قال المرصد العراقي لحقوق الإنسان، اليوم الخميس (1 أيلول 2022) إن كل أطراف النزاع الذي جرى في المنطقة الخضراء في التاسع والعشرين والثلاثين من آب المنصرم، اعتبرت الصحافيين ووسائل الإعلام عدوة لها واستهدفتهم بشكل مباشر وبعض حالات الاستهداف كادت أن تودي إلى مقتلهم.
وثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان شهادات ثمانية صحافيين ميدانيين كانوا يغطون الاحتجاجات والاشتباك المسلح على مدى يومي التاسع والعشرين والثلاثين من آب المنصرم، وأكدوا خلال شهادات للمرصد أنهم استهدفوا بشكل مباشر من قبل محتجين ومسلحين مع المحتجين وكذلك عناصر أمن وعناصر آخرين كانوا بزي أسود من دون شارات تعريفية.
نقابة الصحافيين العراقيين، التي واجبها حماية العاملين في الإعلام والدفاع عنهم وعن حقوقهم، لم تُحرِّك ساكناً إزاء الانتهاكات التي لحقت بالصحفيين. هذا مؤشر خطير تجاه النقابة، وعلى أعضائها التنبّه لمؤسستهم.
“أخذوا كاميراتي وأموالي التي في جيبي“
تؤكد هذه الأحداث والشهادات ما ذهب إليه المرصد العراقي لحقوق الإنسان في تقريره الذي نشره في الثالث من آيار 2022 في اليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي أشار فيه إلى تنامي نفوذ أعداء حرية الصحافة في العراق. ويبدو أن قاعدة أعداء حرية الصحافة تتسع في العراق في وقت تشهد البلاد حالات إفلات من العقاب لكل مرتكبي الانتهاكات.
وأظهر مقطع فيديو لمصور وكالة الأسوشيتد برس هادي مزبان ونشر على صفحة المرصد العراقي لحقوق الإنسان على الفيس بوك، كيف أنه تعرض لاعتداء بالضرب من قبل قوة العمليات الخاصة. وقال خلال مقطع الفيديو: “أخذوا كل شيء مني وضربوني وأخذوا كاميراتي وأموالي. ضابط برتبة مقدم اعتدى عليّ”.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “عناصر الأمن ما زالوا يتعاملون مع الصحافيين بطريقة غير محترمة. يمعنون في إهانتهم والاعتداء عليهم. لدى بعض عناصر الأمن في العراق فكرة سيئة عن الصحافة تفضي إلى اعتداءات كبيرة ومتكررة”.
“شظايا قذيفة الهاون استقرت في وجهي”
قال مصطفى لطيف وهو مراسل قناة (دجلة) الفضائية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “في الساعة 12:00 من ظهر يوم الثلاثاء شرعنا ببدء تغطيتنا الاعتيادية للأحداث الأخيرة التي جرت في بغداد. كنا نتواجد بتقاطع التشريع (إحدى بوابات مجلس النواب) تحديدا، أي بالقرب من مركز شرطة الصالحية ونحن نرصد المواجهات بين المعتصمين والقوات داخل المنطقة الخضراء”.
وأضاف “تعرضنا لهجوم بقذائف الهاون، أصبت بمنطقة الوجه والرقبة وما تزال لحد هذه اللحظة الشظايا مستقرة في وجهي. نقلت على إثرها إلى مستشفى الكرامة. بعد ذلك نقلوني إلى مستشفى الكاظمية وهناك كشفوا عن حالتي الصحية وأبلغوني أنها مستقرة مع المراقبة الدورية لحين إخراج الشظايا”.
تنص المادة التاسعة من قانون حماية الصحافيين لسنة 2011 على أن: “يعاقب كل من يعتدي على صحفي أثناء تأدية مهنتـه أو بسبب تأديتها بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف أثناء تأدية وظيفته أو بسببها”.
“الرصاص الحي يخطف من أمامنا”
قال بدر الركابي وهو مراسل قناة (التغيير) الفضائية: “تعرضت والزميل المصور عبد الله عبد الكريم إلى الضرب بالعصي والشتم والسب وتهديدنا بالسلاح وكسروا معدتنا وأجهزتنا من قبل قوة لا نعرف إلى أي جهة تنتمي وهي ترتدي ملابس سوداء مع لثام على الوجه. كل ذلك لأننا صحافيين ننقل الأحداث ونغطي التطورات الحاصلة”.
وأضاف “وبعد خروجنا من القصر الحكومي إلى البرلمان بصعوبة بالغة من بين وابل الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع التي كانت توجه بشكل مباشر وليس في السماء على المتظاهرين ونحن نسير بوسطهم، كنا نتوقع إننا سنصاب في أي لحظة لأن أصوات الرصاص الحي تخطف بجوارنا وقنابل الغاز تنفجر بالقرب منا ونحن نشاهد تساقط بعض المتظاهرين الذين كانوا يركضون بالقرب منا”.
“حاولنا الاستنجاد بالجيش مع نفاد طاقتنا وعدم قدرتنا على الركض أكثر، لكنهم امتنعوا عن تقديم المساعدة لنا نتيجة لإصرار هذه القوة على أن تبعد المتظاهرين وتوصلهم إلى البرلمان بالقوة. وبعد وصولنا إلى البرلمان تدهورت حالتنا الصحية نتيجة استنشاقنا الغاز المسيل للدموع الذي كان يُضرب علينا فنقلنا إلى اقرب مستشفى ووضع الأوكسجين لنا مع تقديم الإسعافات الأولية” يضيف بدر الركابي.
قال وسام فليح وهو مصور قناة (كوردسات) الفضائية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “تعرضنا أنا وزميلي بيستون عبد السلام لاعتداء من قبل المتظاهرين اعتدوا علينا عندما كنا في البث المباشر وشتمنوا وقالوا إنكم قناة تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني. خرجنا من هناك وجاءت مجموعة أخرى وانهالت علينا بالضرب أيضاً، ولم ينتهِ ذلك إلا بعد أن تدخلت قوة أمنية رسمية. حدث ذلك بداية المواجهات المسلحة، أي بين الساعة الخامسة والسادسة عصراً”.
وأضاف “في الساعة الثامنة مساءً كنا أيضاً في بث مباشر في منطقة العلاوي وجاءت مجموعة أخرى من المحتجين وشتمتنا أيضاً وانهالت علينا بالضرب”.
“قوة ترتدي الزي الأسود أبرحتني ضرباً”
قال منتظر جعفر وهو مصور قناة (روداو) خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “كنت وزميلي هلكوت عزيز مراسل القناة في التغطية ودخل المتظاهرون إلى القصر الحكومي وكنا في بث مباشر. عندما دخل المتظاهرون القصر الحكومي بدأ الهجوم عليهم من القوات الأمنية. انسحب المتظاهرون من منفذ واحد ونحن انسحبنا معهم. عندما خرجنا من القصر كانت هناك قوة ترتدي الزي الأسود، سحبت جميع معداتي وأبرحوني ضرباً. تركتهم وذهبت هرباً”.
وأضاف “كان الكادر الثاني للقناة ويضم الزميلين حيدر دوسكي وهجار خورشيد قد تعرض للاعتداء أيضاً، وصودرت أجهزته بما فيها كومبيتور محمول نوع (ماك بوك). ضربوهم بشكل كبير دون أي ذنب”.
“قنبلة صوتية فطرت ساق مراسلنا”.
قال علي عبد الكريم وهو مراسل قناة (الفلوجة) الفضائية خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “اثنان من زملائنا في القناة وهما سيف علي وحسن الخفاجي أصيبا بجروح خلال تغطية الاحتجاجات. عندما اندلعت المواجهات ركضا هرباً، وأثناء محاولت سيف الهرب انفجرت قنبلة صوتية عليه. لديه الآن مشكلة في أذنه الوسطى، وفطر في ساقه”.
وأضاف “أما حسن فحوصر من قبل قوة أمنية داخل القصر الحكومي. هذه القوة ترتدي الزي الأسود وغير معروفة الانتماء وكسرت الكاميرا وبقية الأدوات وشتموهما وانهال خمسة أشخاص بالضرب على حسن”.
أما كادر قناة (الجزيرة) التي كان مراسلها سامر يوسف على الهواء مباشرة داخل القصر الحكومي، فهاجمه مسلحون يرتدون الزي الأسود ويتبعون الفرقة الخاصة. تعرضوا للضرب بالهراوات وواجهوا خطر الرصاص الحي، وفقاً لصحفي كان يشاهد ما يتعرضون له. هذا الصحفي قال خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “السيارة التي كانت تقلهم ساعدتهم على الاحتماء لأنها كانت مضادة للرصاص”.
“حاولت قوة أمنية إيقاف السيارة ونجحت في ذلك، وأرادت جر السائق إلى خارج السيارة، ولم يتمكن الكادر من الفرار منهم قبل أن يسلمهم الكاميرات ومعدات التصوير. وحتى خلال هربهم واجهتهم قوة أخرى وهاجمت السيارة” يضيف الزميل الذي كان شاهداً على ما حدث لقناة الجزيرة.
“كسر في يد مراسل وتمزق في يد مصور”
قال حيدر الشيخ وهو مراسل وكالة (شفق نيوز) خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “في تمام ساعة 16:22 من مساء الاثنين وأثناء تغطية اقتحام أنصار التيار الصدري قصر الجمهورية ومحاولتهم عبور الجسر المعلق للوصول إلى الجادرية واعتصام جماهير الإطار التنسيقي حدث إطلاق نار على الجسر المعلق وأصبت بطلق مطاطي بيدي، وسقطت على الأرض ونقلت إلى المستشفى”.
وأضاف “تبين خلال الأشعة أنني مصاب بكسر في يدي، وعلى إثر ذلك عولجت بتجبيرها. كانت لحظات عصيبة جداً”.
أما كمال رعد وهو مصور قناة (دجلة) الفضائية فقال خلال مقابلة مع المرصد العراقي لحقوق الإنسان: “كنا في البث المباشر قرب مركز شرطة الصالحية أمام مجلس النواب، فسقطت قذيفة هاون على بعد أمتار منّا. نجونا بإعجوبة. لدي تمزق في يدي الآن، وزميلي مصطفى أصيب في وجهه بجروح”.
وقال وسام الملا، وهو المستشار الإعلامي للمرصد العراقي لحقوق الإنسان إن “السلطات العراقية ما زالت وللأسف تستخدم العنف ضد الصحافيين وتعتبرهم أعداء لها، وهذا ما يخلق بيئة غير آمنة للعمل الصحافي”.
وأضاف أن “ما حدث خلال تغطية الصحافيين لأحداث المنطقة الخضراء خلق حالة من القلق لدى الصحافيين بأنهم قد يتعرضون في أي لحظة لاعتداءت أخرى، لأن القوات التي كان يجب أن توفر الحماية لهم، اعتدت عليهم”.
وقال المرصد العراقي لحقوق الإنسان إن كل أطراف النزاع كانت تستهدف وبشكل مباشر الصحافيين، ويبدو أنها اتفقت على أن تعتبر الصحافيين أعداءً لها. هذه الأساليب والأفعال ليست بجديدة، وتؤشر أن حرية الصحافة في العراق في تراجع، وأن الصحافيين الميدانيين يواجهون مخاطر عدة.
للأسف فإن حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لم تعمل على حماية الصحافيين، ولم تحاسب أي من مرتكبي الانتهاكات بحقهم، حتى أولئك الذين ينتمون للمؤسسة العسكرية وتوجد أدلة تدينهم. يبدو أن الصحافيين وحمايتهم، ليست من أولويات أي حكومة عراقية، رغم أن حرية الصحافة هي العامود الفقري لأي نظام ديموقراطي.
ويطالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان المؤسسات الصحافية بتوفير معدات السلامة المهنية الخاصة بتغطية النزاعات والتظاهرات، كما يطالب كل أطراف النزاع والاشتباك المسلح بألا يعتبروا الصحافة عدوة لهم، فإن ذلك يُمكن أن يخلق بيئة عمل غير آمنة تقوض وصول المعلومات والحقائق إلى الجمهور.