كهرباء … كهرباء
د. علاء هادي الحطاب
لَم تختلف هذه السنة عن سابقاتها، في ما يخص أزمتي الكهرباء والبنزين، سوى أن أزمة البنزين أكبر من سابقاتها في السنوات القريبة الماضية، إذ اعتدنا أن نشهد ازدياد ساعات تجهيز التيار الكهربائي ما أن يطرق الصيف أبوابنا، وتبدأ درجات الحرارة بالارتفاع، إلا أن الأمر أصبح من “المسلّمات” في بلد يُعدّ يصدر النفط إلى دول العالم، ويحرق غازه المصاحب لعمليات الاستخراج.
حقيقة معادلة غير منطقية، كيف أن بلداً يُعدّ مصدراً للنفط ويحرق غازه في الهواء ليلوّث بيئته، وبالمقابل يستوردُ غازاً آخرَ ليشغل محطاته!؟، هذا الأمر مستمر لسنوات عديدة مضت ولا يزال، والنتيجة لم ينعم العراقيون بتيار كهربائي مستمر طيلة أيام أشهر الصيف الحارقة بشمسها وحرارتها.
إن دلّ الأمر على شيء فإنما يدل على سوء التخطيط، وليس غيابه فقط، ويندرج تحت هذا السوء الفساد والمصالح الشخصية والحزبية، وحدّثْ بلا حرج، عن تلكم الأسباب التي أدت بنا أن “نتحصر” على نسمة هواء باردة نجدها في بيوتنا بعد عودتنا من العمل، لاسيما من يعملون تحت أشعة الشمس مباشرة، مع أن التجارب كثيرة ومتوفرة لتجهيز الطاقة الكهربائية في بلدان أكثر فقراً ومورداً، فضلاً عن النفط، وتلكم التجارب أثبتت نجاحها وأصبحت أزمة الكهرباء لديهم حدثاً ماضياً، فلماذا لم تستعن كل الحكومات الماضية بتلك التجارب مع وفرة الأموال في سنوات مضت؟
سؤال تبريراته غير مقنعة للمواطن مهما كانت، لأنه يرى واقعاً ليس ببعيد عنه زمكانيا وأحدث، فالأمر ليس باختراع جديد، بل بتطبيق تجارب ناجحة وفاعلة لا أكثر.
غياب السياسات العامة الصحيحة أولاً، والإرادة ثانياً، هما السببان الرئيسان لغياب التيار الكهربائي الوطني بشكل مستمر، وباقي الأسباب، منها عدم جباية أجور الكهرباء، تأتي ضمن هذين السببين، فإن توفرت السياسات العامة الصحيحة والفاعلة والمجرّبة دولياً، وتوفرت كذلك الإرادة، حينها تتوفر كل أسباب نجاح هذا الملف المزمن في حياتنا، وإلا بماذا نفسّر وجود أزمة وقود للسيارات في بلد نفطي كبير؟
نعم تنتهي جزء من هذه الأزمة مع حلول فصول الخريف والشتاء والربيع، لكنها ستعود في فصل الصيف، عندما تزداد الحاجة إلى الكهرباء والبنزين والوقود المشغل للمولدات الكهربائية الصغيرة منها والكبيرة.ولا يوجد سبب مقنع للمواطن، أولاً وأخيراً، عن عدم وجود تلك السياسات والإرادة سوى تقاذف الكرة بين المتخاصمين سياسياً، اللعبة التي حفظها المواطن عن ظهر قلب، ولم تعد تقنعه أو حتى تصبّره على حر الصيف اللاهب.
يا سادة يا كرام، إن توفر التيار الكهربائي الوطني بشكل مستمر ومستقر، ستستقر معه حياتنا وصناعتنا وزراعتنا وعِلمنا، بل وتهدأ النفوس قليلاً وتُنار الشوارع وتنظف البيئة ويتوفر الماء ويقل الطلب المحلي على الوقود وغيرها كثير، فالكهرباء أُساس حياتنا تحديداً في فصل الصيف، لذا اتركوا جميع خلافاتكم وابعدوا هذا الملف عن التصفيات السياسية، وضعوا سياسات عامة صحيحة بإرادة وطنية لتجاوز أرقٍ مزمنٍ يعيشه العراقيون كل عام وشهر ويوم وساعة.