تسبب القصف التركي على أحد المنتجعات السياحية في محافظة دهوك والذي راح ضحيته العديد من السياح القادمين من محافظات مختلفة في العراق، بتوتر العلاقات العراقية - التركية، حيث قدمت السلطات العراقية شكوى لدى مجلس الأمن الدولي ضد تركيا واستدعت سفير أنقرة في بغداد وسلمته مذكرة احتجاج، إضافة إلى سحب القائم بالأعمال العراقي من أنقرة وتأجيل إرسال سفير جديد إلى تركيا.
وأكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأربعاء الماضي، بأن العراق يحتفظ بحقه الكامل بالرد على الاعتداءات التركية، مشيراً إلى أنه سيقوم بكل الإجراءات اللازمة لحماية شعبه.
وقال الكاظمي في بيان إن "القوات التركية ارتكبت مجدداً انتهاكاً صريحاً وسافراً للسيادة العراقية وحياة المواطنين العراقيين وأمنهم باستهداف أحد المصايف السياحية في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق بقصف مدفعي"، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين وأغلبهم من النساء والأطفال.
وأضاف أن "هذا الاعتداء الغاشم يثبت أن الجانب التركي لم يعر الانتباه لمطالبات العراق المستمرة بإيقاف الانتهاكات العسكرية ضد الأراضي العراقية وأرواح العراقيين".
وتابع أن "العراق إذ يقدر ويلتزم بمبادئ حسن الجوار ويرفض رفضاً قاطعاً استخدام أراضيه من قبل أي جهة للاعتداء على جيرانه، فإنه يرفض في المقابل استخدام المسوّغات الأمنية لتهديد حياة المواطنين العراقيين والاعتداء على أراضي العراق؛ بما يعد تنصلاً من مبادئ حسن الجوار، والاتفاقات الدولية والعلاقات والتعاون المشترك".
أوراق ضغط
في المقابل، وجه الإطار التنسيقي (الذي يعتزم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة) طلباً إلى الحكومة من أجل استخدام أوراق الضغط على تركيا، بعد القصف الأخير على محافظة دهوك.
وقال الإطار في مؤتمر صحافي في البرلمان العراقي "نستنكر وندين بشدة هذا الاعتداء الواضح والفاضح على سيادة العراق وكرامته".
وطالب "الحكومة بممارسة دورها والقيام بواجباتها الدستورية في الدفاع عن حدود العراق، ونلزم الحكومة بالتحرك والتوجه إلى تدويل القضية عربياً ودولياً لإخراج القوات التركية من الأراضي العراقية".
وتابع "وذلك من أجل إصدار قرارات رادعة تلزم تركيا بسحب قواتها وإنهاء تواجد ثكناتها العسكرية، ونطالب الحكومة باستخدام جميع أوراقها السياسية والأمنية والاقتصادية لإخراج هذه القوات من العراق".
ولفت إلى أن "هذه الأفعال العدوانية لا تزيد العراقيين سوى تماسك للدفاع عن أرضهم وأمنهم، وفي حال عجز الحكومة في الدفاع عن البلاد، فإن الفعاليات الشعبية متاحة جميعها للدفاع عن البلد".
وطالب الإطار "تركيا بتعويض العراق عن الخسائر المادية والمعنوية والبشرية وتحمل نفقات علاج الجرحى"، مؤكداً "سنتبع جميع الخطوات القانونية والدستورية للرد على هذه الاعتداءات".
ضعف الموقف العراقي
إلى ذلك، وصف عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية حيدر السلامي، الموقف الحكومي تجاه القصف التركي بـ "الضعيف"، مشيراً إلى أنه يجب طرد السفير التركي من العراق.
وقال السلامي في تصريح صحافي إن "الموقف الحكومي تجاه القصف التركي شمال العراق ضعيف ونأمل في أن تكون هناك تحركات قوية وخطوات كبيرة جداً وواضحة بخصوص الملف التركي والقصف ليعلم الجميع أن الدم العراقي غالٍ".
وتابع أن "طرد السفير التركي واستدعاء القائم بالأعمال العراقي من أنقرة أقل رد تقوم به الحكومة في هذه الفترة، وبعدها تبحث تداعيات الاعتداء وهذه الجريمة بحق أبناء الشعب العراقي والتصرفات من قبل الجانب التركي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكشف بأن "العراق يمتلك الكثير من خيارات الردع لإيقاف التدخل والقصف التركي منها التبادل التجاري"، مشيراً "لدينا معارضة تركية داخل العراق والشيء المهم أيضاً أن هذه المعارضة في حال أصبحت سبباً لقتل أبناء الشعب العراقي فيجب اتخاذ قرار صارم من قبل الحكومة العراقية".
في حين أوضح مستشار لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب عادل المختار أن "الغضب الشعبي الحاصل في العراق اليوم بسبب سقوط عدد من الضحايا بعد القصف التركي سيكون له الأثر الإيجابي في تحسين وضع العراق المائي وإجبار تركيا لإطلاق المزيد من المياه".
وأضاف أنه يمكن استثمار هذا الأمر بالتعاون مع المنظمات الدولية حول انهيار واقع الأهوار الذي بدأ بالانهيار نتيجة السياسية التركية وقطعها للمياه.
وأضاف أنه "يتوجب إطلاق حملة لإنقاذ الأهوار. فمن المفترض أن تتدخل الأمم المتحدة واليونسكو واليونسيف ومنظمة حقوق الإنسان لوضع حد للواقع المأساوي بسبب الجفاف وانتشار الأمراض والأوبئة".
تداعيات القصف التركي
وعن تداعيات القصف التركي على العلاقات بين بغداد وأنقرة، كشف الباحث السياسي والاقتصادي، نبيل جبار العلي، بأن "العلاقات العراقية- التركية امتازت خلال العقدين الماضيين بالإيجابية الواسعة، وقد تمتد علاقات حسن الجوار إلى أبعد من ذلك في الفترة التي سبقت 2003، وعلى الرغم من وجود ملفين رئيسيين ساهما بتعكير تلك العلاقات وهما الأمن والمياه، إلا أن البلدين يتمتعان بشراكات أوسع تتعلق بشراكات التصدير والسياحة والاستثمار".
وتابع "تعتبر تركيا من أبرز البلدان المصدرة للعراق، إذ يبلغ حجم نشاطها التصديري للعراق بما يقارب 11 مليار دولار سنوياً، وهو ما يقارب 5 في المئة من مجمل الصادرات التركية حول العالم، وأيضاً تمثل تركيا بالنسبة للعراقيين الواجهة السياحية الأولى، كما أن للشركات التركية العاملة في الاستثمارات أو خدمات الانشاءات حصة واسعة في الأسواق العراقية، إذ تقارب أعدادها نحو ألفي شركة منتشرة في مدن العراق المختلفة".
وعلى الرغم من حرص البلدين على تعزيز تلك العلاقات إلا أن النقاط الخلافية الناتجة من ملفي المياه والأمن دفعت الطرفين لاتخاذ مواقف أكثر حدة، فالعراق قد ركز في جميع تفاوضاته على حصته المائية من نهري دجلة والفرات، بينما كان جل التركيز التركي على محاربة التنظيمات الكردية الموجودة في شمال العراق، بحسب العلي.
وذكر "اليوم، قد يطالب العراق، الذي بات جاداً في محاسبة الأتراك وتدويل القضية بعد حادثة القصف الأخيرة، بحل القضايا العالقة ومنها حصته المائية، وإبعاد القطعات العسكرية التركية المنتشرة داخل الأراضي العراقية، وقد تعمل تركيا على الانتفاع من الحدث للضغط على الحكومة العراقية للعمل بجدية لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا تنظيماً إرهابياً يهدد أمنها".
نفي تركي
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قد أعلن يوم الخميس 21 يوليو (تموز) الحالي، أن بلاده لم تنفذ أي هجمات تستهدف المدنيين في محافظة دهوك العراقية، مضيفاً أن السلطات العراقية يجب ألا تسقط في هذا "الفخ".
ورفضت تركيا اتهامات مسؤولين عراقيين ووسائل إعلام رسمية بأنها نفذت الهجوم على منتجع جبلي في دهوك.
وقال جاويش أوغلو لقناة "تي آر تي" الإخبارية الحكومية إن "العمليات العسكرية التركية في العراق تستهدف دائماً حزب العمال الكردستاني المحظور"، مضيفاً أن "الهجوم على دهوك نفذه إرهابيون".
وتابع قائلاً إن "التقارير التي تحمّل تركيا مسؤولية الهجوم ما هي إلا محاولات من جانب حزب العمال الكردستاني لعرقلة جهود أنقرة في مكافحة الإرهاب".