يس عراق: خاص
من بين أكثر الاسئلة الملحة حول ما هو البديل الذي من الممكن أن يحقق للعراق ايرادات مالية بعيدا عن النفط، ودائمًا تطرح السياحة نفسها كبديل قوي للنفط في العراق، لما يحتويه هذا البلد من عناصر سياحية متنوعة ومختلفة ومن الممكن ان تجذب انواعا مختلفة من الناس من مختلف الجنسيات والثقافات، لاحتوائه على عناصر سياحية دينية وترفيهية ومناظر طبيعية واماكن تاريخية وحضارات قديمة.
لم يتسبب تدهور القطاع السياحي في العراق واهماله وضعف استغلاله من قبل الدولة، بضعف الاقبال العالمي من السائحين على العراق مقارنة بمايحتويه من اماكن سياحية فحسب، بل ان هذا الاهمال ساهم بخروج العراقيين للسياحة في دول اخرى، حيث تشير التقديرات الى ان اكثر من 100 مليون دولار انفقها العراقيين خارج العراق خلال 10 ايام فقط.
واستعرض الباحث الاقتصادي منار العبيدي كمية الاموال التي خرجت من العراق عبر السائحين خلال الـ10 ايام الاولى التي سبقت عيد الاضحى، فيما اشار الى ان ذلك يشير بشكل واضح الى ان السياحة هي البديل الأوضح للنفط فيما لو تم استغلالها بشكل جيد.
وقال العبيدي ان “اكثر من 500 رحلة جوية خلال الايام الاولى من شهر ذي الحجة لغاية العيد، اكثر من 100 الف سائح عراقي غادر العراق خلال هذه الفترة (باستثناء الحجاج)”، مبينا ان “معدل الصرف للسائح الواحد شاملة اجور النقل والسكن اكثر من 1000 دولار، ليبلغ مجمل الاموال التي صرفت خلال العشرة ايام على السفر بحدود 100 مليون دولار ذهبت بمجملها الى دول خارجية “.
واوضح ان “اسباب السفر حسب الاهمية هي: 1- درجات الحرارة ، 2- الترفيه “، مشيرا الى انه “كان من الاجدى على هيئة السياحة بالتعاون مع وزارة النقل عمل مسح استبياني واضح لمعرفة وجهات المسافرين العراقيين والمبالغ التي سيتم صرفها واسباب السفر بشكل ادق وان تعمل وزارة التخطيط مع هيئة السياحة ووزارة النقل على تحليل هذه البيانات وتحويلها الى فرص استثمارية كبيرة لمختلف المناطق داخل العراق”.
وبين ان “خروج اكثر من 100 مليون دولار خلال عشر ايام كحد ادنى على الاقل مؤشر الى عوامل كثيرة “، مبينًا أن “دور هيئة السياحة هو العمل على تحليل هذه البيانات ومن هي الفئات العمرية المسافرة والتقسيم المعرفي والثقافي وتحليلها بشكل دقيق وايجاد المناطق المحلية التي من الممكن ان تستوعب رغبات السياح بدلا من ذهابهم الى خارج العراق”.
واوضح انه “اذا كان عدد السياح خارج العراق اكثر من 100 الف خلال فترة العيد فهذا يعني انه هنالك فرصة لوجود اكثر من مليون سائح داخلي”، مشيرا الى ان “هذا الكم الهائل يعتبر فرصة كبيرة لايجاد مناطق سياحية عراقية داخلية تراعي احتياجات السياح بمختلف توجهاتهم واستغلال الصحراء والواحات والاماكن الجبلية الموجودة في مختلف انحاء العراق “.
واعتبر ان “البديل الحقيقي والسريع للنفط هي السياحة الداخلية والقادمة من الخارج لما يمتلكه العراق من مقومات لجعله بلد سياحي من الطراز الاول وقدرته على توفير مئات الالاف من فرص العمل بوقت قياسي سريع”.
وباطلاع سريع على تقرير للجهاز المركزي للاحصاء، فأن العراق استقبل بالفعل 3 ملايين سائح عام 2019، معظمهم جاؤوا لسياحة دينية، بالمقابل فأن ضعف الانفاق الذي يرتبط بهذا النوع من السياحة، خصوصا في العراق، أدى لأن تكون الايرادات الكلية لاتتجاوز الـ150 مليون دولار فقط، وبمعدل انفاق لكل سائح 50 دولارا فقط.
وفي 2015 سجلت الايرادات السياحية في العراق اكثر من 300 مليون دولار، أو نحو 417 مليار دينار، قسمت إلى 10 مليارات دينار كإيرادات حكومية، و362 مليار دينار قطاع خاص و45 مليار دينار قطاع مختلط.
من جانبه يقول الخبير الاقتصادي، عمر هشام، ان الحكومة العراقية لا تستفيد من السياحة الدينية، بل ان القطاع الخاص هو المستفيد الاكبر منها”، مشيرا الى ان “القانون لا يفرض الضرائب على قطاع السياحة الدينية في العراق، لذا فإن الحكومة العراقية لا تنتفع من السياحة وخاصة السياحة الدينية، التي تأتي بالمرتبة الاولى في العراق”.
ويبين أن “الحكومة تخسر الكثير من المال، فهذه السياحة تؤثر سلبا على الاقتصاد العراقي، بسبب الاموال التي تصرف لاتخاذ الاجراءات الامنية، وتوفير المستلزمات الطبية وتخصيص وسائل النقل للزائرين، خاصة في مدينتي كربلاء والنجف، في حين ان الاموال التي تجمع من السواح لا تصب في خزينة الدولة”.
واذا اردنا ان تدخل السياحة على الاقل ربع ماتحتاجه موازنة الدولة اي نحو 20 مليار دولار، وبمعدل الانفاق الحالي الذي لايتجاوز الـ50 دولارا او 100 دولار في احسن الاحوال لكل سائح، فهذا يعني يجب ان يزور العراق 200 مليون سائح سنويًا، وهذا من المستحيل ان يحدث.
ولكن، لو أن الدولة اهتمت بالسياحة واجتذاب على الاقل 10 مليون سائح سنويًا بين سياحة دينية وتراثية ومناظر طبيعية واثرية، وتحفيز السائحين على انفاق 1000 دولار على الاقل، فأن ذلك سيدخل للعراق 10 مليار دولار سنويًا، وهو مايكفي لسد قرابة 13% من موازنة العراق التي تبلغ نحو 80 مليار دولار سنويًا.
شارك هذا الموضوع: