بدأ رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، مشاوراته مع القوى السياسية، ضمن مبادرة أطلقها لإنهاء الانقسام المزمن داخل "البيت الكردي"، في خطوة تعد أيضاً مفتاحاً لحل أزمة تشكيل الحكومة الاتحادية في بغداد، فيما أكد القنصل الأميركي لدى أربيل على أن "الوحدة مهمة لحماية مصالح الحكومة الكردية".
وانفرط عقد "وحدة الصف" بين الحزبين الحاكمين في الإقليم، "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، مع دخولهما في صراع على منصب رئاسة الجمهورية، وانقسامها بين جبتهين متنافستين في إطار تشكيل حكومة عراقية جديدة، وامتد الانفراط في ما بعد إلى مفاصل إدارتهما المشتركة في الإقليم على مستويات عدة، منها أزمتهما المالية وتقاطعهما حول إدارة وتقاسم الإيرادات، والخلاف على قانون ومفوضية الانتخابات البرلمانية الكردية، التي بات موعدها المقرر مطلع أكتوبر (تشرين الأول) مهدداً بالتأجيل.
إقرار بالانقسام
وأعلن بارزاني، خلال احتفال بمناسبة تخرج دورتين عسكريتين في قوات البيشمركة في مدينة السليمانية يوم الأحد 22 مايو (أيار) عن التوصل إلى "أرضية صالحة لإنهاء الانسداد السياسي في الإقليم، وقد توقفت الحرب الإعلامية، فالخلافات ليس عصية على الحل، لكننا أحياناً نختلق موانع نفسية تحول دون الجلوس على طاولة الحوار، ومن الأهمية أيضاً عدم تحويل الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية ورئاسة إقليم كردستان إلى ساحات للصراعات الحزبية".
ودعا بارزاني الحزبين إلى "وقف التدخل في شؤون البيشمركة من أجل إنجاح عملية توحيد القوات، وإلا فإن مع أي خلاف سياسي قد نخسر المنجز"، وبشأن الصراع على الإيرادات، قال إنها "ملك للجميع، والقرارات الحكومية يجب أن تطبق على كل المناطق من خلال التفاهم".
كما أقر بارزاني بأن انقسام البيشمركة "انعكس سلباً على الخلافات السياسية، وبشكل مباشر على المواطن والاقتصاد، وخلق توجساً لدى الرأي العام بانقسام الإقليم واندلاع حرب أهلية، لكنني كنت دائماً أستبعد ذلك حتى في ذروة الخلافات"، وأضاف "علينا أن نهتم بهواجس مواطني الإقليم ومخاوفهم، وأن تفي أحزابنا بوعودها للشعب، وأن نجعل البيشمركة قوة وطنية بعيدة من التدخل الحزبي، وأن نمنع حدوث أي تقسيم للأرض والشعب والمصالح".
وحذر رئيس الإقليم من "تفويت فرصة المساعدة التي تقدمها قوات التحالف الدولي لتوحيد البيشمركة"، في إشارة إلى المشروع المدعوم من واشنطن لتوحيد قوات الحزبين وإخضاعها لإمرة وزارة البيشمركة في حكومة الإقليم، لافتاً إلى أن "هذه الكوكبة من البيشمركة ستصبح سنداً رئيساً لحماية سيادة العراق، التي تهمنا كثيراً، وكذلك يجب أن تكون حماية إقليم كردستان موضع أهمية لدى كل عراقي والدولة العراقية باعتبارها واجباً مشتركاً"، ودعا العراقيين إلى وقف الهجمات التي تشنها الفصائل المنتهكة للقانون من داخل العراق على الإقليم وعاصمته أربيل، لأننا جميعاً نتشارك في السيادة والمصالح والانتصارات، وكذلك الهزائم".
فرصة لحل الأزمة في بغداد
ويرى مراقبون أن حل الخلاف بين الحزبين من شأنه أيضاً أن يحرك الجمود السياسي القائم في بغداد لتشكيل الحكومة، خصوصاً إذا ما توصلا إلى صيغة لطرح مرشح مشترك لمنصب رئاسة الجمهورية، بعد أن كانا انقسما إلى جبهتين، حيث تحالف حزب بارزاني مع التيار الصدري الشيعي وائتلاف سني يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، بينما انضم حزب طالباني إلى تحالف "الإطار التنسيق"، الذي يضم قوى شيعية رئيسة من بينها حزب الدعوة ومنظمة بدر، التي تملك فصائل مسلحة منضوية في قوات "الحشد الشعبي"، بعضها مدرج ضمن القوى الموالية لطهران، وقد نجحت في تعطيل جلستين لانتخاب رئيس الجمهورية من خلال ما بات يعرف بـ"الثلث المعطل".
من جهته، طالب وزير البيشمركة، شورش إسماعيل، مؤسسات الإقليم المعنية "بعدم السماح لتشكيل أية قوة خارج وزارة البيشمركة". وحذر من أن "كيان الإقليم الدستوري يواجه مخاطر تزداد يوماً بعد آخر، ولا يمكن مواجهتها إلا عبر قوة موحدة ومقتدرة".
أولى مواقف الترحيب صدرت عن القنصل الأميركي لدى أربيل، روبرت بالادينو، الذي قال خلال كلمة في الجامعة الأميركية بالسليمانية مهنئاً الحزبين، "هذه خطوة مهمة". وشدد على أن "وحدة الكرد ضمانة لحماية مصالح حكومة إقليم كردستان، سواء في الإقليم أو في بغداد، ونعتقد أنه يجب تعزيز استقرار الإقليم، لأن فشل تأسيس حكومة في هذا الوقت يهدد الاستقرار، ويمكن أن ينظر إليه على أنه خطوة مخيبة للآمال من قبل الدول، ونحن نشجع جميع الأطراف العراقية على تشكيل حكومة جديدة بسرعة كبيرة".
وفي وقت سابق، نفت رئاسة الإقليم أن يكون بارزاني طلب من مجلس الأمن الدولي التوسط بين أربيل وبغداد، وذلك بعدما كانت وسائل إعلام تداولت خبراً يفيد بموافقة مجلس الأمن الدولي على إرسال مبعوث خاص لهذا الغرض. وقالت إن الخبر نشر في موقع رئاسة الإقليم قبل أن يتم حذفه، فإن بارزاني عاد وأكد للصحافيين في ختام لقاءاته بأنه "بعث برسالة إلى الأمم المتحدة للمساعدة في حل مشكلة الإقليم مع بغداد، والمساعدة في إجراء الانتخابات الكردية"، مؤكداً "حصول تحسن في العلاقة بين الحزبين".
"لقاءات حاسمة"
وأجرى بارزاني لقاءات "سريعة" مع زعماء القوى الكردية الرئيسة، في مقدمتهم زعيم حزب "الاتحاد" بافل طالباني، حول الخلاف على الانتخابات النيابية الكردية، والعلاقة مع الحكومة الاتحادية، والخلاف على منصب رئاسة الجمهورية. وقالت وسائل إعلام مقربة من بارزاني، إن هذه اللقاءات ستكون "حاسمة"، عندما ينعقد "قريباً" اجتماع على مستوى القيادة بين الحزبين الحاكمين".
وصرح القيادي في حزب بارزاني، اراس حسو ميرخان، بأن حزبه "فاتح رسمياً حزب الاتحاد لعقد اجتماع رفيع المستوى". وقال إن "مشكلة الانقسام في الإقليم بين منطقتين، هو عدم توحيد القوات العسكرية والأمنية، وعلى الرغم من أن الحكومة تعمل على حل المعضلة، لكن الأزمة السياسية في بغداد انعكست أيضاً على الإقليم، ومن الخطأ أن يرتد الخلاف على أعمال حكومة الإقليم".
من جانبه، أكد القيادي في "الاتحاد"، سعدي بيره، أن "الاتفاق بين الحزبين غير صعب، وعليهما أن يعيا تماماً التحذيرات التي صدرت عن مبعوثة الأمم المتحدة، جينين بلاسخارت، أخيراً حول مخاطر الانقسام في الإقليم"، مبيناً أن "الخلافات والتوترات انعكست سلباً على الوضعين الأمني والاقتصادي للمواطنين، لكن هذا التوتر سينتهي قريباً"، واستدرك "لكن الخلاف لن يحسم بمجرد اجتماع، ستكون لنا سلسلة اجتماعات متواصلة".
تحفظات وشروط
في المقابل، نقل بيان لحزب "الاتحاد الإسلامي" المعارض عن زعيمه صلاح الدين بهاء الدين قوله خلال لقائه بارزاني، إن "مواطني الإقليم والأجيال المقبلة لم يعد بإمكانهم تحمل هذا الوضع الفوضوي، إن خيبة الأمل القائمة والمتغيرات في العراق والمنطقة تستدعي من المسؤولين التفكير ملياً بمستقبل الإقليم، وأن يتوحدوا لمواجهة التحديات". وحذر من أن "الإقليم، سواء محلياً أو دولياً، يواجه مخاطر، والسبب الرئيس هو الانقسام بين قوى السلطة".
في حين أعلنت حركة "الجيل الجديد" المعارضة، بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد، رفضها استقبال بارزاني. وقالت إنها "لن تشارك في اجتماع لا يتناول مشكلات المواطنين، ويقتصر على التقاط الصور"، في وقت أعلنت فيه "جماعة العدل" الإسلامية المعارضة عقب اجتماع لها عن "استحالة استمرار الوضع على ما هو عليه في ظل هذه الصيغة من الحكم والإدارة". وقالت "على الرأي العام أن يعلم بأن قوى السلطة تريد أن تؤجل انتخابات برلمان كردستان بشتى الذرائع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقارب مع طهران
يأتي هذا التطور بعد تسريبات إعلامية كشفت عن أن وزير داخلية الإقليم ومرشح حزب بارزاني لمنصب رئاسة الجمهورية، ريبر أحمد زار، أجرى أخيراً مباحثات في طهران، تناولت ملفي الأمن و"إيجاد مخرج لأزمة تشكيل الحكومة العراقية، "لما لطهران من دور محوري في العملية السياسية على الساحة العراقية".
وقالت التسريبات إن "تقارباً حصل بين الديمقراطي والإيرانيين" بعد نجاح طهران في إفشال مسعى تحالف حزب بارزاني والصدر لتشكيل حكومة الأغلبية، لكن ممثل حكومة الإقليم في طهران، ناظم دباغ، نفى علمه بـ"أية زيارة لوفد كردي"، مشيراً إلى أنه "غير مطلع منذ سنوات على زيارات لوفود من حكومة الإقليم إلى إيران، لأنه منذ إجراء الإقليم استفتاء للاستقلال عام 2017، فإن العلاقات كانت على الصعيد الحزبي وليس الحكومي".
وترى بعض المصادر، أن حزب بارزاني تعرض إلى ضغوط مكثفة للتخلي عن سياسته، التي بدأت مع إعلان المحكمة الاتحادية العليا عدم دستورية انفراد الإقليم في إدارة ملفه النفطي، وما زالت متواصلة عبر خطوات تقوم بها وزارة النفط العراقية لتسليم إدارة الملف إلى شركة النفط الاتحادية "سومو".
وعلى الرغم من أن المبادرة حظيت بترحيب لافت لدى الأوساط السياسية، لكنها لم تخل من انتقادات في ضوء "يأس" يسود الشارع الكردي من الأوضاع الاقتصادية السياسية المتردية. وقال النائب البارز عن كتلة "التغيير" النيابية، علي حمه صالح، إن "الشعب يبحث عن خيار آخر بعد أن يئس من تخلي سلطة الحزبين عن ممارسة الفساد والظلم وتحقيق الثراء على حساب إفقار المواطن"، وأردف أن "رئيس الإقليم يقر بأن الشعب يائس، لكن نقول إن آمال الناس لن تعود عبر تبادل الابتسامات بين الحزبين، لأن الشارع في الأساس فقد الثقة بهما، فلم يستطيعا أن يحصلا على أكثر من 25 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة على الرغم من امتلاكهما للقوة العسكرية والتحكم بالمال العام والقدرة على التزوير وشراء الذمم"، وتساءل "هل سيكون اجتماعهما من أجل وقف عمليات التهريب والاستحواذ على الأراضي المميزة واحتكار السوق؟".
لا جديد
من جهته، أكد المحلل السياسي بختيار سعيد، أن "بارزاني لم يحمل معه أي جديد، وما ورد في خطابه لم يخرج عن الجمل المكررة التي أعدها له مستشاروه، ويبدو أن زيارته لا تخرج عن كونها مسعى لإذابة الجليد بين الحزبين الحاكمين فقط".
أضاف سعيد "لقد تطرق الرئيس إلى البيشمركة التي استغلوها في تحقيق الثراء للحزبين، وكذلك لإخافة الشارع، في حين أنهم لم يقدموا شيئاً لأفراد وأسر البيشمركة والشهداء بقدر خطاباتهم وشعاراتهم".
ويرى سعيد، أن "أسطوانة توحيد البيشمركة أصبحت مشروخة، فإننا اليوم لدينا قوتان أكثر من أي وقت مضى، والواقع يقول إن نظام الحكم مقسم على إدارتين، وكل شيء أصبح بالمناصفة"، لافتاً إلى أن "الأزمة السياسية ليست بسبب الحزبين أو الانقسام بين قواتهما، بل هو بسبب المعادلة السياسية ومصالح الدول العظمى، خصوصاً أميركا وبريطانيا".
ومضى سعيد بالقول، إن "المديح لزيارة بارزاني إلى السليمانية قد لا يجدي، لأن 80 في المئة من مواطني الإقليم لن يقتنعوا أو يتفاءلوا بهذه الخطب منتهية الصلاحية، وما يهم هو ماذا يحصل على أرض الواقع، وليس ما يقال في المنابر".