تعمل بعض القوى السياسية العراقية الساعية إلى تشكيل الحكومة الجديدة، من أجل تغيير سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، (يبلغ سعر الدولار الواحد في السوق اليوم حوالى 1470 دينار عراقي)، وعلى الرغم من استبعاد ذلك بسبب التداعيات المترتبة على تغيير سعره من جديد وحالة الإرباك التي سيسببها للسوق المحلية بعد استقراره.
مزايدات ودغدغة لمشاعر الشارع
وتصف اللجنة المالية لمجلس النواب العراقي بأن ما يروج له البعض عن إمكانية إصدار مجلس النواب قرارات تعيد سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه في السابق، أي إلى 1200 دينار عراقي مقابل كل دولار أميركي، ما هي إلا مزايدات ودغدغة لمشاعر الشارع. وأعلن النائب عدي عواد، الخميس الماضي، جمع تواقيع أكثر من 100 نائب لتخفيض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الدينار العراقي. وذكر عواد أنه استناداً للمادة (61 - سابعاً - ج) من الدستور العراقي والمادة (56) من النظام الداخلي يرجى إدراج موضوع خفض سعر الدولار في أقرب جلسة ممكنة، وبحسب السياقات الدستورية، وبسبب التداعيات الاقتصادية الحاصلة في البلد وانهيار العملة وانعكاسها على المواطن العراقي".
بدورها، نفت اللجنة المالية النيابية، ما تردد أخيراً بشأن سعي البرلمان إلى إعادة سعر صرف الدولار إلى سابق عهده.
وقال عضو اللجنة جمال كوجر، في تصريح صحافي، إنه "من الصعب بمكان إعادة سعر صرف الدولار إلى سابق عهده، وهذا الأمر ليس من مهمات مجلس النواب، كما أنه أمر غير صحيح وفق جملة أسباب، من بينها أن تغيير سعر الصرف من الصلاحيات الحصرية للبنك المركزي العراقي ولوزارة المالية".
واعتبر كوجر أن "الوضع الاقتصادي ليس كما يتحدث عنه البعض، أي على الرغم من الفائض المالي المحقَق من ارتفاع أسعار النفط إلا أن هناك مديونية بذمة العراق لصالح بنوك خارجية وداخلية لا تقل عن 100 تريليون دينار، إضافة إلى بعض الديون البغيضة جراء حرب الخليج".
وزاد أن "ارتفاع أسعار النفط ليس أمراً ثابتاً، وإنما جاء بسبب أزمة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بمعنى متى ما توقفت الحرب وعادت الأمور إلى حالتها الطبيعية ستنخفض أسعار النفط".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع كوجر "كحكومة ومجلس نواب فشلنا في الحد من الزيادة المفرطة في تقليل الموازنة التشغيلية، أي إن أغلب موارد الدولة تذهب للمصاريف التشغيلية، بالتالي مهما زادت مواردنا المالية فهي لا تكفي لسد الموازنة التشغيلية وتخصيص جزء لا بأس به للموازنة الاستثمارية، وإذا ما غيرنا سعر صرف الدولار فهذا يعني إضافة 23 في المئة على موازنة الدولة كفرق لسعر الصرف، وسيخلق ذلك حالة إرباك للسوق بشكل غير طبيعي".
وأردف قائلاً، إن "تغيير سعر الصرف سيولد مطالبات تعويضية من قبل أصحاب بعض المشاريع الاستثمارية المتعاقَد عليها لصالح الدولة أي أن المستثمر المتضرر سيطالب بتعويض، بالتالي ما يروج له البعض عن إمكانية إصدار مجلس النواب قرارات تعيد سعر صرف الدولار إلى ما كان عليه، ما هي إلا مزايدات ودغدغة لمشاعر الشارع العراقي".
يذكر أن البنك المركزي العراقي أعلن في 19 ديسمبر (كانون الأول) 2020، رسمياً عن تعديل سعر صرف العملة الأجنبية (الدولار الأميركي) لتكون 145 ألف دينار مقابل كل 100 دولار، وفقاً للموازنة العامة للدولة لعام 2021 التي أقرها مجلس النواب.
في هذا الصدد، أكدت عضو اللجنة المالية النيابية، نرمين معروف، أن "إرجاع سعر صرف الدولار إلى سعره السابق هو من صلاحيات البنك المركزي وليس من صلاحيات لا الحكومة الاتحادية ولا مجلس النواب". وأضافت أن "هناك محاولات من قبل أعضاء في مجلس النواب و وزارة المالية لإرجاع سعر صرف الدولار إلى مستواه القديم"، لافتةً إلى أن "أعمال الجانبين تكمل بعضها، إلا أن سعر الصرف مقابل العملات وتغييره، من صلاحيات البنك المركزي حصراً". ونوهت معروف بأن "تلك الخطوة غير موفقة، وخفض سعر الدينار مقابل العملات الأجنبية جاء كجزء من برنامج الإصلاح للبنك المركزي بالتنسيق مع السياسة المالية العراقية من أجل رفع الاحتياط المالي في البنك المركزي ومنع تهريب العملة الصعبة إلى خارج البلاد، ومحاربة نسب الفقر المرتفعة وارتفاع أسعار السلع الغذائية كتبعات للحرب الروسية – الأوكرانية".
كل شيء ممكن
بدوره، فاجأ المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، العراقيين بشأن إمكانية تغيير وخفض سعر صرف الدولار مقابل الدينار. وقال في تصريح متلفز، "نحتاج إلى الطبخ على نار هادئة ومراقبة الأسعار حتى نهاية عام 2022، وأسعار النفط والاحتياطات الأجنبية"، مؤكداً أن "تغيير سعر الصرف ممكن، لكن يحتاج إلى صبر ودراسة دقيقة".
وزاد أن "هناك حقائق ثابتة على الأرض، فسعر صرف الدينار مقابل الدولار يتبع الثبات، وهو ليس اعتباطاً، بل تعاقداً بين البنك المركزي العراقي ووزارة المالية لأن عرض العملة الأجنبية يأتي من وزارة المالية 100 في المئة، وهي المصدر الوحيد لها في البلاد". وأضاف صالح "لكن البنك المركزي يتعامل بالدولار للحفاظ على احتياطي النقد ومنع التضخم. والتاريخ المالي العراقي الحديث يشهد تعاوناً في تحديد سعر صرف الدولار بين البنك المركزي ووزارة المالية".
وشدد على أنه جرى "الاتفاق مع وزارة المالية على تحديد سعر صرف الدولار لمدة ثلاث سنوات، ولكن تغييره صار أمراً مفاجئاً وضمن سياسة الصدمة. وهناك حدود للتغيير في سعر صرف الدولار وليس قضية سياسية أو شعبوية".
وزاد أن "الحد الأول وفقاً لأسعار السلع والسوق، وآنذاك البنك المركزي سيدافع عن ثبات الأسعار بموجب الاحتياطي الذي هو الأعلى في تاريخه الآن، ولدينا فائض مشجع لنهاية العام من 8 إلى 10 في المئة".
وأشار إلى أنه "إذا انفلتت الأسعار والسياسة المالية لا تدافع عن قوت الفقراء ورواتب الحماية الاجتماعية سيتدخل البنك المركزي من خلال رفع القوة الشرائية للبنك المركزي من خلال احتياطه الأجنبي".
وتابع صالح "من المنطق أن لدى السياسة المالية حزمةً للدفاع عن المعيشة والتخفيف عن الطبقات الفقيرة وللرعاية الاجتماعية وتعويض المزارعين عن فروقات أسعار الحبوب، والحكومة تحافظ على أسعار الوقود والخدمات الحكومية ثابتة. وهذا الثبات نوع من الدعم الذي ارتفع إلى 15 في المئة من الناتج المحلي".
وبشأن تغيير سعر صرف الدولار قال مستشار رئيس الوزراء، "كل شيء ممكن، لكن نحتاج إلى الصبر في تغيير سعر صرف الدولار في حال ارتفاع الأسعار والسياسة المالية غير قادرة على تغطية الدينار"، منوهاً بأن "قانون الأمن الغذائي إذا لم يستطع تأمين المتطلبات في حال ارتفاع الأسعار فسيتدخل البنك المركزي لحفظ قوة الدينار مقابل الدولار".