زواج القاصرات "يعقد" الوضع الاجتماعي في العراق

آخر تحديث 2022-06-14 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

يبدو أن ارتفاع معدلات العنف الأسري في العراق والتراجع الاقتصادي خلال فترة كورونا وما بعدها، دفعا كثيراً من الأسر إلى تزويج بناتهم قبل سن 18 عاماً خلال 2021، وبارتفاع عن المعدلات السابقة التي أحصتها الحكومة.

وربما تكون هناك عوامل أخرى لارتفاع مثل هذه الزيجات، فمعظمها يتم خارج المحاكم العراقية وبعقد زواج يكتب لدى مكاتب رجال الدين، وترفض المحاكم العراقية مثل هذه الزيجات، التي يتحول معظمها إلى حالات طلاق تعرض عليها في ما بعد.

أكثر من 25 في المئة

بحسب نتائج المسح الوطني الاجتماعي والصحي المتكامل للمرأة العراقية الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء وهيئة إحصاء إقليم كردستان، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللاتي تزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاماً 25.5 في المئة، بينما أظهرت نتائج المسح أن نسبة المؤشر نفسه في إقليم كوردستان بلغت 22.6 في المئة.

وتبدو المعدلات المرتفعة لزواج القاصرات امتداداً لـ 10 سنوات سابقة أشار إليها الاستبيان، وأكد أنها تؤدي في أحيان كثيرة إلى حرمان الفتيات والنساء من الوصول إلى عوامل التمكين، وقد تضيف عبئاً وعقبات أمام تعليمها وتنميتها.

وتطمح الحكومة العراقية لمعالجة هذه الظاهرة وضمان زيادة الوعي في شأن انتشار هذه الممارسة الضارة، ولهذا ستنظم إدارة تمكين المرأة العراقية - الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، مؤتمراً وطنياً لمعالجة ظاهرة الزواج المبكر.

الكُلف الاقتصادية

وزيرة المرأة السابقة بشرى الزويني قالت إن زواج القاصرات زاد من الكُلف الاقتصادية على الدولة وأدى إلى ارتفاع نسب الطلاق بين هذه الأعمار. وأضافت أن الظاهرة "ولدت أمراضاً صحية واجتماعية للفتيات اللاتي يتزوجن بهذا العمر، لعدم قدرتهن على التكيف مع أسرة الزوج في سن الطفولة، وعدم استطاعتهن تحمل أعباء الحياة الزوجية"، مبينة أنها تزيد المشكلات على كاهل المجتمع العراقي، وإذا ما أجرينا إحصاء فسنجد أن زواج القاصرات هو الأكثر طلاقاً.

الأسر الفقيرة

وأشارت الزويني إلى أن "هناك من ينتحرن من بين المتزوجات بهذا العمر نتيجة عدم تحملها المشكلات العائلية بسبب عمرهن الصغير"، مشيرة إلى أن معظم المتزوجات من العوائل الفقيرة وهن غير متعلمات أو يتيمة الأبويين أو أحدهما، ومن النادر أن نجد من تتزوج بهذا العمر وهي تعيش في وسط عائلة ميسورة أو عائلة متعلمة.

وعن أسباب زواج القاصرات بينت الزويني أن " من بينها الخوف من العنوسة والفقر والبطالة والعنف الأسري والفهم الخاطئ للشريعة الإسلامية، إذ يتم عقد الزواج خارج إطار المحاكم وبموافقة ولي الأمر".

ارتفاع معدلات الطلاق

وكان مجلس القضاء الأعلى كشف عن إحصاء دعاوى الطلاق لعام 2021 لرئاسات محاكم الاستئناف عدا إقليم كردستان، والتي وصلت 73399 دعوى، وتصدرت رئاسة محكمة استئناف بغداد الرصافة المشهد بدعاوى الطلاق للمحاكم التابعة لها بعد أن وصلت إلى 13803 دعاوى، فيما جاءت محاكم الكرخ المنضوية لرئاسة استئناف بغداد الكرخ الاتحادية في المركز الثاني بـ 13363، تلتها رئاسة محكمة استئناف البصرة الاتحادية ثالثاً بـ 7317 دعوى.

ضغط على الصحة

وترى الزويني أن مثل هذه الزيجات ستشكل ضغطاً على المؤسسة الصحية، بسبب الأوضاع النفسية غير الجيدة  للفتيات اللاتي يصبحن مسؤولات عن أسر في عمر صغير، مبينة أن هذا الزواج في الغالب سيجعل الفتيات يتركن الدراسة، فضلاً عن أن احتمال الطلاق في هذا العمر سيكون أكبر.

وأشارت إلى أنه في بعض الأحيان يكون زواج الفتاة برضاها كونها صغيرة لا تدرك المسؤولية التي تنتظرها، وستكون فرحة بمراسم الزواج وخاتم الخطوبة وفستان الفرح، وفي أحيان أخرى تكون بإجبار ذويها.

تعديل القانون

وشددت الزويني على ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية ومعاقبة ولي الأمر الذي يزوج ابنته بهذا العمر، وكذلك الشخص الذي يعقد عقد الزواج، مستبعدة أن يتم تعديل القانون خلال الفترة القريبة المقبلة بسبب الموروث الثقافي للمجتمع.

وحتى الآن يبدو أن الجهات العراقية المتخصصة لم تجد طريقة للتعامل مع هذه الظاهرة، سواء على المستوى الاجتماعي أو الإعلامي، باستثناء بعض البيانات والندوات التي لم تدخل إلى صلب المشكلة الأساس، وتدارس أسبابها المختلفة من ناحية شخصية أو اقتصادية أو أي عوامل تأثير أخرى تقف ورائها.

انتهاكات حقوق الإنسان

من جانبها، حذرت الناشطة في مجال حماية المرأة بشرى العبيدي من فقدان العراق مكانته في اللجان الأممية المهتمة بحقوق الإنسان، بسبب انتهاكات حقوق المرأة والطفل.

وقالت العبيدي إن قانون الأحوال الشخصية يتضمن شروطاً في عقد الزواج ومنها الأهلية، التي من ضمنها سن الزواج الذي هو تمام الـ 18 سنة، وهي قاعدة عامة يجب عليها عقد الزواج، مبينة أن المشروع وضع استثناء واحداً وهو السماح بزواج من أتم 15 سنة إذا كان هناك ضرورة، وإذا وافقت المحكمة وارتأت الزواج بمثل هذا العمر".

وأشارت إلى أن الزواج بخلاف هذه الشروط جريمة بحسب قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية، لافتة إلى أن عقد الزواج خارج إطار المحكمة بمكاتب رجال الدين يعتبر مشاركة بالجريمة، ورجل الدين الذي يعقد عقد الزاج مسهم في ارتكاب هذه الجريمة، وبالتالي فهؤلاء الأشخاص تجب معاقبتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشكلة دولية

وترى العبيدي أن العراق سيواجه مشكلة دولية لأنه مطالب بتقديم تقرير إلى لجنة مكافحة التمييز ضد المرأة ولجنة اتفاق حقوق الطفل كل أربع سنوات، متسائلة عن الذي سيكتب في التقرير، وهل سنذكر زواج الأطفال الذي يمثل أبشع الخروق الدولية أم لا؟

ولفتت إلى أن العراق كان من الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، إلا أننا بدأنا نتصدر مراتب عليا بالقائمة، وقبل مدة كرم العراق وحصل على منصب نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، لكن بعدة فترة رفضت 125 دولة أن تصوت لنا بسبب الانتهاكات التي ترتكب ضد حقوق الإنسان المتعلقة بالنساء والأطفال، مشيرة إلى أن هذه الانتهاكات قد تحرم العراق من المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها.

وعلى الرغم من محاولة المنظمات الدولية تقديم دعم لبغداد لإيجاد حلول لارتفاع معدلات العنف الأسري وأسبابها وتشريع قوانين تهدف إلى الحد منها، لكن الاعتراضات السياسية وعدم نضوج الكتل والجهات لسياسية في توجهاتها الاجتماعية والاقتصادية أفشلا حتى الآن أي مشروع لتفكيك المشكلات التي تعانيها الأسرة العراقية.

كما أن النفوذ الكبير للعشائر ورجال الدين في المجتمع العراقي صعّب كثيراً من عمل الأجهزة الأمنية في التعاطي مع هذا الموضوع، وجعلها تتعامل مع النتائج النهائية للعنف الأسري المتمثلة بالقتل داخل الأسرة، الذي اعتاد الشعب العراقي على متابعة أخبارها اليومية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

أسباب كثيرة

وبينت العبيدي أن أسباب زواج القاصرات كثيرة، "منها الوضع الاقتصادي المتردي للعائلة وكثرة الإنجاب، وبحسب تقويم وزارة التخطيط فلدينا انفجار سكاني بسبب زيادة الإنجاب"، مؤكدة أن هذه الأسباب تدفع رب الأسرة إلى التخلص من البنات من خلال تزويجهن، فضلاً عن الأعراف والتقاليد بضرورة زواج المرأة بسن باكر.

وأشارت العبيدي إلى أن هذه الأعراف والتقاليد تحتاج إلى ثورة وعي وإعادة تأهيل المجتمع ووضع قوانين للحد من كثرة الإنجاب التي لا تتناسب مع إمكانات الدولة.

ويعد العراق من البلدان ذات الزيادة المرتفعة بالسكان بنسبة 2.6 في مقابل بلدان أخرى تصل من 1.5 إلى اثنين في المئة.

لا توجد عقوبات

بدوره، بين الخبير القانوني علي التميمي أن قانون العقوبات لم يعاقب والد الزوجة أو رجل الدين الذي يجري عقد الزواج خارج إطار المحكمة. وأضاف أن "قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 اشترط تحقق الأهلية بعقد الزواج بشروط، لافتاً إلى أن عقد الزواج لا يعقد إلا إذا تحقق الإيجاب والقبول (رضى من الزوج والزوجة) وشهادة شاهدين يتمتعون بأهلية ويعقد العقد بالمحكمة".

وأوضح أن المادة (10) الفقرة الخامسة من قانون الأحوال الشخصية نصت على أن يعاقب الزوج إذا عقد عقداً خارج إطار المحكمة لقاصر، مشيراً إلى أن العقوبة هي السجن لمدة ستة أشهر أو غرامة مالية.

وتابع التميمي أن قانون الأحوال الشخصية لم يعاقب والد الزوجة أو رجل الدين وهذا قصور في المادة، لأن هؤلاء يعتبرون شركاء في الجريمة وليس فقط الزوج.