البصرة والبصيرة

آخر تحديث 2023-01-13 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

انطلقت يوم الجمعة الماضي بطولة الخليج العربي الـ25 في مدينة البصرة العراقية، تسمية الخليج العربي أثارت احتجاجاً رسمياً إيرانياً لدى "فيفا" واستدعت السفير العراقي لدى طهران.
رمزية البصرة باستضافة البطولة كانت مهمة جداً، إذ حرص الخليجيون، وبالذات الكويتيين، على ضرورة إقامة البطولة هناك على رغم معرفة الجميع بالعوائق والصعوبات التي تواجه تنظيم البطولة في العراق عموماً وبالبصرة خصوصاً، وظهرت بعض تلك العوائق في مهرجان الافتتاح الذي سادته الفوضى واعتذر المنظمون عنها فتجاوزها المشاركون.
خطط لبناء البصرة القائد عتبة بن غزوان عام 14 للهجرة بأوامر من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وولاه عليها كأول والٍ لها. يختلف اللغويون على أصل اسمها، فمعظمهم يرون أنه مشتق من الأرض الصلبة ويرى آخرون أن أصل التسمية من السريانية وتعني قنوات الماء. وتسمى والكوفة البصرتين، وتسمى الفيحاء وتشترك في ذلك مع دمشق وطرابلس الشرق بلبنان، والفيحاء تعني الأرض الرحبة أو الدار الواسعة. يردد البصراوية (أهل البصرة) لضيوفهم العرب هذه الأيام، إذا ما توسعكم الدار، العين إلكم دار.
والبصرة تختلف عن بصرى الشام القريبة من درعا بسوريا، فأغلب الظن أن اسم بصرى الشام جاء من اللاتينية "بوسترا" التي تعني المركز أو الحصن حين كان الرومان يسيطرون على المدينة. ولعل تغيراً صوتياً جرى لها فحذفت التاء وفخمت السين لتصبح صاداً.

أما البسر، فيشابه اسم البصرة لكنه يعني الرطب الذي لم ينضج بعد، معروف أن البصرة تشتهر ببساتين النخيل فيها.
لم أجد العلاقة في المعنى بين البصرة والبصيرة على رغم تشابه الكلمتين. فالبصر تعني النظر، لكن البصيرة تعني التحقق بالنظر والتمعن بالتفكير، والبصير من أسماء الله الحسنى ووردت الكلمة في القرآن الكريم أكثر من 50 مرة معظمها بمعنى الإدراك، ويسمى العاقل الذي ينظر إلى الأمور بعين الفاحص والقارئ للأمور بالبصير، وكان الأديب والشاعر العروبي الكويتي عبدالرزاق البصير، رحمه الله، كفيفاً، لكنه من أكثر الشخصيات التي عرفتها بصيرة وثقافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ويسمي العراقيون الشخص المتحدر من البصرة "البصراوي"، بينما يشتهر عندنا في الخليج بـ"البصيري"، وهناك أسر كثيرة بهذا الاسم في الكويت والخليج.
وفي لهجة بعض القبائل، يقولون "بُصرك"، أي كما ترى وكما تبصر ولعل ما يعادلها عراقياً وخليجياً هي "على كيفك"، وفي لهجة أهل الشام "اصطفل".
في البصرة تمثال على شط العرب للشاعر البصراوي بدر شاكر السياب الذي يعد من رموز الشعر العربي الحديث، وقد توفي في الكويت التي تكفلت بعلاجه من مرض السل عام 1964 عن 38 سنة ودفن إلى جانب قبر الحسن البصري في جنوب العراق الذي تمنى أن يراه قبل أن يموت، ونعى نفسه بقصيدته "غريب على ضفاف الخليج" التي منها

ليت السفائن لا تقاضي راكبيها عن سفار

أو ليت أن الأرض كالأفق البعيد بلا بخار

في الضفة الأخرى هناك فحدثيني يا نقود

متى أعود، متى أعود

يا حسرتاه، فلن أعود إلى العراق!

عاد العراق لعروبته بدورة كأس الخليج العربي، لم يكن كرم الضيافة العراقية- البصراوية مفاجأة، لكن هذا الكرم هذه المرة يحمل رسالة تتجاوز قيمة الكرم نفسه إلى تعزيز ما هو معزز، وتأكيد ما هو مؤكد بعروبة البصرة وأهلها، فقد عملت إيران على مدى الـ20 سنة الماضية على "فرسنة" البصرة وخلق واقع مشوه بأن البصرة جزء من إيران وبأنها أقرب إلى إيران من الخليج، لتأتي الحفاوة البصراوية الدافئة جداً هذه الأيام مرحبة بالأخوة العرب من دول الخليج العربي، ناسفة كل الجهود الإيرانية وضاربة بجهود الولائيين عرض الحائط، ولسان حال البصرواية يقول

بعد وكِت! أي "تو الناس" باللهجة الخليجية تعبيراً عن العتب لتأخر التواصل الخليجي مع أهل البصرة ومدينتهم الواقعة على شط العرب بالقرب من مصبه على الخليج العربي.
وعلى رغم اعتراض بعضهم على المشاركة الخليجية من أساسها في هذه الدورة لانتقادهم أن المشاركة شرعنة للحكومة العراقية الولائية التابعة لإيران، إلا أن بعض هذه الأصوات كان ينتقد في الماضي الغياب العربي والخليجي عن الساحة العراقية منذ سقوط صدام حسين قبل 20 عاماً.
ستختتم الدورة يوم الخميس المقبل، وما زال بالوقت متسع للتخريب من قبل المتربصين والمستائين من زخم الروح العروبية التي تجتاح هذه المدينة العربية العريقة ولكن بكل الأحوال فلقد كان اختيار البصرة لدورة الخليج قراراً ينم عن بعد نظر وعن بصيرة.