قراءة تقنية لمنظومة الكهرباء العراقية: الواقع والحلول.. احمد كَيلاني

آخر تحديث 2022-09-01 00:00:00 - المصدر: يس عراق

كتب د. أحمد كَــــيلاني:

هذا المقال كُتب بناءاَ على البيانات التي أدرجها السيد يحيى عباس جابر / مدير عام دائرة التشغيل للمنظومة الكهربائية العراقية.

هدف هذا المقال هو تسليط الضوء على واقع المنظومة العراقية بالأرقام من حيث السعة الموجودة في كل منطقة وكمية الاحمال وكذلك اهم المشاكل الموجودة والحلول المتوقعة.

بداية يجب ان نعرف ان في 2022، الفرق بين المتوفر من القدرة الكهربائية (التجهيز) واعلى حمل مطلوب (peak demand ) في كل منطقة هو الاتي:

• الفرات الأوسط: القدرة المتوفرة 3.6 كيكا واط والحمل 6.6 كيكا واط

• المنطقة الجنوبية: القدرة المتوفرة 7 كيكا واط والحمل 10 كيكا واط

• المنطقة الوسطى: القدرة المتوفرة 9.3 كيكا واط والحمل 13.7 كيكا واط

• المنطقة الشمالية: القدرة المتوفرة 2.1 كيكا واط والحمل 6.1 كيكا واط

مما يعني ان العراق ( عدا إقليم كردستان) لديه نقص (shortage) بحوالي 14 كيكا واط على الاقل. والقدرة الكلية المتوفرة للمنظومة حوالي 22 كيكا واط مقارنة بالطلب في فصل الصيف وهو حوالي 36.5 كيكا واط على الأقل (لأن الgrid يجب ان يكون لديه reserved generation لاستخدامها ك (backup . جدير بالذكر ان القدرة الكلية المركبة في المنظومة تصل الى 37 كيكا واط، ولكن المتوفر فقط 22 كيكا واط بسبب قدم المحطات ومحددات أخرى مثل انخفاض كفاءة المحطات عند درجات الحرارة العالية.

هذا يعني أنك تحتاج 63% قدرة أكثر مما هو موجود وهذا رقم هائل جدا فيكون لدينا الحلول بديهية لتغطية الفارق:

1- الانتظار حتى يقل الحمل او الطلب (مثلا في شهر 11 او شهر 3) وهذا حل غير عملي فماذا عن باقي الأشهر

2- الاستثمار وبناء المحطات وهذا حل يتطلب أموال طائلة وكذلك الاستثمار في صيانة الشبكة الكهربائية وتجديدها وهذا مكلف جدا أيضا يقابله عدم تحصيل كل أموال انتاج الكهرباء وتوزيعها أصلا فضلا عن الدعم الحكومي

3- استيراد ال14 كيكا واط بالكامل وهذا مكلف جدا أيضا على الدولة

4- قطع الكهرباء عن الناس وتوزيعها حسب ساعات معينة (rolling blackouts)

5- استخدام الحل الرابع مع أي حل قبله بحلول عشوائية مؤقته وهو ما معمول به

المشاكل التقنية الرئيسية لمنظومة القدرة الكهربائية:

• انخفاض مستويات الجهد بسبب التحميل العالي لخطوط النقل، الخ مما يؤدي الى زيادة الخسائر.

• مشاكل تقنية أخرى تخص التحكم بالتردد والفولطية

لكن اهم مشكلة موجودة هي بالحقيقة وجود:

• نقص حاد في عدد محطات محولات القدرة على جهات خطوط النقل الفائق 400 كيلو فولت (نحتاج 23 محطة أخرى) و 132 كيلو فولط (نحتاج 93 محطة أخرى) وهذا يتطلب استثمار كبير جدا لإصلاحه يعني حتى لو كانت لديك قدرة بجهة التجهيز تغطي الحمل كاملا فلا تستطيع التوصيل للناس لأنك تحتاج اصلاح الشبكة والاستثمار فيها أولا وقبل كل شيئ.

قبل طرح الحلول أود ان اجيب على بعض الأسئلة الشائعة للتوضيح للقارئ الكريم:

• متى بدأت مشاكل المنظومة العراقية من ناحية انقطاع الكهرباء المستمر؟ من 1990 صعودا ومع الزيادة السكانية المهولة، أصبحت الأمور اسوء لان الاستثمار عبثي والحلول ترقيعية.

• هل يوجد حل جذري سريع (في غضون سنة – سنتين)؟ عمليا مستحيل وحتى لو تم الربط مع دول الجيران ستضل مشاكل الاستثمار بسبب غياب الجباية ودعم الدولة الكلي فضلا عن مشاكل النقل في الشبكة والحاجة الملحة للاستثمار فيها.

• هل نحن ندور في حلقة مفرغة؟ نعم لان المواطن لا يدفع كون الخدمة رديئة ولا يوجد تجهيز مستمر والدولة لا تستثمر في الشبكة (بغض النظر عن الفساد الموجود) لان المواطن لا يدفع ولا يمكن تحصيل أجور توليد ونقل وتوزيع الكهرباء بالكامل.

• ماذا يفعل جيراننا بهذا الخصوص؟ كل الدول حول العراق عدا الكويت والبحرين تمتلك نظام خصخصة مع دعم للدولة وليس دعم كلي مثل العراق.

الحلول:

العبرة ليست في تقديم الحلول (أي واحد منا لديه فكرة عن الحلول) لكن المشكلة تكمن من اين نبدأ؟ ومن المسؤول عن التنفيذ وما هي الخطوات العملية؟ يعني أعطني طريقة عملية method وليس امنيات او اهداف.

ويجب العلم أيضا ان أي حل جذري يُطرح يجب ان يوافق عليه البرلمان أولا وهو أمر صعب لان أي حل موجود لا يمكن ان يأتي بدون تضحيات كبيرة من جانب المواطن وهو ما لا يحبذه البرلماني.

ويجب ان نعترف ان الدولة غير قادرة على إيجاد/ضمان الحل كليا بمفردها لأن مشكلة الدولة تخطيطها سيئ وفسادها اسوء ولذا يجب ان تبتعد الحلول عنها قدر الامكان. ولذلك برأيي يجب عمل هذه الخطوات بالتسلسل لفك عقدة الحلقة المفرغة وحل مشكلة الكهرباء في العراق:

1- تقوم الدولة بفرض تنصيب عدادات كهرباء ذكية Smart meter لكل مستخدم للشبكة على الاطلاق وربطها مع بيانات الدولة مثل البطاقة الموحدة ولاحقا بال Qi CARD او البيانات البنكية.

2- تبيع الدولة كل محطات الإنتاج على الاطلاق لشركات خاصة (شركات الإنتاج) وتُبقي على شبكات النقل والتوزيع بملكيتها على ان تتضمن صفقة البيع الاستثمار بالشبكة الكهربائية الحالية واصلاحها كليا (المشكلة أعلاه).

3- تشتري شركات الإنتاج الوقود اللازم للمحطات من الدولة بسعر تدعمه الدولة بداية لجعل الكهرباء أرخص على الناس

4- تبيع شركات الإنتاج الكهرباء لشركات التوزيع في سوق خاص (Wholesale) وتقوم شركات التوزيع بالبيع للمواطن بسوق اخر (Retail)

5- تتنافس شركات التوزيع لتقديم أفضل خدمة للمواطن ويحق للمواطن الاشتراك مع أي شركة يراها مناسبة

6- يتم انشاء هيئة قانونية عليا مرتبطة برئاسة الوزراء مباشرة تتولى عملية تقنين كل نظام الكهرباء وضمان الاستثمار في الشبكة من خلال استقطاع نسب من الشركات. ولذلك سيادة القانون هو أهم معضلة (برأيي) لحل مشكلة الكهرباء في العراق عدا ذلك فهي مجرد امنيات وترقيعات لا تغني ولا تسمن من جوع.

ختاما انا متأكد يقينا ان هذا الحل يوصل لنتائج ملموسة لان هذا ما يقوله العلم واعرف ان هناك أسئلة كثيرة فرعية لكن الأصول اهم من الفروع.

* باحث في مركز أبحاث الطاقة في المملكة المتحدة والباحث الرئيسي لمشروع إعادة تصميم سوق الطاقة في بريطانيا.

شارك هذا الموضوع: