ليس إطلاق النار على سيارة "اليونيفيل" الدولية ومقتل جندي إيرلندي وجرح ثلاثة آخرين "حادثة عرضية"، كما يراد لها أن تبدو، ولا هو حدث معزول من دون سوابق بدأت أيام المقاومة الفلسطينية في الجنوب اللبناني، وتكررت أيام المقاومة الإسلامية التي يقودها "حزب الله"، بعضها اعتراض الدوريات الدولية بالقرى وتشليحها الأسلحة والمعدات أحياناً، وبعضها الآخر التهديد باعتبار قوات حفظ السلام "قوات احتلال"، بالتالي استهدافها.
وكل شيء يحدث باسم "الأهالي"، حيث يمارس "محور الممانعة" المرتبط بملالي إيران سياسة "نقتل ونستنكر ونعزي ونمشي في جنازة القتيل"، حتى الجيش اللبناني لم يسلم من الاعتداءات، بحيث جرى إطلاق النار على مروحية في سماء الجنوب ومقتل قائدها الضابط الطيار سامر حنا.
الواقع أن المشهد في الجنوب اللبناني سوريالي، السلطة لا المقاومة هي الطرف في القرارات الدولية، لكن السيادة ليست للدولة إلا بالاسم.
عام 1978 أصدر مجلس الأمن القرار 425 الذي نص على انسحاب قوات إسرائيلية اعتدت واحتلت مساحة من الجنوب، ونشر قوات دولية للحفاظ على وقف النار.
انسحبت إسرائيل وبقيت الجبهة مفتوحة والقوات الدولية مجرد مراقب، وعندما حاولت الكتيبة الفرنسية العمل الجدي بموجب القرار تعرضت لهجوم منظم من الفصائل الفلسطينية المسلحة.
عام 2000 انسحبت إسرائيل تحت ضربات المقاومة الإسلامية مرة ثانية من الجنوب، الذي اجتاحته وصولاً إلى بيروت، لكن القوات الدولية بقيت، والجبهة ظلت مفتوحة.
عام 2006 بعد حرب يوليو (تموز)، أصدر مجلس الأمن القرار 1701، الذي زاد عدد القوات الدولية ووسع مهامها وسماها "اليونيفيل". واعتبر جنوب الليطاني حتى الحدود الدولية منطقة عمليات لها، وكانت هذه هي المرحلة الأولى من تطبيق القرار أي مرحلة "وقف الأعمال العدائية"، في انتظار تطبيق المرحلة الثانية والنهائية، أي مرحلة "الوقف الدائم للنار".
ومن يومها، ونحن والأمم المتحدة وإسرائيل نمارس التكاذب وخداع النفس بإعلان الاستعداد لتطبيق القرار "بكل متدرجاته"، مجرد كلام، فلا إسرائيل تريد إغلاق الجبهة بما يحد من حريتها في الاعتداء، ولا الأمم المتحدة تستطيع فرض التطبيق، ولا بيروت الرسمية تستطيع أن تؤثر على المقاومة الإسلامية التي تريد بقاء الجنوب جبهة مفتوحة ومرتبطة بما تسميها إيران "جبهة المقاومة" من غزة إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صحيح أن "الخروق" من الجانبين خفت لاعتبارات استراتيجية، لكن الصحيح أيضاً أن المشهد صار أكثر من سوريالي، فحين قرر مجلس الأمن يوم 31 أغسطس (آب) من العام الحالي التمديد لقوات "اليونيفيل" وتعزيز دورها وتوسيع مهامها، بحيث تملك حرية الحركة من دون إذن من الجيش أو أي طرف، ذهب قادة "حزب الله" في الاعتراض إلى حد التهديد بالمواجهة الشاملة معها أو سحبها.
ذلك أن جوهر القرار حتى في المرحلة الأولى هو أن تكون المنطقة من نهر الليطاني إلى الحدود الدولية منطقة عمليات دولية مع انتشار الجيش اللبناني على الحدود، ومنع وجود أي سلاح ومسلحين هناك، لكن ما حدث هو العكس.
"حزب الله" يسيطر على المنطقة، ولو من دون وجود ظاهر، ويحدد لقوات "اليونيفيل" مسار تحركها باسم "الأهالي"، ثم إن المقاومة الإسلامية تقول إن قوتها تعاظمت كماً ونوعاً، وصارت قادرة على فرض "توازن الردع" مع العدو، وهي أيضاً لعبت دوراً مهماً في الوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وتلعب دوراً في ضمان الهدوء بما يسمح للبنان وإسرائيل باستثمار الثروة الغازية والنفطية.
والسؤال في مثل هذه الحال هو ما الحاجة إلى قوات دولية؟ لماذا لا نشكر الدول التي أسهمت ولا تزال في المخاطرة بأبنائها لإراحة لبنان، ونطلب من مجلس الأمن إرسال هذه القوات إلى مكان أكثر حاجة إليها منا؟ هل المسألة هي أن تكون القوات الدولية نوعاً من السائحين الذين ينفقون الدولارات في لبنان ويساعدون أبناء القرى في مشاريع عدة؟
من الصعب أن نتوقع التحقيق الدقيق والحقيقي والمعلن في مقتل الجندي شون روني، وإن طالب الجميع به، فالتحقيق معطل في جريمة العصر التي هي تفجير مرفأ بيروت وتدمير نصف العاصمة، وأبطال التعطيل حكام ومتحكمون.