بعد مرور سنتين على اغتيال الباحث والمحلل الأمني العراقي هشام الهاشمي أمام منزله بمنطقة زيونة شرقي بغداد والتي وثّقتها كاميرات المراقبة في الحي، لا تزال محاسبة مَن نفذ العملية بعيدة المنال لأسباب سياسية.
وأظهرت الكاميرات في حينها ثلاثة مسلحين يقودون دراجات نارية يعترضون سيارة الهاشمي قبل إطلاق النار عليه أمام باب منزله ومن ثم يهربون قبل أن يُنقل إلى مستشفى ابن النفيس ببغداد حيث توفي.
اعترافات مقتضبة
وعلى الرغم من اعتراف الضابط في وزارة الداخلية أحمد حمداوي عويد معارج الكناني بتنفيذ العملية، في تصريحات مقتضبة بثها التلفزيون العراقي الرسمي في 15 يوليو (تموز) 2021 الا أنها لم تكن كافية لإقناع الشارع في حينها بأن الكناني هو مَن نفّذ العملية لوحده من دون دعم جهة سياسية أو جناح مسلح كما رُوِّج كثيراً في هذه القضية.
انطلق من الدورة
وانطلق الكناني بحسب اعترافاته هو والمجموعة التي اغتالت الهاشمي من منطقة أبو البعيثة في الدورة جنوبي بغداد، وتوجه إلى منزل الأخير واطلق عليه الرصاص من مسدسه الحكومي ثم توجه إلى شارع فلسطين شرقي بغداد بعد العملية.
وتذكر وثيقة صادرة من وزارة الداخلية العراقية أن عملية اعتقال الكناني تمت في مدينة الصدر شرقي بغداد، من قبل عناصر استخبارات الداخلية بعد متابعة دقيقة له استمرت لأشهر طويلة.
ولم تعلن السلطات العراقية عن الجهة التي تقف وراء عملية الاغتيال، إلا أنها ذكرت أن الكناني ينتمي لجهة خارجة عن القانون وهذا المصطلح يطلق من قبل الجهات الأمنية العراقية على الجماعات والميليشيات الشيعية التي يصل أعدادها إلى العشرات وتنشر في مناطق واسعة من البلاد.
وقلّل هذا الأمر كثيراً من أهمية اعتقال عويد لكونه اخفى جزءاً مهماً من المعلومات التي كان ينتظرها الشارع العراقي والتي يرى أنها تتعلق بوقوف ميليشيا شيعية معروفة وراء العملية بعد انتقادات الهاشمي المتواصلة لـ"خلايا صواريخ الكاتيوشا" التي تستهدف السفارة الأميركية في بغداد ومطارها والقواعد العسكرية التي يتواجد فيها الجيش الأميركي.
وجاءت تصريحات الهاشمي في حينها بعد فشل الحكومة العراقية في مواجهة الفصائل الشيعية والتي بدت نتائجها واضحة في يونيو (حزيران) 2020، عندما اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب خلية مسلحة تتبع هذه الفصائل مسؤولة عن عمليات القصف بصواريخ الكاتيوشا.
تأجيل المحاكمة
وأُجلت محاكمة الكناني من قبل القضاء العراقي ثلاثة مرات كان أخرها في مايو (أيار) الماضي، ليحدَد موعد جديد لها في منتصف يوليو (تموز) الحالي. وعزا القضاء العراقي في حينها القرار الى إجراءات فنية تتعلق بجمع المزيد من المعلومات والأدلة عن الحادث.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوضع مشوش
وتحدثت صفحات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية عن هرب الكناني إلى خارج العراق، الأمر الذي أدى إلى تأجيل القضية بحسب هذه المواقع، إلا أن الحكومة العراقية نفت هذه الأنباء بشكل قاطع مرات عدة خلال الأشهر الماضية وأكدت أن الكناني لا يزال نزيلاً في السجون العراقية ينتظر موعد من القضاء لتحديد محاكمته.
ويبدو أن هناك ضغوط كبيرة من قبل جهات سياسية وأجنحة مسلحة لمنع تحقيق محاكمة علنية للمتهم كونها قد تؤدي إلى الكشف عن معلومات تتعلق بتورطها في عملية اغتيال الهاشمي وغيره من الناشطين والشخصيات البارزة، الأمر الذي أجبر الحكومة العراقية ورئيسها على التراجع في هذا الملف وعدم مواجهة هذه الجهات بهدف عدم خلق أزمة جديدة في البلاد.
ضعف الاجهزة الأمنية
بدروه، أشار مدير "مركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية" معتز محي عبد الحميد إلى وجود ضعف في الأجهزة الأمنية، لناحية كشف نتائج التحقيق والكشف عن الجهة التي تقف خلف مَن قام بعملية الاغتيال. وأضاف عبد الحميد أنه "على الرغم من أن وزارة الداخلية كشفت عن شخص قالت إنه قام بعملية الاغتيال ضد الهاشمي إلا أن الجهة التي استغلت الضابط وأبعاد الاغتيال لم تُكشَف على الرغم من أن الهاشمي كان من الشخصيات المعروفة إعلامياً".
واعتبر عبد الحميد أن "عدم كشف نتائج التحقيق حتي الآن يُعد فشلاً أمنياً لأن التحقيق يبدأ من الأجهزة الأمنية لاسيما وأن الاعترافات التي عُرضت على وسائل الإعلام كانت غير مقنعة وظهرت كردة فعل بعد ضغوط كبيرة على رئيس الوزراء بالكشف عن الجهات، مما أحرجه ودفعه نحو ايجاد سيناريو محكم".
تفتقر للحماية
ولفت عبد الحميد إلى أنه "من المثير للاستغراب أن المتهم بعملية الاغتيال لم يحاكَم محاكمة مدنية أو عسكرية ولم يتم الاعلان عن نتائج التحقيق، مما يدلل على أن الأجهزة الأمنية ضعيفة في الكشف عن مثل هذه العمليات، فضلاً عن افتقارها للحماية من الجهات المتنفذة".
لم يتم الاعلان عن الجهة
من جهته، بيّن الباحث بالشأن السياسي علي بيدر أنه "لم يتم الإعلان عن الجهة التي تقف خلف القتَلة الذين أقدموا على هذه الخطوة". وأضاف البيدر "يجب أن يكون هناك برنامج وسيناريو وتخطيط تقف خلفه أجهزة أو جهات أكبر من سلطة الدولة الحالية ولذلك لم تقدم الجهات الأمنية على كشف المزيد من التفاصيل". وأضاف "نحن لا نمتلك مؤسسات أمنية تعمل وفق مؤسسات الدولة أو في مواجهة أو فضح تلك الجهات على أقل تقدير".