سطوة الميليشيات تنجح في إلغاء حفل سعد لمجرد في بغداد

آخر تحديث 2022-06-11 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

"بأمر أولاد الشايب خلي يغادر من بغداد"، بهذه الهتافات أنطلقت مسيرات حاشدة في اتجاه مدينة "سندباند لاند"، المكان الترفيهي الأحدث في بغداد رفضاً لتنظيم حفل المطرب المغربي سعد لمجرد، ومطالبته بالمغادرة. وتوزعت الاعتصامات عند المداخل، ما دفع إدارة المدنية إلى إعلان إلغاء الحفل قبل أن يبدأ.

سبقت المسيرات تغريدة للمتحدث باسم "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري جاء فيها، "وصل التسافل في حفلات المجون والانحلال في بغداد إلى حد لا يمكن أن يُطيقه أي إنسان حر وشريف... يجب العمل على إنهاء هذه الظاهرة الشاذة في مجتمعنا الإسلامي". وقد ساندت المحتجين قناة "صابرين نيوز" على "تلغرام"، التابعة للميليشيات الموالية لإيران.

نفاذ تذاكر الحفل

قبل ذلك، كان قد أعلن تأجيل الحفل من 3 إلى 9 يونيو (حزيران) إلى 9 منه "بسبب مصادفة تزامنه مع ذكرى أربعينية الإمام علي"، وفق إدارة "سندباد لاند".

واعترضت حركات نسوية عراقية إقامة الحفل انطلاقاً من اتهام لمجرد بقضايا تحرش واغتصاب، وقد تصدر وسم "#حفل_سعد_لمجرد_مرفوض" وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من ذلك، بيعت تذاكر الحفل كلها وفق إدارة "سندباد لاند"، وتراوحت أسعارها بين 50 وألف دولار.

الخطاب الاحتجاجي المدني يهدد الميليشيات

يرى المتخصص في علم النفس الاجتماعي والسياسي حيدر الجوراني أن الحركة الاحتجاجية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي يعبر عن استمرارها في وسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن خطاباً نسوياً يرفض العنف على أساس النوع، وقد انعكس ذلك في حملة الاحتجاجية على حفل فنان متهم بالتحرش والاغتصاب".

ويعتقد الجوراني أن "هذا الخطاب وطريقته الاحتجاجية يهددان وجود التيارات المتشددة والميليشيات، وهو ما حدا بها إلى الاحتجاجات في الشارع. والغاية من ذلك تشظية أي احتجاج يأخذ حيزاً في المشهد الاجتماعي والسياسي، ولا سيما الخطاب النسوي".

ويختم الجوراني بأن "الاحتجاج الافتراضي النوعي أصبح عامل قلق، والدليل هو الردود المضادة له، يبقى الفارق هو تسييس الفعل وإزاحته عن أهدافه الحقيقة".

غياب الحكومة

وسلط إلغاء حفل لمجرد الضوء على غياب الحكومة في المحافظة على الأمن والمهرجانات والترفيه. فالحفل كان حاصلاً على الموافقة من الجهات الرسمية، ولا بد أن توفر الجهات الأمنية حماية له. وهذا ما لم يحصل، إذ نجح ضغط الميليشيات، بغياب السلطات والحماية الأمنيتين، في إلغاء الحفل.

وهناك من يتحدث عن تجاوز القضية الحفل وارتباطها بخلافات على استثمار هذه "سندباد لاند" ورغبة الميليشيات بالاستحواذ عليها. وينطلق أصحاب هذا الرأي من أسباب سكوت الميليشيات عن وجود الملاهي في مناطق عدة في بغداد. والسبب وراء ذلك، وفق هؤلاء، هو المكاسب التي تحصل عليها الميليشيات من تلك الأماكن.

احتجاج على تخفيف الحكم على المغتصب

وتزامن الاحتجاج على حفل لمجرد مع حملة لإلغاء المادة 398 من قانون العقوبات العراقي، التي تخفف الحكم على المغتصب إذا ما تزوج من ضحيته. وفي هذا السياق، تعتبر الناشطة النسوية أبرار وادي أن "رفض المنظمات النسوية إقامة حفل الفنان سعد لمجرد هو امتداد لسلسلة من حملات الرفض بعدد من الدول العربية، منها مصر والسعودية"، مضيفة أن "رفضنا جاء لأسباب إنسانية ومبادئ نسوية تحتم علينا مساندة الضحايا لكون لمجرد متهماً بأربع جرائم اغتصاب لفتيات لم تتم تبرئته حتى الآن من أي منها".

وتعتبر وادي أن "الترحيب بالفنان لمجرد هو تطبيع مع المغتصبين، وخصوصاً في بلد مثل العراق، حيث تبيح بعض قوانينه تزوج المغتصب من الضحية. فالتطبيع هذا يسهم في تماهي البيئة الاجتماعية مع الاغتصاب ويمنح المغتصب مقبولية، وهو خيانة للضحايا أيضاً".

لغة السلاح

وتلفت وادي إلى أن "حملة رفض الحفل التي قامت بها النسويات استمرت لأكثر من أسبوعين، لكن لم تلقَ استجابة من إدارة "سندباد لاند" التي حذفت جميع التعليقات المناهضة لإقامة الحفل على مواقع التواصل الاجتماعي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في حين ألغي الحفل، وفقها، "عند خروج مجموعة حزبية رفضت الحفل لأسباب عقائدية، وهو عكس دوافعنا ومنطلقاتنا، ما يؤكد أن منظمي الحفل لا تهمهم الخلفية الأخلاقية للفنان، بل العائد المادي، ويؤكد لنا أن لغة العنف والسلاح هي المسيطرة في العراق، وهي التي تسير الأمور، وليست الأصوات الإنسانية".

مشهد يتكرر

وفي السياق نفسه، تعتبر المحامية ورئيسة نسويات البصرة هيلين حسين أن "الميليشيات جاءت بأفكار الترهيب والتخويف وتحاول دوماً أن تدفعها إلى المجتمع العراقي، وعلى الرغم من أن المجتمع العراقي، ولا سيما بعد احتجاجات أكتوبر يؤكد تمسكه بروحه المدنية، فإن هذه الميليشيات ترغب في بث هوية مغايرة للمجتمع، ومعها جماعات تسيطر على مقدرات البلد، والقوة التي تتمتع بها لإلغاء أي حفل هي جزئية ظاهرة لموضوع أكثر تعقيداً".

ولم يكن حفل لمجرد الأول الذي يواجه احتجاجات، إذ طاولت الاحتجاجات حفل الفنان محمد رمضان ومهرجان بابل. وفي كل مرة، يتكرر المشهد، إذ يبدأ المحتجون بصلاة الجماعة وإطلاق الهتافات. ولم يُكتفَ خلال الاحتجاج على حفل لمجرد بذلك، إذ حاول المحتجون اقتحام المكان، ما يطرح كثيراً من التساؤلات عن الوجه المدني لبغداد، الذي يحتجب ويكاد يختفي خلف الميليشيات وسطوتها.