تثير بطولة "خليجي-25" التي تستضيفها محافظة البصرة جنوب العراق الشهر المقبل من السادس وحتى الـ 19 من يناير المقبل، كثيراً من الجدل في البلاد بين مؤيد لها ومعارض لإقامتها، بخاصة أنها تجرى في وقت تسيطر فيه قوى "الإطار التنسيقي" الموالية لإيران على الحكومة، مما يدفع عدداً من الناشطين إلى اعتبارها محاولة لإظهار أن البلاد باتت مستقرة على رغم سيطرة الميليشيات الموالية لإيران على معظم مفاصل الدولة.
وفي مقابل آراء كل من الجبهتين بين معارضي البطولة ومتهميهم بـ "البعث" وغيرها من التهم التي لطالما استخدمتها الجماعات الولائية، يبرز رأي ثالث يحمله جماهير كرة القدم في العراق يتعلق بتجريد البطولة من أي محتوى سياسي، إذ ترغب تلك الجماهير في نجاح الحدث الرياضي الأول في البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003، فضلاً عن إمكان أن يمثل مقدمة لرفع الحظر الدولي عن إقامة أية مباريات دولية في العراق.
انقسام واسع
ووصلت حدود الانقسام حول البطولة إلى حد حديث نواب مدنيين عنها، إذ قال النائب المعارض سجاد سالم إن "خليجي-25" ستكون "فرصة للشباب العراقي والجيل الجديد لرفض الطبقة السياسية الحاكمة وهيمنة الميليشيات"، وأضاف عبر حسابه في "تويتر"، "لتمتلئ الملاعب العراقية بهتاف وشعارات ولافتات الرفض".
وهاجمت عدد من الحسابات الموالية لإيران تغريدة سالم موجهين اتهامات إليه بمحاولة "تخريب البطولة"، في حين استخدم عدد منهم عبارة "جوكري" في وصفه، وهي عبارة لطالما استخدمتها الميليشيات الولائية للتحريض على مناهضي النفوذ الإيراني.
جدل وتأويلات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت الفيلي إلى أن البلاد تشهد خلال هذه الفترة نوعاً من الاستقرار النسبي "نتيجة الإجماع السياسي التي تحظى به حكومة السوداني وانسحاب الصدر عن المشهد"، مشيراً إلى ضرورة "استغلال تلك الأجواء لتقوية الدولة وعدم خلق أية توترات في محفل رياضي كهذا من قبل الجميع".
مكاسب للإطار التنسيقي
ويرى الكاتب والصحافي مصطفى ناصر أن الإطار التنسيقي يحاول استغلال البطولة لـ "تلميع صورة الوضع المزري في البصرة جراء هيمنة الميليشيات على القطاعات الاستثمارية والنفطية والإدارية، بتخادم واضح مع محافظها أسعد العيداني"، مبيناً أن غايتهم من إقامة البطولة تتمثل في إرسال رسائل اطمئنان إلى المجتمع البصري مفادها أن "ثنائية العيداني والميليشيات قد تكون مصدر رخاء للبصريين لا العكس".
ويعتقد ناصر أن مساحة الكسب السياسي من البطولة المقبلة تبدو متشعبة كونها تأتي خلال فترة حكومة السوداني "التي لم تسجل أي نجاح في الداخل العراقي مع تفاقم الإشكالات الاقتصادية وخلال الشهرين الأخيرين"، مبيناً أن البطولة ربما ستمثل "محاولة دعائية لإسناد نجاح إعلامي للسوداني أمام الرأي العام".
ولعل ما يثير استغراب الناشطين أن الميليشيات الموالية لإيران التي لطالما أظهرت عدائية كبيرة إزاء المحيط العربي للعراق، باتت تحاول تغيير خطابها مع اقتراب بدء "خليجي-25"، إذ لم تبد تلك القوى أياً من مواقفها وتصريحاتها المعتادة إزاء دول الخليج.
وفي مقابل كل تلك الإشكالات يبدو أن ثمة مصالح استراتيجية أخرى بالإمكان تحقيقها من خلال البطولة، بحسب ناصر، تتمثل في كونها "فرصة لمنح مدينة البصرة تحديداً صبغة المدينة العربية الخليجية بعد أن ابتلعتها إيران والميليشيات الموالية لها".
دعاية لن تنجح
وفي المقابل يتطلع كثير من العراقيين إلى الحدث بغض النظر عن المحتوى السياسي المصاحب له، إذ إنه يمثل إعادة العراق إلى الأجواء الخليجية بقوة بعد أكثر من أربعة عقود من احتضان بغداد لتلك البطولة نهاية سبعينيات القرن الماضي.
من جهة ثانية، يعتقد الكاتب والصحافي رضا الشمري أن الجدل حول البطولة متوقع جداً، لكنها في النهاية ليست "ذات قيمة كبيرة سواء رياضياً أو دولياً"، مبيناً أن الاهتمام بها يعود "للحمل السياسي والدعائي المرتبط بها".
ويضيف أن جميع الأطراف في البلاد تبحث عن "اعتراف دولي أو اهتمام أو أي طريقة تعرض بها بضاعتها أمام الخارج، والبطولة توفر منصة مناسبة لهذا".
ولا تبدو محاولات إظهار "استقرار البلاد" أمام المحيط العربي ممكنة، كما يعبر الشمري الذي يشير إلى أن البطولة حتى لو افترضنا نجاحها من الناحية التنظيمية إلا أنها ربما ستجعل الجمهور الخليجي القادم "يلمس كثيراً من السلبيات المتعلقة بالدولة والخدمات والأمن والفوضى".
جدران عازلة للحقيقة
وتشهد محافظة البصرة منذ فترة إجراءات أمنية واسعة لتأمين البطولة، في حين تمنع تعليمات الجهات الأمنية إدخال أي سلاح أو أداة حادة إلى الملاعب، ويؤكد المسؤولون في الجهات المشرفة على البطولة أنها ستشهد تنظيماً لافتاً.
ويعبر الناشط حسين اللامي عن استغرابه مما يجري في البصرة قبيل البطولة، موضحاً أن "تغطية المساحات العشوائية المهدمة والتي يعيش أبناؤها حر الصيف وبرد الشتاء من دون سقف منزل حقيقي ومن دون أن ينعموا بالدفء أو ما يصدهم عن قيض البصرة، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الإشكالات وليس إعطاء تصوّر جيد للعالم عن البصرة".
ويتابع اللامي أن الحكومة المحلية في البصرة "اكتفت بإنشاء جدار عازل لتلك العشوائيات كي لا يراهم زوار البصرة من داخل العراق وخارجه"، مبيناً أن أية فعالية دولية في العراق تحت ظل دولة الميليشيات هي "بمثابة هذا الجدار العازل الذي يحاول عزل العراق عن حقيقة ما يجري فيه من قتل وقمع لكل الأصوات وتهجير لكل الناشطين المعارضين".
معقل الاغتيالات ونفوذ الميليشيات
وشهدت محافظة البصرة خلال السنوات القليلة الماضية كثيراً من حوادث الاغتيال وقمع الناشطين والمتظاهرين المناهضين لنفوذ الميليشيات الموالية لإيران، إذ استمر مسلسل اغتيال وتهجير الناشطين في المدينة لفترة طويلة تحديداً بعد انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ووصلت حملات الاغتيال التي تقوم بها الميليشيات في المحافظة حدوداً غير مسبوقة، ففي أغسطس (آب) 2020 فتحت سيارة يستقلها مسلحون النار على ثلاثة نشطاء هم عباس صبحي وفهد الزبيدي ولوديا ريمون.