مازن منصور القريشي: تحدي المخدرات يتنامى في العراق

آخر تحديث 2022-07-08 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد

فككنا شبكات مخدرات ترتبط بأشخاص في دول خليجية (العربي الجديد)

توازي مخاطر المخدرات تهديدات الإرهاب في العراق، بينما تؤكد الحكومة أن دول الجوار هي المورد الرئيس لهذه الآفة وليس الداخل، لكنها تشدد أيضاً على حصول تعاون دولي وإقليمي أثمر إطاحة شبكات تهريب. مدير عام مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية اللواء مازن كامل منصور القريشي تحدث لـ"العربي الجديد" عن التحديات، وهنا نص المقابلة

*ما مهمات مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية، وما صلاحياتها ومسؤولياتها بحسب القانون؟
- يحدد القانون رقم 50 الصادر عام 2017 مهمات مديرية مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بمكافحة جرائم التعاطي والاتجار بالمخدرات ونشر الوعي بمخاطرها، والتعاون مع الأجهزة الأمنية في مكافحة هذه الآفة، والتواصل مع دول الجوار للحدّ من عمليات تهريب المخدرات، والوصول إلى المهربين والأشخاص الذين يرتبطون بهم.

*هل تعتقد أنّ تأسيس مديريتكم تأخر؟
- بالتأكيد. قبل عام 2003 كان العراق خالياً من المخدرات، وكانت القوانين تنص على عقوبة إعدام من يثبت اتجاره بالمخدرات أو تعاطيها، ثم نشط هذا الملف بتأثير القرارات التي اتخذها الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر بحل الجيش والأجهزة الأمنية، والتي أحدثت فراغاً كبيراً في عمليات ضبط الحدود، وسمحت بدخول هذه السموم. واستمر توسع هذه الآفة وانتشارها في ظل عدم تطبيق قانون نافذ ومتخصص حتى عام 2017 حين اقترحت الحكومة قانوناً لمكافحة المخدرات، وصادق البرلمان عليه في تشريع حمل الرقم 50، وقضى بتشكيل مديريتنا بعد 14 عاماً من التأخير، علماً أنّه لا يمكن إنكار دور أجهزة وزارة الداخلية في مكافحة هذه الآفة قبل إنشاء المديرية، لكن وجود دائرة متخصصة وقانون نافذ ساعد كثيراً في تنفيذ هذه المهمات.

*اقترحت شخصياً تحويل مديرية مكافحة المخدرات إلى جهاز أمني شبيه بجهاز مكافحة الإرهاب، إلى أين وصلت هذه الجهود؟
 - قدمنا هذا الاقتراح بعدما زادت عمليات ضبط المخدرات والإيقاع بالمتورطين في السنوات الثلاث الأخيرة. وأوضحنا في اجتماعات ضمت وزير الصحة الذي يرأس الهيئة العليا لمكافحة المخدرات، مع لجان نيابية لشرح دورنا وهدف الاقتراح الذي ننتظر مناقشته من أجل تشريعه بعدما تبنته الحكومة. والتقينا أيضاً رئيس مجلس القضاء الأعلى، وسنجتمع خلال وقت قريب مع القائد العام للقوات المسلحة لإنضاج فكرة تحويل مديريتنا إلى جهاز لمكافحة المخدرات.

*هل تعتقد أنّ قوانين مكافحة المخدرات تحتاج إلى مراجعة وتحديث يوازي اتساع الخطر؟
- نعم لأنّ تسجيل أرقام مرتفعة في عدد جرائم المخدرات والمهربين وكميات المواد المضبوطة، والتعامل مع أساليب تهريب أكثر تطوراً، يحتمان الحاجة إلى إدخال تحديثات قانونية تتلاءم مع التحديات المتنامية، ونحن نقدم اقتراحات دائمة في هذا الشأن.

*ما العقوبات القانونية المنصوص عليها للتعامل مع المتعاطين والمروجين، وهل تصل إلى الإعدام في بعض الحالات؟
 - يصنف قانون مكافحة المخدرات الأطراف المتورطة بمتعاطين وتجار. ويحاكم المتعاطون عادة وفق المادة 32 التي تنص على سجنهم بين سنة و3 سنوات مع دفع غرامة مقدارها 5 ملايين دينار (3400 دولار)، علماً أنّ عدم دفعها يمدد عقوبة السجن 6 أشهر إضافية. أما عقوبة المتاجرة فتخضع للمادة 28 التي تقضي بالسجن بين 5 سنوات والمؤبد مع دفع غرامة تبدأ بـ10 ملايين دينار (6800 دولار) وصولاً إلى 30 مليون دينار (20.400 دولار). أما المادة 27 فتشمل العقوبة المحددة من المؤبد إلى الإعدام لمن يستورد المواد المخدرة أو يصدّرها، ونحن نعتقد بأنّ هذه العقوبات يجب أن تُشدد لدعم عمليات مكافحة المخدرات.

*كيف تتعقبون المتورطين، وأي محافظات تنفذون أكبر عدد عمليات فيها؟
- ينفذ عناصرنا عمليات استخباراتية، ويتعاونون مع المواطنين الذين يوفرون معلومات من خلال الاتصال برقم الخط الساخن 178. ونحن نبقي هوية من ينقلون معلومات ألينا سرية، فيما نوزع المعلومات التي نتلقاها على أقسامنا من أجل تدقيقها. وفي حال التأكد من صحتها نرفع تقريراَ إلى قاضي التحقيق لاتخاذ الإجراءات الرسمية، وغالبية عملياتنا تحصل في مناطق شعبية سواء في بغداد أم باقي المحافظات، وأكثر المحافظات التي نضبط فيها مواد هي البصرة وميسان اللتان تشكلان نقطة انطلاق لعمليات نشر المهربين المخدرات في باقي المحافظات.

تحتاج أجهزة الأمن إلى عناصر إضافية لمكافحة التهريب (عصام السوداني/ فرانس برس)

*ما أبرز العمليات التي نفذتها المديرية خلال العام الجاري، وكم شبكة تهريب جرى تفكيكها؟
- نفذنا هذا العام عمليات عرضت عناصرنا إلى مستوى خطر عالٍ جداً، أحدها في منطقة عشوائيات شرق بغداد، حيث دهمنا داراً تواجد فيها تاجر مخدرات احتمى بزوجته وطفله وفي يده قنبلة يدوية سحب مسمار الأمان منها، واستطاع عناصرنا الذين عرضوا حياتهم إلى خطر شديد بعد مفاوضات طويلة إقناع هذا المطلوب بتسليم نفسه. 
وفي عملية أخرى بمحافظة المثنى جنوب البلاد امتلك الشخص الملاحق قنبلتان يدويتان، ونجح رئيس مديرية مكافحة المخدرات في المثنى بإقناعه بتسليم نفسه بعد ساعتين من المفاوضات بعدما اقترب منه مسافة مترين.
وفي ما يتعلق بملف الشبكات، نتواصل مع دول مجاورة وأبرمنا مذكرات تفاهم مع الأردن والسعودية وإيران لتعزيز تبادل المعلومات الأمنية، والتواصل لتنفيذ عمليات مشتركة مع مديريات وأجهزة مكافحة المخدرات في هذه الدول. وأثمر القبض على شبكات دولية للمتاجرة وتهريب المخدرات. وخلال زيارتنا الأخيرة للسعودية حصلنا على معلومات كثيرة حول الأشخاص المتورطين بتهريب المخدرات عبر الحدود مع العراق وبلدان الخليج العربي، ما أدى إلى تفكيك شبكات تتواصل مع أشخاص في السعودية والإمارات. كما ساهم تعاوننا مع الأردن في تفكيك شبكة يترأسها عراقي امتلك 13 كيلوغراماً من المخدرات واعترف بعد اعتقاله بتعاونه مع شخص في بغداد تعقبنا رقم هاتفه وحددنا موقعه وأوقفناه في مدينة سامراء بعد ملاحقة استمرت 20 يوماً، قبل أن يقرّ بارتباطه بشبكة دولية تضم أيضاً أشخاصاً في إيران يوردون المخدرات إلى تركيا والأردن. وعلى ضوء الاعترافات، أرسلنا أسماء بقية المتورطين مع الدولتين.
داخلياً، فككنا شبكات عدة، آخرها خلال عيد الفطر الماضي، وقد ضمت 11 شخصاً تولوا توزيع المخدرات بين مدن البلاد.

*هل تنسق الأجهزة الأمنية المختلفة عملياتها على الأرض للإيقاع بالمهربين؟
 - أجرى وزير الداخلية عثمان الغانمي زيارات عدة لمختلف المحافظات، وشدد على وجوب تعاون أقسام وتشكيلات ومديريات الوزارة لمكافحة المخدرات على امتداد البلاد، ما عزز التواصل في غرفة العمليات المشتركة داخل الوزارة، خاصة مع الفرق التي تتواجد على الأرض، مثل الشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع وأفواج العمليات التكتيكية في بغداد وبقية المحافظات، في تنفيذ اعتقالات.
 
*كيف يُدخل المهربون المخدرات إلى العراق؟
- تحصل غالبية عمليات التهريب عبر منافذ حدودية غير رسمية أو ثغرات بمحافظة ميسان (شرق). وعلى سبيل المثال، عبر الأهوار التي تربط بين العراق وإيران. ونحن نعلم بخطوط التهريب، وننفذ ممارسات أمنية لتنفيذ اعتقالات وإفشال المحاولات، ونسبة التهريب عبر المنافذ الرسمية لا تتجاوز 15 في المائة. وبصراحة، نحتاج إلى كادر بشري إضافي لنشر عناصرنا في المنافذ الحدودية ليس فقط البرية، بل البحرية والجوية، وهي تتواجد في منافذ محافظتي ديالى وواسط فقط، وعملياتنا في ميسان تنفذ عبر الأهوار.

*هل يستخدم المهربون الطائرات بلا طيار "درون" لتهريب المخدرات إلى العراق؟
- نعم، يطوّر المهربون قدراتهم، في حين نطوّر بدورنا استعداداتنا عبر درس خطط العمليات المنفذة تمهيداً لإحباطها. وهم يستخدمون أحياناً طائرات "درون" التي تحمل بين 20 و30 كيلوغراماً من المخدرات، واستطعنا أسقاط واحدة منها. كما استخدموا طائرات شراعية أيضاً في التهريب، وقدىاسقطنا إحداها في البصرة، وكانت تحمل مليون حبة "كبتاغون". ونملك معلومات عن محاولة مهربين من السعودية إدخال مخدرات إلى العراق عبر طائرات "درون" علماً أنّ حدودنا المشتركة مع السعودية تمتد على مسافة أكثر من 800 كيلومتر. وأطلعتنا سلطاتها خلال زيارتنا الرسمية على جهودها في الحدّ من كلّ أنواع التهريب، وأبلغتنا أنها خصصت ملياري دولار لإيجاد حواجز طبيعية مثل أسلاك شائكة وسواتر ترابية وخنادق، ما حدّ من التهريب.

بين 10 و15 في المائة نسبة التهريب عبر المنافذ الرسمية (سفين حامد/ فرانس برس)

*هل تحصل محاولات لتهريب المخدرات من سورية؟
 - تعتبر الطبيعة الجغرافية مع سورية أكثر تعقيداً مقارنة بباقي دول الجوار، إذ يستغل المهربون الأودية والجبال لنقل حبوب "الكبتاغون" إلى العراق ودول الخليج العربي أيضاً. وقد اتخذ العراق تدابير احترازية عدة على الحدود بينها تعزيز وجود قوات حرس الحدود وإنشاء خنادق أمنية وأبراج مراقبة بكاميرات حرارية، ووضع أسلاك شائكة لتعقب محاولات التسلل والتهريب.

*ما عدد المعتقلين وكميات المخدرات التي ضبطت في السنوات الأخيرة، والأشهر الستة الأولى من العام الحالي؟
- في عام 2020، اعتقلت مديرية مكافحة المخدرات أكثر من 7 آلاف متهم بين متعاطين وتجار، وبلغت كمية المواد المضبوطة 400 كيلوغرام من المواد المخدرة، وأكثر من 1.8 مليون حبة "كبتاغون". وفي عام 2021، زاد عدد المقبوض عليهم إلى أكثر من 12.800 شخص وضبطنا 481 كيلوغراماً من المخدرات ونحو مليوني حبة "كبتاغون". وهذا العام، اعتقلنا أكثر من 7 آلاف شخص وضبطنا أكثر من 170 كيلوغراماً، وسجلنا ارتفاعاً كبيراً في كميات حبوب "الكبتاغون"، المضبوطة وصولاً إلى أكثر من 4 ملايين حبة هذا العام وحده.

*كم عدد الأحداث والنساء الموقوفين؟
- لا يتجاوز عدد الأحداث الموقوفين 100. كذلك عدد النساء لا يتجاوز 100. أما الموقوفون في عمر 18 عاماً فالأعداد أكبر، وننشر كلّ نهاية عام جدولاً بيانياً لعدد الموقوفين وأعمارهم.

 *أي بلدان تشكل مصدر المخدرات وحبوب "الكبتاغون" التي تدخل العراق؟
تنتج كميات المخدرات الكبرى في العالم في دول أميركا الجنوبية وآسيا. وفي قارتنا، تعتبر أفغانستان أكثر الدول زراعة وانتاجاً وتصديراً للمواد المخدرة. وخلال زيارتنا إلى إيران، شرح مسؤولوها لنا رصد أماكن لزراعة وصناعة المخدرات، لكن كمياتها لا تصل إلى مستوى ما توفره أفغانستان. أما بالنسبة إلى "الكبتاغون" فتأتي غالبية الكميات التي تدخل إلى العراق من سورية.

*هل رصدتهم حالات لصنع أو زراعة مخدرات في العراق؟
 - لا أدلة على حصول ذلك، لكننا عثرنا على نبتة "الداتورة" التي تصنع منها أنواع من المخدرات من دون أن يزرعها أشخاص، بل من خلال تطاير أزهارها في الهواء، ما سمح بوجودها في بعض الأماكن، وسنبادر إلى إتلافها.

 *أين تذهب كميات المخدرات والحبوب المضبوطة؟
 - يتولى مسؤولو الطب العدلي، بحسب قانون المخدرات فحص وإتلاف المواد المخدرة التي تضبطها مديريتنا، وبقية التشكيلات الأمنية.

*ما أبرز المؤثرات العقلية التي يمنع تداولها، وتضبطها مديريتكم؟
 - الأدوية التي تستخدم في علاج مرض الصرع أو الهلوسة، والأدوية التي تخفف الآلام التي لا يمكن الحصول عليها إلا عبر وصفات طبية لمرضى. وتنفذ فرقنا زيارات مفاجئة لصيدليات، وألقت القبض على مخالفين.