النفط يهرب بأساليب "محترفة" في العراق واتهامات تطال "جهات أمنية"

آخر تحديث 2022-11-29 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

بسبب ضعف الرقابة الحكومية في العراق والفرق في أسعار الوقود بين محافظات الإقليم مقارنة بالمحافظات الأخرى ومقارنة بدول الجوار، تجري عمليات تهريب النفط العراقي عبر إحداث ثقوب في الأنابيب الرئيسة الناقلة من خلال ربط أنابيب ذات ضغط عال لسحب النفط وتهريبه.

وقد أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 عن "تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط في محافظة البصرة، في الوقت الذي كشف جهاز أمني عراقي عن تورط ضباط وموظفين كبار، ومديرين في شرطة الطاقة وعدد من المنتسبين في محافظة البصرة، ومصادرة 49 خزاناً مع عجلات معدة للتهريب، وتم العثور على 93 وكراً و496 خزاناً مخالفاً للضوابط، فضلاً عن غلق 11 محطة مخالفة للضوابط أيضاً. وقدرت الكميات المهربة بـ75 مليون برميل شهرياً".

وبتقدير افتراضي أدنى لمردود مبيعات شبكة التهريب هذه، إذا ما قدرت قيمة البرميل الواحد بـ50 دولاراً، فإن الإيرادات المحققة من بيع 75 مليون برميل شهرياً تقارب الأربعة مليارات دولار.

 منذ تسعينيات القرن الماضي

ولكن كيف ومتى بدأت ظاهرة التصرف بالنفط وبيعه إلى الخارج، تحدث القاضي وائل عبداللطيف ومحافظ البصرة السابق قائلاً "حصل ذلك منذ سنوات الحصار على العراق ما بين 1991 حتى 2003 بوساطة شخصيات معتمدة من قبل الحكومة العراقية، لتهريب النفط بغرض الحصول على العملة الصعبة. وكذلك قبل وبعد مذكرة التفاهم (MoU) التي تقضي ببيع النفط مقابل الغذاء والحاجات الأساسية للشعب العراقي.

في تلك الفترة شجعت الحكومة هذه الجماعات على بيع المحروقات كالنفط والكاز أويل والنفط الأسود وباقي المشتقات النفطية للبلدان المجاورة مقابل إدخال العملة الصعبة بهدف تغطية رواتب الموظفين والمتطلبات الأخرى داخل العراق، لكن هذه الجماعات تحولت في ما بعد إلى منظمات مستقلة مهمتها التجارة اللامشروعة في مجال بيع النفط ومشتقاته".

واستطرد عبداللطيف "وقد عملت هذه الجماعات بعد 2003 مع شخصيات عدة انضمت إليهم وأصبحت السرقات علنية، حتى أعلن أن المناطق التي يسرق منها النفط العراقي تزيد على 59 منفذاً، بدءاً من البصرة مروراً بالعمارة إلى الناصرية حتى الكوت ثم أربيل والسليمانية ومناطق أخرى.

كانت سرقة النفط الخام من أخطر عمليات السرقة بسبب اشتراك موظفي الدولة من ضباط أمن كانوا يحرسونها، كما اشتركت فيها جهات عليا يتعذر ذكرها".

وتابع "منذ عام 2017 حتى الآن لا تزال سلسلة السرقات مستمرة، انطلاقاً من منطقة الزبير إلى منطقة كفري، وبعد كفري لا نعلم هل يذهب النفط إلى إيران أو شمال العراق أو غيرها من الدول".

ويقول "عرضت عليَّ قضية تزوير من هذا النوع موثقة بالمستندات والوثائق، فحبس السائق وصاحب المعمل، لذا أتعجب وأتساءل: كيف تمر هذه السرقات عبر سيطرتكم من دون حسيب أو رقيب؟ لندرك أن الشرطة بأجمعها في البصرة مشتركة في العملية، وجميعها على خط سير العجلات، ولا أستثني هيئة النزاهة أيضاً".

وختم عبداللطيف "هذه كارثة كبيرة تدل على تجذر فساد عراقي تقوده القوى السياسية، ولا بد من رعاية دولية لأموال العراق".

جريمة أخلاقية

أما ضياء المحسن، الباحث في الشأن المالي والاقتصادي، فقد علل الأسباب قائلاً، "كان النظام السابق يمارس عمليات تهريب النفط العراقي سعياً للهروب من العقوبات الأممية بعد غزو الكويت. ومع قدوم الحكومة الجديدة كشفت الكثير من الأوراق الجهات التي تتبنى حماية مافيات تهريب النفط، وترددت على أسماع المواطنين أسماء كبيرة تشغل مواقع مهمة في أجهزة أمنية، مهمتها حماية هؤلاء (المهربين) مقابل نسبة معينة من أموال التهريب".

وتابع المحسن "فضلاً عن أن جريمة تهريب النفط تعد جريمة اقتصادية يعاقب عليها القانون، فهي أيضاً جريمة أخلاقية بخاصة عندما تكون بحماية من يطبق القانون".

أثر تهريب النفط سلباً ليس في الاقتصاد الوطني فحسب، بل في النسيج الاجتماعي أيضاً. فلا بد في حالات كهذه أن تكون المعالجات قاسية حتى لو طالت شخصيات مؤثرة. وتساءل المحسن "هل تستطيع حكومة السوداني اتخاذ معالجات كهذه إذا ما أخذنا بالاعتبار تأثير تلك الشخصيات في الشارع العراقي؟".

ولا يقتصر الأمر على سرقة كميات من النفط، إذ يشير واقع الحال إلى ما هو أكبر وأخطر من ذلك، لأن عمليات التهريب تتم من خلال تخريب الأنابيب الناقلة للنفط الخام، وعمليات ثقب هذه الأنابيب ينتج عنها توقف عمليات التصدير، لغرض صيانة الأنبوب الذي تعرض للتخريب، وهذا التوقف يكلف الدولة أموالاً طائلة لعمليات الصيانة، فضلاً عن فترة التوقف التي تؤثر في عمليات التصدير بالتالي انخفاض الكميات المصدرة، عدا عن عدم التمكن من الإيفاء بالالتزامات مع الجهات المصدر إليها النفط العراقي، وتحمل الغرامات المالية المفروضة.

ورأى المحسن أنه لدى الحكومة الحالية فرصة للسيطرة، حتى مع وجود كتل سياسية قد تتضرر جراء هذا العمل، لكنها ستكون مجبرة على عدم الوقوف بوجه رئيس مجلس الوزراء في الإجراءات التي سيتخذها للسيطرة على عمليات تهريب النفط، وبخاصة في وجود تقارير أثبتت علناً تأثير هذه السرقات في الاقتصاد والمواطن العراقي.

تنسيق وتبادل معلومات

وأوضح المتحدث في وزارة النفط، عاصم جهاد، أنه "من المعروف أن وزارة النفط وزارة فنية تنحصر مهمتها في استكشاف واستخراج وتصفية النفط واستثمار الغاز، فضلاً عن تصدير النفط الخام وبعض المنتجات، إضافة إلى تلبية الحاجة المحلية من المنتجات النفطية. أما مهمة حماية الثروة النفطية والحد من عمليات التهريب وعمليات نقل وتداول النفط ومنتجاته بطرق غير مشروعة، فهي منوطة بالجهات الأمنية، إذ تعمل الوزارة على تنسيق وتبادل المعلومات مع الجهات المعنية لتحقيق هذا الهدف، كما شكلت غرف عمليات ولجان مشتركة".

وتابع قائلاً "تعتمد شركة توزيع المنتجات النفطية على نظام تتبع للحوضيات الناقلة للمنتجات النفطية، ولدينا هيئة للتفتيش تعمل بالتنسيق مع الجهات الأمنية على متابعة عمليات نقل المنتجات النفطية وتداولها وصولاً إلى المستهلك أو الجهات المستفيدة. وأصدرت الوزارة قرارات وتعليمات تهدف إلى الحد من عمليات نقل وبيع المنتجات النفطية خارج الضوابط والتعليمات الرسمية".

من جهته، رأى الخبير الأمني فاضل أبورغيف أن "ملف تهريب النفط أحد الملفات الشائكة المرتبطة بجملة من الأسباب، من بينها أن هذه العملية تتم بمؤازرة مجموعات، منها رسمية تشمل مسؤولين عن الملف الأمني وملف مراقبة نقل الطاقة ونقل المنتج، يشترك فيها تجار ويشارك في المرحلة الأخيرة مهربون ومشترون، للعمل على تسويقها في الأسواق العالمية السوداء".

وتابع "تسير العملية عبر ثلاث مراحل، تبدأ الأولى مع بعض المتنفذين في القيادات الأمنية من المنبع في مدينة البصرة، وتمتد حتى مناطق الوسط والعاصمة بغداد، ومن بغداد تتلقفها المجموعة الثانية وتسيرها من محافظات ديالي وصلاح الدين، مروراً بكركوك، لتستقر في مناطق أخرى. أما المجموعة الثالثة فهي مجموعة مهربين ومساومين يشتركون بأعمال البيع والتسلم ويحصلون على نسبة من الأرباح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

القضاء العراقي يعمل بجد

وبحسب أبورغيف "القضاء العراقي مستمر بالتحقيق في الموضوع والملفات متشعبة وكثيرة، وكلما تعمقوا بالتحقيق تظهر أسماء واعترافات جديدة، وتحتاج مثل هذه القضايا إلى مدة طويلة لكشف النقاب عن خفاياها".

وتابع أبورغيف على هامش العملية الكبرى التي تم اقتفاء أثرها وتفكيكها "هناك مجموعتان تم تفكيكهما، إحداهما قبل خمسة أيام كانت ضمن مهام الأمن الوطني، والأخرى قبل ثلاثة أيام ضبطتها وكالة الاستخبارات، والقضاء ماض في جمع الأدلة لإحالة المتورطين على المحاكم المتخصصة".

تمويه وتضليل

وأوضح أن عملية الربط (الفاكيوم) وأدوات السحب من الأنابيب النفطية تتم بطريقة احترافية تعتمد أساليب التمويه والتضليل، بمعنى ردم الأنابيب ودفنها في الأتربة لمسافة 100 متر للتغطية على أماكن السحب.

والتحقيقات مستمرة في هذا الشأن وهناك تحقيقات في البصرة يشرف عليها مجلس القضاء الأعلى، يعمل قضاة ومحققون فيها باتجاه تفكيك المجموعة ومن تبقى منها، وتظهر كل يوم اعترافات جديدة والأمور سائرة باتجاه السيطرة على كل المشتركين، ويلاحق القضاء كل من تثبت عليه الإدانة ومن تحوم حولهم الشبهات.

جهات سياسية وراء التهريب

ويعتقد المحلل السياسي مناف الموسوي بدوره أن من يقوم بالتهريب أو ثقب الأنابيب هي جماعات مرتبطة بجهات سياسية، وتمتلك أجنحة مسلحة موجودة في العراق، وهذه العملية ليست حديثة العهد بل منذ عام 2003 وجميع الكتل السياسية تعلم بهذا الموضوع، ويتم التطرق إلى هذه النقطة بين الحين والآخر لا سيما عند تبادل الاتهامات بين الكتل السياسية.

وفي الفترة الأخيرة تخلت الحكومات عن سياسة الغموض من خلال الكشف عن العصابة التي ضبطت أخيراً وإظهارها في الإعلام، كما حدث حين تم الإمساك بضباط كبار في المؤسسة الأمنية العراقية.

ولكن الكل أجمع على أن "الكشف عمن يقف خلف هذه المافيات أمر يتطلب السرية باعتبار أنها قضايا ستتسبب بإحداث إشكالية سياسية، قد يكون أحد نتائجها هو التهديد السلمي والمجتمعي بشكل واضح، بالتالي فهذه المسائل حتى وإن كشف عن البعض منها، ستقف عند حد معين، ولن يتم التوسع في التعريف بمن يقف خلفها خوفاً من تأثيرها في الأمن الوطني والاقتصاد العراقي".

فداحة تهريب النفط

وسبق أن نشرت صحف وثائق رسمية تعود إلى عام 2019، حول إصدار رئيس مجلس النواب أمراً نيابياً بتشكيل لجنة موقتة للتحقيق في عقود المشاريع النفطية وعقود توزيع المنتجات النفطية من عام 2015 وحتى نهاية 2019، في دلالة على مدى فداحة تهريب النفط في العراق.