الانتخابات الكردية في انتظار إعلان التأجيل

آخر تحديث 2022-06-15 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

يتجه إقليم كردستان العراق نحو إعلان تأجيل انتخاباته البرلمانية، بعد انقضاء الفترة الزمنية المطلوبة لإجرائها، على وقع استمرار الخلافات السياسية حول تعديل قانون ومفوضية الانتخابات، فيما تتهم قوى معارضة نظيرتها الحاكمة بـ"التعمد" في إرجاء الانتخابات، تجنباً لخسارة قد تلحق بها، على خلفية تداعيات الأزمات التي تعصف بالإقليم منذ سنوات. 

وتعترض الانتخابات، المقرر إجراؤها مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، معوقات إثر خلافات بين قطبين أحدهما يقوده الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني صاحب الأغلبية النيابية، مدعوماً بقوى صغيرة، يقابله شريكه في حكومة الإقليم حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني وبعض قوى المعارضة، حول إجراء تعديل على قانون الانتخابات والتحول من نظام الدائرة الواحدة إلى الدوائر المتعددة، وهو ما كان يرفضه حزب بارزاني، إضافة إلى مطالب تتعلق بإيجاد صيغة جديدة لانتخاب ممثلي الأقليات وفق نظام الكوتا، في ظل ادعاءات باستغلالها من قبل حزب بارزاني، إلى جانب الشكوك التي تحوم حول الشوائب التي تعتري سجل الناخبين.

وكانت القوى الكردية عقدت في 9 من يونيو (حزيران) الجاري اجتماعاً برعاية رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، وحضور المبعوثة الأممية جينين بلاسخارت، بعد أيام من اجتماع مماثل عقدته الأخيرة مع قادة القوى السياسية في مقر البعثة، وذكرت تسريبات إعلامية ومشاركون في الاجتماع، أن "القوى توصلت إلى قناعة بصعوبة إجراء الانتخابات في موعدها، وأن بلاسخارت اقترحت "إجراءها قبل منتصف مارس (آذار) المقبل"، بينما تتجه الأنظار إلى تقرير نهائي من المؤمل أن تقدمه لجنة مكلفة من قبل رئاسة الإقليم، بالتعاون مع قسم شؤون الانتخابات في البعثة الأممية مطلع يوليو (تموز) المقبل حول موقف القوى السياسية. 

وأجمع نواب وسياسيون على أن الانتخابات باتت في حكم المؤجلة، ولم يتبق سوى أقل من أربعة أشهر على موعدها المحدد، بينما تحتاج الإجراءات والتحضيرات مدة لا تقل عن ستة أشهر، وتباينت الآراء حول المعوقات "الحقيقية"، وما إذا كانت هناك دوافع "غير معلنة" لدى بعض القوى من خوض الانتخابات. 

هواجس من التنافس 

الناطق باسم كتلة "الديمقراطي"، بيشوا هورامي، أكد "صعوبة توقع مدة التأجيل، لكن من الواضح أن الوقت يمر، وسيكون من شبه المستحيل إمكان إجراء الانتخابات في موعدها"، مستبعداً أن تكون أسباب التأجيل مرتبة بالوضع المتأزم في الإقليم، قائلاً إن "بعض الأطراف السياسية لم تبادر ولم تكن جدية في حل الخلافات، وبعض الأسباب تتعلق بالوضع الداخلي لتلك الأطراف، التي لم تكن راغبة بخوض الانتخابات، وتبين ذلك بوضوح من خلال شروط صعبة كانت تريد فرضها خلال الحوارات، وهذا كان مقصوداً بغية تأجيل الانتخابات بصيغة تبريء ساحتها من مسؤولية التأجيل، ويبدو أنها كانت تخشى من الدخول في منافسة انتخابية في توقيت ترى أنه لا يناسبها، إلى أن أوصلت الوضع إلى ما هو عليه الآن".

ومنذ عام 2014 يواجه الإقليم أزمة اقتصادية حادة، متأثراً حينها بتدني حاد في أسعار النفط، تزامناً مع قطع الحكومة الاتحادية في بغداد لحصته في الموازنة إثر فشل التفاهمات الثنائية المبرمة، في وقت كان يخوض على مشارف مدنه حرباً مع تنظيم "داعش"، ما خلق عجزاً في الإيرادات ليخلف ديوناً تقدر بنحو 20 مليار دولار، كما تواجه الحكومة صعوبة في تأمين مرتبات الموظفين.

لكن هورامي يؤكد أن "الاجتماعات التي عقدها رئيس الإقليم مع القوى السياسية كان لها نتائج طيبة، وأسهمت في كسر الجليد ووقف الحرب الإعلامية والجلوس على طاولة الحوار، بعد أن كانت الحوارات قد توقفت كلياً"، وإزاء ما أعلن عن موافقة الحزب "الديمقراطي" على إقرار نظام الدوائر المتعددة في قانون الانتخابات، قال: "لم يصدر أي قرار أو موقف رسمي بعد، والمسألة لم تكن تستحق أساساً أن يجري التفاوض بشأنها، لأن من حق الشعب أن يدلي بصوته في الموعد المحدد، فإن بعض الأطراف دفعت هذا الاستحقاق باتجاه المناقشة والخلاف، لذا فإن الحزب الديمقراطي تعامل بصيغة تصب في الصالح العام". 

أزمة ثقة

وخسر الحزبان الكرديان، نحو 700 ألف صوت وفق نتائج الانتخابات النيابية الاتحادية، التي جرت العام الماضي، على الرغم من تحقيقهما مكاسب على مستوى عدد المقاعد، وفق قانون الانتخابات الجديد، الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة، ليحصد "الديمقراطي" 31 مقعداً مقابل 18 مقعداً لنظيره "الوطني"، لكن نسبة المشاركة لم تتجاوز 40 في المئة، وكانت المفاجأة حصول حركة "الجيل الجديد" المعارضة بزعامة رجل الأعمال شاسوار عبد الواحد على 9 مقاعد، مقابل خروج مدو لحركة "التغيير" المشاركة في حكومة الحزبين من دون الفوز بأي مقعد. 

ويتفق النائب عن كتلة "الاتحاد الإسلامي" المعارضة، أبو بكر هلدني، مع هورامي على استحالة إجراء الانتخابات. وقال، "هناك أسباب عدة تتعلق بالحاجة إلى تمديد ولاية مفوضية الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات، إلى جانب الوضع السياسي المرتبك ووجود خلافات بين القوى حول مسائل كثيرة، ما خلق أزمة ثقة بين الحكومة والشارع بغية كبح حماسة الناخب للمشاركة في التصويت، ولا ننسى أن الأزمة السياسية في بغداد والتطورات الأخيرة المتعلقة بالاستقالة الجماعية لنواب التيار الصدري سيكون له الأثر على الوضع الداخلي للإقليم"، متوقعاً أن "يستمر التأجيل لنحو ستة أشهر أو لسنة". 

في الأثناء أعلن رئيس حركة "الجيل الجديد" المعارضة شاسوار عبد الواحد، في بيان، أنه "يتحدى الحزبين الحاكمين إذا كان لديهما الجرأة لخوض الانتخابات في موعدها". أضاف، "لا يهم فارق العمر والخبرة السياسية في ما بيننا، المهم أنكم تخشون هذه الحركة الفتية، وإذا لم يكن كذلك تفضلوا بإجراء الانتخابات لنعرف من هي القوى الرئيسة؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رغبة مسبقة للتأجيل 

وحول ما يشاع عن وجود دوافع "خفية" تقف وراء الرغبة بالتأجيل، يقول هلدني: "ربما هناك أسباب أخرى، بحكم أنه لو كانت هناك إرادة حقيقية لحل الخلافات لكان بالإمكان ذلك خلال مدة شهر فقط، بدليل أننا لدينا تجربة في هذا الجانب، إذ سبق وأقر الحزبان الحاكمان قانوناً خلال خمس ساعات، وهو القانون رقم 19 لعام 2013 والذي تم بموجبه تمديد ولاية رئيس الإقليم، ما يعني أنه لم تتوفر الإرادة الحقيقية لإجراء الانتخابات من الأساس، إضافة إلى بقية الأسباب"، وبشأن نتائج الحوارات الجارية، قال: "نلتمس تفاهماً نسبياً، بخاصة أن هناك إجماعاً على إقرار نظام الدوائر المتعددة، لكن تبقى بعض المواد في قانون الانتخابات تحتاج لمزيد من النقاشات، والتي تتعلق بنظام مقاعد كوتا الأقليات، وفي ما يتعلق بسجل الناخبين وتحديثه، كما هناك اتفاق مبدئي على تمديد ولاية المفوضية".    

من جهته، كشف زعيم "الحزب الاشتراكي"، محمد حاجي محمود، عن أن الحزبين الحاكمين "كانا متفقين على صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها، ويبدو أنهما أبلغا بلاسخارت بضرورة تأجيلها". وقال في تصريح للقسم الكردي في إذاعة "صوت أميركا"، "أتوقع أن تؤجل فعلياً إلى الربيع المقبل"، وأردف أن "الحزبين ليسا في خلاف بقدر ما يتفقان في العادة عندما تتعرض مصالحهما للخطر، لنتذكر مرة كانت الناس تخشى أن يدخلا في اشتباك مسلح، لكن في اليوم نفسه بادلا التصويت لمرشحيهما في تولي مناصب وزارية في بغداد". 

مقاعد ظل للسلطة 

وفي الخلاف المتعلق بمقاعد نظام الكوتا، تعتقد الأصوات المعترضة أن "هناك إجحافاً عندما يحصل مرشح من الأقليات بأقل من نصف أصوات العتبة الانتخابية، ليصبح في النهاية ظلاً للسلطة"، وتشترط "منح مرشحي الأقليات الاستقلالية على صعيد القرار السياسي، وألا يكونوا خاضعين لقرار طرف بعينه".  

وفي السياق، طالب القيادي البارز في "الجبهة التركمانية" وزير الإقليم لشؤون الأقليات، آيدن معروف، بزيادة المقاعد المخصصة للتركمان وفقاً نظام الكوتا من خمسة مقاعد إلى سبعة، فضلاً عن زيادة مقاعد الأقليات من 11 إلى 15 مقعداً"، داعياً إلى "إجراء التصويت على كوتا التركمان في مركز اقتراح واحد فقط". 

من جانبه، كشف القيادي في حزب "الاتحاد الوطني"، سعدي بيره، أخيراً عن أن "سجل الناخبين المعمول به في الإقليم يحتوي على نحو 500 ألف اسم زائد، مقارنة مع السجل المعمول به من قبل مفوضية الانتخابات الاتحادية"، مشدداً على "ضرورة حل مشكلة مقاعد الكوتا وإيجاد آلية جديدة للتصويت للأقليات".  

وبلغت نسبة المشاركة في انتخابات الإقليم عام 2018 نحو 59 في المئة من مجموع 3 ملايين و85 ألفاً كان يحق لهم التصويت، نافست فيها 29 قائمة، تمكن خلالها حزب بارزاني من حصد 45 مقعداً، تلاه حزب "الاتحاد الوطني" بـ21 مقعداً، ثم حركة "التغيير" 12 مقعداً، وثمانية مقاعد لحركة "الجيل الجديد"، كما حصدت القوى الإسلامية 12 مقعداً.