سعر الدينار يشهد تراجعاً كبيراً أمام العملة الأميركية (فرانس برس)
مُنذ شهرين، عقب فرض البنك الفيدرالي الأميركي قيوداً وضعت اشتراطات دقيقة أمام منافذ بيع الدولار في مزاد بيع العملة الأجنبية بالبنك المركزي العراقي للسيطرة على عمليات تهريبه لدول مجاورة، ارتفع سعر الصرف من 1460 ديناراً للدولار الواحد، إلى ما يقارب 1600 دينار، وزاد عليه أحياناً، وسط مخاوف من حصول قفزات جديدة، في ظل العجز الحكومي عن إجباره على التراجع.
ومنذ ذلك الحين، يقول البنك المركزي إن الارتفاع مؤقت، والسعر سيعود ليكون بحدود سعر الصرف الرسمي بمزاد العملة البالغ 1460 ديناراً، واضعاً سقفاً زمنياً ينتهي بنهاية شهر كانون الثاني/ يناير لتحقيق هذا الهدف، وفقاً لما صرّح به مستشار البنك المركزي إحسان الياسري لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع).
وأضاف أن "البنك الفيدرالي الأميركي وضع شروطاً مشددة تلزمنا بعرض قوائم بالدولار المبيع، متضمنةً أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة، ويجري الانتظار 15 يوماً لبيان موقف البنك من سلامة عملية الشراء للطرف مُقدم الطلب، وتتوقف عملية البيع في حال اعتراض البنك الفيدرالي على اسم معين، لكونه مطلوباً، أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار".
هذا الإجراء قلّل من الأموال المبيعة في البنك المركزي، ما أحدث شحّاً في الدولار المعروض في السوق المحلية، دفع إلى ارتفاع سعره لأرقام غير مسبوقة.
وبالتزامن شرع البنك المركزي بعدة إجراءات مدعومة من الحكومة لتغطية الطلب على الدولار وضمان توافره دون شحّ يزيد سعره، عبر فتح نوافذ لبيعه في مصارف حكومية وأهلية بحدود 10 آلاف دولار لكل طلب، لكن بشرط أن يكون لأغراض السفر أو الدراسة في الخارج أو العلاج، لكن هذه الحلول يبدو أنها غير كافية.
مخاطبة الفيدرالي الأميركي
يقول مصدر حكومي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن "خطوة بيع الدولار عبر مصارف حكومية وأهلية بغرض تلبية الطلب عليه من قبل المسافرين والراغبين في العلاج أو الدارسة في الخارج، بما لا يقل عن 10 آلاف دولار لكل طلب، وتحديد مبلغ ألفي دولار لكل مواطن بحاجة إلى الدولار، ساعدت على عدم حصول قفزات أكبر بسعره، والمشكلة حالياً ليست بعدم توافر معروضٍ كافٍ، بل بالمضاربات التي يقوم بها البعض لغرض إيجاد حالة شحّ مفتعلة في السوق".
ونفى المصدر في حديث مع "العربي الجديد"، ما يُتداوَل حالياً، أن تكون الحكومة بصدد تخفيض سعر صرف الدينار أمام الدولار مرة أخرى.
ويجري تداول معلوماتٍ تشير إلى أن الحكومة بصدد اعتماد سعر صرف بموازنة 2023 التي يجري إعدادها حالياً يراوح ما بين 1300-1350 ديناراً للدولار الواحد لضمان إحداث تراجع سريع بسعره، وهو الأمر الذي نفاه المصدر الحكومي، مبيناً أنه لا صحة لمثل هذا السيناريو، وجرى تداوله بالسوق لغرض المناورة بين المضاربين.
ويتابع قائلاً إن "الحكومة تدرس حلولاً، من بينها توسيع منافذ بيع الدولار للمواطنين في جميع المحافظات، وعدم اقتصارها على بغداد التي تعاني من ضغط كبير على طلب الدولار، وإلزام مكاتب الصيرفة بالبيع عبر سعر يضمن هامش ربح معقول لا يزيد على 500-1000 دينار لكل 100 دولار كحد أقصى قياساً بالسعر الرسمي، على أن تفرض عقوبات قانونية صارمة بحق من يخالف ذلك، والموضوع قيد الدراسة، ولم يتخذ قرار بشأنه حتى الآن".
وتابع: "البنك المركزي ممتثل لتعليمات البنك الفيدرالي الأميركي التي تمنع ذهاب الدولار المودع في البنك لدول يحظر دخول الدولار إليها، ووجه رسائل رسمية إلى وزارة الخزانة الأميركية والبنك الفيدرالي دعتهما إلى رفع هذه الإجراءات مؤقتاً أو تقليلها لضمان عدم تأثيرها بالاقتصاد العراقي وإيجاد حالة استقرار بسعر الصرف قبيل إرسال مشروع موازنة 2023 الذي تناقشه الحكومة حالياً إلى البرلمان".
تهريب الدولار خارج النظام المصرفي
يقول الخبير الاقتصادي نبيل العلي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "ارتفاع سعر الدولار جاء عقب فرض إجراءات خارجية تستهدف أولاً حماية المال العراقي من جهة وحماية النظام الدولي المالي من جهة أخرى من قبل البنك الفيدرالي الأميركي الذي يشترط اكتساب الحوالات الخارجية المعايير الدولية، وكان من الأجدر بالمؤسسات الرسمية أن تستعد لذلك، ولا سيما أن هناك الكثير من التحذيرات الأميركية من أنه لا يمكن السكوت عن تهريب الدولار لتجنب حدوث أي تداعيات تؤثر بسعر الدولار أمام الدينار".
وأضاف أن "فرض قيود من الفيدرالي الأميركي على طلبات شراء الدولار من مزاد العملة في البنك المركزي العراقي سبّب قلّة مبيعات البنك من العملة الأجنبية، ما جعل الراغبين في شراء كميات أكبر يذهبون إلى السوق المحلية لتعويض النقص، وبالتالي زاد الطلب على العملة الأميركة، وخاصة ممن يديرون عمليات تهريبه للخارج، وفرض القيود تطلب اشتراطات إضافية لا تتوافق مع مصالح الكثير من التجار، فذهبوا إلى السوق لشراء الدولار، ما أحدث قفزة في سعره".
وتابع أن "البنك المركزي العراقي يغطي الطلبات التي تستوفي المعايير، وهذا الأمر جعل الدولار المشترى منه غير كافٍ، وكلما قلّت مبيعات البنك، زاد سعره في السوق، لأن هناك طلباً متزايداً، وبالمقابل هناك عمليات تهريب غير قانونية عبر حوالات خارج النظام المصرفي، ولا يمكن السيطرة عليها بسبب الفوضى الداخلية في البلد".
ورداً على سؤال عن احتمالية فرض عقوبات أميركية على العراق نتيجة استمرار تهريب الدولار لدول الجوار، رأى العلي أنه "لا يمكن الجزم بذلك، لأن أية عقوبات أو قيود إضافية ستضر العراق كثيراً، لكن ما نتوقعه أنه قد يتجه الفيدرالي الأميركي للسماح بتسهيلات، في إجراء واقعي يمنع حصول المزيد من التداعيات، خاصة أن العلاقة بين بغداد وواشنطن تحكمها اتفاقية استراتيجية داعمة لاقتصاد بغداد".
تهديد بالتصويت لإقالة محافظ المركزي
يقول عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أسباباً أخرى لأزمة الدولار، من بينها وجود مضاربين في مكاتب الصرافة استثمروا الطلب المتزايد عبر تقليل المعروض، وهو الأمر الذي رفع سعر الدولار، وبالمقابل الحكومة تعاملت مع الموضوع بخطة عمل لإيقاف التصاعد عبر عدة خطوات، لكن نراها غير كافية لإيقاف التصاعد المستمر".
وعن مقترحات اللجنة المالية لتدارك الموقف، قال الكاظمي إن "من واجبات البنك المركزي رسم السياسة النقدية للدولة، لكن دخوله في الجانب التنفيذي أبعده عن أداء دوره كما يجب، وبالتالي يجب إيجاد واجهة إضافية لتدارك الموقف مثل آلية إدخال البنك العراقي للتجارة في مهمة بيع الدولار للتجار الراغبين بشرائه لتمويل الاستيرادات الخارجية مع تطبيق المعايير الرسمية لضمان توفير المزيد من الدولار لمن يطلبه وتقليل الضغط على البنك المركزي".
وأضاف أن "بيع الدولار من قبل البنك المركزي للراغبين في شرائه لغرض السفر والعلاج لا يفيد البلد، لأن الدولار سيذهب للخارج ولن يدخل في الكتلة النقدية بالسوق العراقي، ما يعني استمرار الشح وتصاعد الطلب بشكل مستمر".
يقول عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "هناك أسباباً أخرى لأزمة الدولار، من بينها وجود مضاربين في مكاتب الصرافة"
وأكد أن "اللجنة المالية ترغب في استضافة محافظ البنك المركزي في مجلس النواب العراقي لتقديم توضيحات وحلول عملية، وإذا ما ثبت عجزه نرى أن من اللازم التصويت على إقالته لفشله في مهمته"، لافتاً إلى أن "اللجنة ترى كذلك أن الذهاب لتخفيض سعر الدولار في الموازنة دون 1400 دينار عن السعر المحدد فيها، ليس حلاً عملياً للسيطرة على سعر الصرف، وبالتالي يجب القيام بخطوات عملية توفر الدولار في السوق المحلية، الذي سبّب شحّ المعروض زيادة أسعاره".
تسليم أسماء المهربين
يؤكد الناشط السياسي حسين الشلح في حديث لـ"العربي الجديد" أن "فتح منافذ لبيع الدولار في المصارف لن ينجح بكبح جماح التصاعد المستمر بقيمة الدولار أمام الدينار، لأن المعروض شحيح، ومن تعمد إصدار مثل قرار كهذا هدفه استثمار فارق السعر ما بين 1460، وهو المبيع عبر تلك المصارف، وسعر السوق الحقيقي الذي وصل إلى 1600 دينار، وقطعاً هناك متنفذون مستفيدون استغلوا ارتفاع السعر لشراء الدولار وبيعه بهذا الفارق".
وأشار إلى أن "تخفيف قيود البنك الفيدرالي على حركة الدولار تتطلب من حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تسمية الأشخاص والجهات المشاركة بعمليات تهريب الدولار لدول الجوار وتسليمهم للفيدرالي لمعاقبتهم"، في إشارة إلى العقوبات التي تفرضها واشنطن على طهران.
وأضاف: "كذلك استفاد التجار وأصحاب مكاتب الصرافة وأصحاب البنوك الأهلية وأشخاص على صلة بالأحزاب لطالما كانوا هم واجهات لشراء الدولار عبر مزاد العملة عبر التقدم بطلبات الشراء من تلك المنافذ ومعهم متعاونون لضمان الحصول على كميات أكثر من المسموح بها تزيد على 10 آلاف دولار، وهذا باب من أبواب الفساد استثمر ما يحصل من بيع شحيح في مزاد العملة الأجنبية". وتابع بالقول: "المتحايلون على العقوبات الأميركية هم من يتحملون المسؤولية، ولا ينبغي تحميلها للشعب العراقي".