واخ – متابعة
على وقع خفض إمدادات الغاز الروسي، تواصل أسعار هذه السلعة صعودها الصاروخي في أوروبا، إذ تخطت الثلاثاء، حد 2000 دولار لكل ألف متر مكعب، وذلك للمرة الأولى منذ شهر آذار/ مارس الماضي.
وفي ظل هذا السياق، قررت دول الإتحاد الأوربي، اليوم الاثنين، خفض استهلاك الغاز بنسبة 15 في المئة وخفض الاعتماد على إمدادات الغاز الروسي، ضمن خطة طوارئ لتقليل استخدامها لهذه المادة الستراتيجية في فصل الشتاء، الذي يحل باكراً في أوربا.
ويخشى الأوربيون من سياسة روسيا الغامضة بشأن إمدادات الغاز.
وكانت روسيا أعلنت في وقت سابق من يوليو الجاري وقف إمدادات الغاز في خط “نورد ستريم1” الذي يمد المانيا بالغاز لأسباب قالت إنها تتعلق بالصيانة، وبعدما عادت إمدادات الغاز، قالت موسكو إنها ستنخفض مجدداً بسبب تقني لم يقنع برلين.
ويرى خبراء اقتصاديون أن الأمور تتجه نحو تسعير “حرب الطاقة” بين الروس والأوربيين، مع تواصل الحرب العسكرية في أوكرانيا، محذرين من أن هوامش التحرك تكاد تكون معدومة أمام الأوربيين لتعويض الغاز الروسي، خاصة أن عامل الوقت يضغط عليهم، ففصل الشتاء عادة ما يحل باكراً في البلدان الأوربية.
ويجادل مراقبون بأن من حق موسكو توظيف أوراق قوتها ومنها ورقة الطاقة في وجه العقوبات والضغوط الغربية، فيما يرى آخرون أن إقحام لطاقة وممارسة الابتزاز فيه لا يقل خطورة عن اللعب بورقة السلع الغذائية الستراتيجية كالقمح، وما يشكله ذلك كله من مس بالأمن الطاقي والغذائي للعالم.
ركود يلوح في الأفق
ويقول المستشار الاقتصادي المتخصص في قطاع الطاقة، عامر الشوبكي، في لقاء مع موقع،سكاي نيوز عربية “قفزت أسعار الغاز أوروبيا بنسبة 12 بالمئة حيث وصلت إلى أكثر من 186 يورو لكل ميغاوات ساعة، وبالتالي فهذه أسعار بالغة الارتفاع تضغط على معدلات التضخم ارتفاعا، ما يؤكد صحة التوقعات بأن أوربا مقبلة على الدخول لمرحلة الركود الاقتصادي لا محالة خلال المرحلة القريبة المقبلة”.
ليس هذا وحسب، يضيف الشوبكي “فقد ضغطت هذه الارتفاعات على أسعار النفط كذلك على خلفية توقع أن يشكل النفط بديلا للغاز الشحيح في أوربا، وهكذا فتبادل الاتهامات بين الروس والاتحاد الأوروبي حول مَن هو على حق ومن على باطل يبدو عقيما ولا يسهم في تذليل الأزمة، حيث من السهل سوق مبررات لقطع الغاز الروسي لأسباب فنية إذا ما أرادت موسكو ذلك”.
وتابع “ومن الصعب بالمقابل تأكد الأوروبيين من صحة ذلك، وكذلك فمن السهل إطلاق التهم من قبل أوروبا بأن موسكو تتعمد تقليص إمدادات الغاز لها، وهو ما يصعب التسليم به بشكل قاطع”.
وهكذا تحتد الأزمة منذرة بعواقب وخيمة سيما وأن فصل الشتاء بات على الأبواب، كما يشرح الخبير بقطاع النفط والطاقة.
ويضيف الشوبكي “المخزونات الأوربية من الغاز الآن يسعى الاتحاد الأوربي لملئها بنسبة 80 بالمئة حتى شهر نوفمبر المقبل، وتسعى برلين من جهتها أن يبلغ حجم مخزونها 95 بالمئة، تحسبا لاحتمال إقرار روسيا قطع الغاز كلية قبيل أو خلال الشتاء، لكن المخزونات الأوربية حاليا نسبتها أقل من 66 في المئة، وهذا يدفع باتجاه استنزافها وبالتالي ستنخفض هذه المخزونات مع منتصف الشتاء لأقل من 20 بالمئة، وهي نسبة مقلقة وخطيرة جدا”.
وقال الشوبكي إن احتمال قطع الروس للغاز عن أوربا “واقعي ووارد جداً، ما يعني يرفع درجة الطوارئ الأوربية القصوى”.
تداعيات خطيرة
وأوضح أن ذلك يتمثل في “تحويل كميات كبيرة من الغاز للاستخدامات الاجتماعية الملحة في البيوت والمستشفيات على حساب بعض الصناعات، حيث ستتوقف مصانع عن العمل بفعل شح الغاز، كما أن هناك خطط أوروبية لإستحداث مساكن وقاعات عامة كبيرة لتدفئة بعض السكان ممن يفتقدون الغاز في منازلهم ولا يستطيعون الحصول عليه في الشتاء القادم”.
ويضيف الشوبكي “هذا المشهد الكارثي ينبئ بحدوث قلاقل واضطرابات اجتماعية واحتجاجات شعبية كبيرة داخل البلدان الأوربية، نتيجة ارتفاع الأسعار وعدم توفر مصادر الطاقة، وهو ما سيدفع نحو تأجيج الصراع الاقتصادي الروسي الأوربي، فموسكو توظف ورقة الغاز والطاقة عموما الآن استباقا لأي عقوبات أوربية جديدة، بل لدفع الاتحاد الأوربي للتراجع حتى عن بعض العقوبات المفروضة حاليا”.
واعتبرت مفوضية الطاقة بالاتحاد الأوربي، كادري سيمسون، إعلان شركة غازبروم الروسية العملاقة للغاز أنها ستخفض مزيدا من عمليات التسليم إلى أوربا هذا الأسبوع خطوة بدوافع سياسية.
وأضافت سيمسون لدى وصولها إلى بروكسل لحضور اجتماع لوزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوربي “نعرف أنه ليس هناك سبب فني للقيام بذلك، هذا تحرك بدوافع سياسية وعلينا أن نكون على استعداد لذلك”.
واعتبرت رئاسة الاتحاد الأوربي أن خفض إمدادات الغاز “دليل جديد” على وجوب عدم الاعتماد على موسكو، فيما دعت الحكومة الألمانية المواطنين إلى خفض استخدام الغاز بعد إعلان “غازبروم” خفض إمداداتها.
واعتبر نائب المستشار الألماني ووزير الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ روبرت هابك أن روسيا تلعب “لعبة ماكرة” بإعلانها عن خفض إمدادات الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1”.