"لم أكن أعرف حقوقي عند الطلاق وعبارة واحدة كانت تدور في ذهني، المطالبة بحقوقي تعني خسارة حضانة ابني الوحيد، لذا اضطررت إلى التنازل عن كل شيء من أجل الاحتفاظ بابني". هكذا تسرد لنا زمزم عماد تجربتها في الطلاق وهي بعمر الـ 20، وتقول "وقتها لم أكن أعلم أن القانون يتيح لي المطالبة بالنفقة، كما أن خوفي من خسارة ابني بعد تهديد طليقي لي جعلني أتنازل عن كل شيء".
بعد تجربة الطلاق هذه، أكملت زمزم عماد دراستها الجامعية لتدخل كلية القانون وتعمل في إحدى المؤسسات الحكومية. وفي الوسط المهني تقول إنها عانت الوصمة الاجتماعية التي رافقتها كمطلقة، "أقرب الناس إلي ومن ضمنهم والدتي، ينصحونني بعدم إخبار الناس ومن أتعامل معهم بأنني مطلقة، حفاظاً على الشكل الاجتماعي". وتكمل "قوة المرأة تبدأ عند تقبل فكرة الطلاق وفشل تجربة الزواج والتعايش معها، كي تتمكن من مجابهة المجتمع الذي ما زال يلوم المرأة ويضعها في قفص الاتهام، بأنها المسؤولة عن هدم الأسرة وعدم استمرار الزواج".
ويضع القانون العراقي شرط حضور الأب لإصدار الأوراق الثبوتية الخاصة بالأبناء، المتملثة بالبطاقة الموحدة أو هوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية وجواز السفر. وتروي عماد أنها اضطرت إلى دفع أموال كرشاوى لإصدار شهادة الجنسية العراقية لابنها بعد رفض طليقها الحضور لهذا الغرض، "كان الوقت يمر عصيباً علي، كان ابني بحاجة إلى الوثائق الالتحاق بالامتحان النهائي للمرحلة المتوسطة، إذ يشترط الدخول للامتحان تقديم الأوراق الثبوتية بشكل كامل، وعدم تعاون طليقي ألزمني دفع مبالغ لغرض الحصول على هذه الوثيقة وضمان تسجيل ابني في الامتحان النهائي".
أعداد صادمة
مع تتبع الإحصاءات التي يدونها مجلس القضاء الأعلى لحالات الطلاق، تظهر الأعداد الصادمة التي لم يعتد المجتمع العراقي عليها، لتبدو ظاهرة الطلاق حالة تحتاج إلى مزيد من التفحص حول أسباب تناميها.
ويبلغ عدد حالات الطلاق التي أعلنها مجلس القضاء الأعلى لشهر أغسطس (آب) 2022، 4,636 لحالات تصديق الطلاق الخارجي أي الذي تم خارج المحكمة، أما حالات الطلاق التي تمت بحكم قضائي فبلغ عددها للشهر ذاته 1,855 في عموم العراق.
أسباب متعددة
أصبحت ظاهرة الطلاق في المجتمع العراقي تشمل أغلب الطبقات، فكما يحدث الطلاق بسبب سوء الحالة الاقتصادية، هناك أيضاً أسباب أخرى لفئات مجتمعية لا تقع ضمن دائرة الفقر. وفي هذا السياق، ترى تمارا عامر رئيسة منصات حقوق المرأة العراقية ورئيسة إحدى المنظمات النسوية، أن أحد أبرز أسباب الطلاق هو تزويج القاصرات، فضلاً عن تنامي العنف الأسري وتعاطي المخدرات. وهناك أسباب ومشكلات تنشأ نتيجة سكن الزوجة مع أهل الزوج، بالتالي تدخل الأهل في حياة الزوجين. عامر ترى أيضاً أن عدم إيفاء الوعود يشكل عاملاً مهماً للطلاق، ومن خلال متابعتها تقول "بعض النساء كن يفرضن شرط متابعة دراستهن بعد الزواج، ولكن في معظم الحالات لا يلتزم الرجل بما تم الاتفاق عليه قبل الزواج، فتمنع المرأة من إكمال دراستها ومن زيارة أسرتها، وتمنع حتى من الحديث مع صديقاتها، إضافة إلى تحميلها مسؤولية خدمة بيت أهل زوجها، ما يخلق أجواء مشحونة ومشكلات يومية بعدها يحدث الانفصال".
المسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة
أما المحامية سراب علي العيساوي فترى أن هناك أسباباً مباشرة للطلاق تتمثل باختلال منظومة القيم الاجتماعية بسبب الانفتاح والعولمة، وكذلك عدم التكافؤ بين الطرفين من الناحية الثقافية والعلمية. أما الأسباب غير المباشرة للطلاق فترى العيساوى أن ارتفاع معدلات البطالة في العراق أسهم بشكل واضح في زيادة المشكلات العائلية، "المشاجرات تبدأ عندما يعجز الزوج عن توفير حياة كريمة للزوجة، وعندما يصعب على الزوجة تفهم الظروف واستيعاب الحياة الزوجية وما تواجهها من تحديات، فلكل منهما دور ومسؤولية في زيادة حالات الطلاق".
الخيانة الإلكترونية
كما أسهمت تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في تصدع الثقة بين المتزوجين، بالتالي ارتفاع معدلات الطلاق بعد ظهور مصطلح الخيانة الزوجية الإلكترونية، فنتيجة التطورات التكنولوجية التي شهدها العالم، ظهرت وسائل اتصال جديدة لم تكن معروفة في السابق، أسهمت في توسيع العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع. وترتب على الاستخدام السيئ لها ظهور ما يعرف بـ"الخيانة الزوجية الإلكترونية" عبر وسائل التواصل الإلكتروني، سواء حصلت من قبل الزوج أو الزوجة.
قانونيون أوضحوا مفهوم الخيانة الإلكترونية بأنها "التراسل الإلكتروني بين رجل وامرأة وما يتبعه من مراسلات منحرفة أو شاذة أو محرمة، أو هي علاقات غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق المحادثات الإلكترونية من كلا الجنسين. كما تعرف أيضاً بأنها إشباع الغرائز من خلال التعري بالصور أو مقاطع الفيديو بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي". وقد خلص حكم القضاء العراقي إلى أن مجرد المحادثات والاتصالات الهاتفية وإرسال الصور ومقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لا يعد من قبيل جريمة الزنا ولا يعاقب عليها القانون لعدم تحقق أركان جريمة الزنا شرعاً وقانوناً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استعادة الحياة
لا يتفهم المجتمع العراقي أوضاع المرأة المطلقة، بل في الغالب يتم إطلاق التهم جزافاً بحقها، حتى وإن كان موضوع الطلاق خارجاً عن إرادتها، الأمر الذي يصعب عليها مواصلة حياتها ومحاولة ترميمها. وفي هذا الشأن، توضح المحامية سراب علي العيساوي أن استعادة الحياة بالنسبة إلى المرأة المطلقة يعتمد على شخصيتها، ويختلف من امرأة لأخرى، وتقول "من خلال عملي، عاصرت سيدات تمكن من استعادة حياتهن من خلال التحاقهن بعمل يدر عليهن الربح المادي، أو استئناف دراسة أكاديمة ترفع من المستوى العلمي والعملي". وتكمل قائلة "على الضد من هذا النموذج، هناك نساء لم يتمكن من مواصلة حياتهن، فهن يعيشن تحت وطأة الأزمات المادية والنفسية وعدم الاحتواء من قبل عائلاتهن بعد الطلاق".
حياة تشوبها الصعوبات
أما تمارا عامر فترى أن أغلب المطلقات في العراق يعشن حياة غير سهلة، لما يستببه المجتمع لهن من أذى نفسي، "فكونها فشلت في تجربة الزواج الذي في أغلب الأحيان لم تقم باختياره، عليها أن تبرر للناس دائماً وتبين أسباب الانفصال. ويتحتم عليها دوماً أن تثبت للمجتمع أنها إنسانة محترمة ومستقيمة"، إذ يوصم المجتمع العراقي المطلقة "وصمة اجتماعية" بسبب العادات والتقاليد وهيمنة المجتمع الذكوري.
الكل يخسر في الطلاق
تبدو صورة الطلاق قاتمة، فالكل يخسر في الانفصال لأن الأمر يتعلق بهدم كيان الأسرة. وعليه ترى سراب علي العيساوي أن نتائج الطلاق لا تستثني أحداً، فالطلاق يؤدي إلى التفكك الأسري وكثرة المشكلات بسبب تنمية مشاعر الحقد والبغض والكراهية بين الطرفين، فضلاً عن تحمل عبء إضافي بعد الطلاق من ناحية توفير المسلتزمات الخاصة بالأبناء، لاسيما إذا كانت الأم هي الحاضنة، كما يؤدي الطلاق إلى ارتفاع جرائم جنوح الأحداث.
العيساوى ترى أن نتائج الطلاق تبدو هي الأقسى على المرأة التي تتعرض لضغوط نفسية بسبب شعورها بالذنب تجاه أطفالها، أو أنها السبب في تفكك الأسرة حتى وإن كان موضوع الطلاق خارجاً عن إرادتها. أما الأطفال فيتعزز لديهم الإحساس بالفقد واليتم، لأن الانفصال هو فقدان حياة أسرية بأكملها، ويلازم الطفل شعور بالغربة والوحدة والخوف من زواج أحد الطرفين، وما يسببه هذا الزواج من مشاعر نفسية مؤلمة على حياة الأولاد.
وبالنسبة إلى الرجل، فالطلاق سيخلف آثاراً سلبية على حياته، وسيخلق عنده خوفاً من الإقدام مستقبلاً على الزواج.
القانون يضمن الحقوق ولكن
ضمن قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 حقوق المرأة المطلقة، ولكن تكمن الصعوبة في طريقة استحصال هذه الحقوق عن طريق دوائر التنفيذ، وخصوصاً لدعاوى النفقة والمهر المؤخر لاسيما إذا كان المطلق لا يوجد لديه دخل ثابت أو لا يعمل بوظيفة حكومية لكي يتم استحصال النفقات والمؤخر.
وتلفت تمارا عامر إلى أن القانون العراقي قد ضمن حق المرأة في الطلاق، وفي حال طبق القانون بحذافيره ستتحق العدالة الاجتماعية في المجتمع. فقد تميز القانون العراقي بإعطاء المرأة حق السكن لمدة ثلاث سنوات مع دفع الإيجار، ومن حقها الأثاث الخاص بمسكن الزوجية، إضافة إلى حقها بحضانة الأطفال حتى سن الـ15 سنة (بعدها الطفل يختار). ضمن القانون أيضاً حق النفقة وحتى نفقة الرضاعة، إضافة إلى حق المرأة في أن تتزوج برجل آخر مع الاحتفاظ بالأطفال. والمشكلة إذاً كما تراها عامر هي في تطبيق القوانين، "ففي أغلب الحالات تتنازل المرأة عن كل حقوقها لتتخلص من الزوج الخائن أو المعنف، أو في حال ضغط الأهل أو العشيرة".