحد ملياراً ونصف المليار".
تأهيل 1400 كلم
ولفت إلى أن "العراق يحتاج إلى 1500 كيلومتر من الطرق السريعة، فضلاً عن تعريض الطرق الحالية وتحسين مستوى الأمن فيها، وتأهيل أكثر من 1400 كيلومتر منها".
وتابع أن الدائرة أنجزت أخيراً مشاريع متوقفة منذ 10 أعوام، فيما بلغت نسب إنجاز بعض المشاريع 60 في المئة، مشيراً إلى أن "نسبة الإنجاز المالي لدائرة الطرق تبلغ 100 في المئة".
حولي بغداد الجديد
وتقترب الدائرة من إنشاء طريق حولي جديد يربط جنوبها بالطريق السريع الذي يربط بغداد بمدن الأنبار من جهة، وبغداد والبصرة من جهة أخرى، ومن دون المرور بالطرق القديمة بحسب كاظم، الذي بيّن أن هذا الطريق وآخر يربط بين مدينة الرمادي وقضاء حديثة بمحافظة الأنبار سيُنجزان العام الحالي.
وبحسب المسؤول، فإن "العراق في مرتبة لا تكاد تذكر في جودة الطرق عالمياً، وهو حالياً في مرتبة متأخرة عالمياً بجودة الطرق".
وأطلقت الحكومة العراقية خلال عام 2021، تخصيصات مالية لسلسلة من مشاريع الطرق والجسور الجديدة وصيانة وتوسيع أخرى، خصوصاً مداخل المدن العراقية وللمرة الأولى منذ أعوام، إذ افتتح عدد من الجسور في بغداد وبابل ومدن أخرى، وستشهد نهاية العام الحالي افتتاح عدد من المشاريع في شمال العراق وجنوبه.
الرادارات ضرورة
بدوره، قال مدير إعلام المرور السابق اللواء المروري المتقاعد عمار وليد إن الطرق المدمرة والسرعة الزائدة وعدم وجود رادارات قياس السرعة هي أسباب أدت إلى حوادث كثيرة.
وأضاف "الطرق الوعرة وغير المؤهلة تؤدي إلى انحراف السيارة عن مسارها مثل طريق كربلاء – بغداد، خصوصاً أن بعض السائقين وبدل أن يقودوا بتأنٍّ، يزيدون السرعة ما يتسبب بحوادث".
الوعي المروري
ولفت إلى أن بعض السائقين لا يملكون الوعي المروري، فيجتازون سيارة أخرى من جهة اليمين، مشدداً على ضرورة نصب كاميرات ورادارات وتسطير عقوبات بحق كل من يخالف قوانين المرور، لا سيما في الطرق السريعة، حتى لا يتم الطعن بهذه المخالفات.
وأشار إلى أن مديرية المرور ليس من صلاحياتها تأثيث الطرق، وإنما ذلك من اختصاص دوائر أخرى، مؤكداً على ضرورة الاستثمار في قضية إنشاء الطرق، إلا أن القانون لا يسمح بذلك.
جباية الطرق
وتابع أن "الغرامات التي تُجبى هي أموال سيادية وتذهب إلى الخزانة العامة، ولذلك نحتاج إلى تعديل القانون، وأن يذهب جزء من الغرامات إلى المستثمر أو اجتزاء قسم منها لإعمار الطرق"، مشدداً على ضرورة تأهيل الطرق الخارجية الحالية أو إعادة صيانتها للحيلولة دون مزيد من الحوادث.
وكانت مديرية المرور العراقية أعلنت أن إيرادات الجباية على السيارات الخاصة بالمرور على الطرق والجسور، التي تُفرض عند تجديد إجازات السوق ومستمسكات المرور عند البيع والشراء، بلغت خلال عام 2021 490 مليار دينار عراقي أي ما يعادل (333 مليون دولار).