عودة المطالبة بتعديل الدستور العراقي: هل تتوفر الإرادة السياسية؟

آخر تحديث 2023-01-23 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد

أقرّ الدستور العراقي في استفتاء في العام 2005 (Getty)

عاد الحديث مرة جديدة في العراق عن ضرورة إجراء تعديلات على الدستور، لحل المشاكل التي تنجم عن المواقف القضائية وإجراءات ما بعد كل انتخابات تجرى في البلاد، وتتعلق عادة بتشكيل الحكومة، ناهيك عن كون التعديلات قد تدعم الثقة الشعبية بالأحزاب الحاكمة حالياً.

وعلى الرغم من أن البرلمان العراقي شكّل عام 2019 لجنة لتعديل الدستور على خلفية الاحتجاجات الشعبية، إلا أن هذه اللجنة لم تتقدم ولا خطوة واحدة باتجاه التعديلات، بسبب الضغوط السياسية من قبل الأحزاب، وهذا ما يعترف به سياسيون وأعضاء في مجلس النواب.

وفي آخر ظهور لرئيس تيار "الحكمة" عمار الحكيم، أمس الأول السبت، دعا القوى السياسية إلى إعادة النظر ببعض المواد الدستورية، معتبراً ذلك "أمراً ضرورياً".

وقال الحكيم، في كلمة بمناسبة مرور 20 سنة على مقتل محمد باقر الحكيم، بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، إضافة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، وزعماء أحزاب وأعضاء بمجلس النواب، إن "مرحلة كتابة الدستور مرت بظروف استثنائية أحاطتها الهواجس المتراكمة طيلة سنوات الاستبداد والديكتاتورية والتهميش وإلغاء الآخر، وكان لذلك أثر واضح في طبيعة بعض المواد الدستورية".

تختلف وجهات النظر السياسية من ناحية المواد الدستورية التي تحتاج إلى تعديل

وأضاف الحكيم: "أصبح التفكير بإعادة النظر في بعض المواد الدستورية أمراً جدياً وضرورياً، ولا بد من التوقف عنده، لاسيما أن العراق يعاني من بعض المشاكل البنيوية بين فواعله السياسية، التي أصبحت مدخلاً للخلاف والتناحر". وأكد أن "اللجوء المستمر إلى تفسير بعض المواد الدستورية مع كل دورة انتخابية ومرحلة سياسية، قد أوجد التزاماً آخر يضاف إلى الالتزام بعلوية الدستور".

اختلاف حول المواد الدستورية التي تحتاج لتعديل

وتختلف وجهات النظر السياسية من ناحية المواد التي تحتاج إلى تعديل، مثل قانون المحكمة الاتحادية، وهي أعلى محكمة في العراق، وتتخصص في الفصل في النزاعات الدستورية، إضافة إلى تعديل فقرة "نظام الحكم" في الدستور، وتحويله إلى "رئاسي أو شبه رئاسي"، وكذلك "قانون المساءلة والعدالة"، فضلاً عن الفقرات المرتبطة بالمحافظات، ومنها إنهاء الجدل حول عدد أعضاء مجلس النواب، فهناك مطالبات سياسية بخفض العدد، ناهيك عن قوانين النفط والغاز، والمادة 140 من الدستور، المتعلقة بملف المناطق المتنازع عليها بين سلطتي بغداد وإقليم كردستان، وقانون الهيئات المستقلة، والصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء، باختيار وزرائه وإقالتهم والمحافظين.

وسبق أن دعا رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان البرلمان إلى إجراء تعديلات على الدستور، وذلك عقب تجدد الجدل بشأن المواد الفضفاضة القابلة لأكثر من تفسير وتأويل، والتي تحوّلت إلى مشكلة تتجدد في كل أزمة سياسية.

وأقر زيدان بوجود أخطاء في تفسير بعض القوانين، ومنها قانون المحكمة الاتحادية الذي تسبب بمشاكل سياسية، كان آخرها أزمة التيار الصدري الذي أراد تشكيل الحكومة بصفته الفائز الأول بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكنه لم يتمكن بسبب الالتفاف حول تفسير ينص على تشكيل الحكومة عبر التحالف السياسي الأكبر بعد إعلان نتائج الانتخابات. ووفقاً لزيدان فإن "الدستور خُرق أكثر من مرة".

الدستور تعرض لتجاوزات كثيرة

في السياق، قال القاضي وائل عبد اللطيف، وهو واحد من أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي، إن "الدستور تعرّض لتجاوزات كثيرة من قبل الأحزاب المتنفذة والكيانات السياسية التي تتقاسم السلطة في البلاد، إضافة إلى كثرة التفسيرات، ما يعني أن هناك حاجة ماسة لإجراء التعديلات التي تسمح بقراءة واضحة للمواد الخلافية، منها المادة 140 من الدستور، والتجاوز حصل من قبل القوى السياسية الكردية. كما أن المواد المتعلقة باختيار رؤساء البرلمان والجمهورية والحكومة، تعرضت أيضاً إلى تجاوزات بسبب الاتفاقات السياسية".


القاضي وائل عبد اللطيف: الدستور تعرّض لتجاوزات كثيرة

وأضاف عبداللطيف، لـ"العربي الجديد"، أن "في الدستور العراقي نحو 15 مادة بحاجة إلى تعديلات تتناسب مع التطور في التعامل مع المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية والقانونية والاجتماعية أيضاً".

وأشار إلى أن "أكثر المواد الملحّة، والتي تحتاج إلى تعديل بشكلٍ مبكر هي المتعلقة بالأحوال الشخصية، التي تصنف العراقيين على أسس مذهبية وطائفية، لأنها لا تبشر إلا بمشاكل وإرهاصات مجتمعية قد تؤدي إلى مشاكل في المستقبل، إضافة إلى قانون النفط والغاز الذي من المفترض أن يحكم العلاقة بين بغداد وإربيل، إضافة إلى الفقرة الدستورية الخاصة بصلاحيات الرئاسات الثلاث، وتحديداً الجمهورية".

الكثير من النصوص الدستورية لم تعد صالحة

من جهته، بيَّن رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأوان قد آن لنكون جادين بالاعتراف بأن الكثير من النصوص الدستورية لم تعد صالحة، أو تتواءم مع التركيبة السياسية الحالية، وإجراء تعديلات على القوانين التي تسببت بمشاكل سياسية كبيرة، وقد تمضي هذه التعديلات حتى باتجاه شكل النظام السياسي"، مضيفاً: "هذه واحدة من القضايا الأساسية، إضافة إلى معالجة المشاكل في السلطات، التي لا تملك المركزية الواضحة".

ولفت إلى أن "الدستور العراقي جامد، وينص على عدم تعديل الباب الأول والثاني منه، المتعلق بشكل النظام والحريات العامة، إلا بعد مضي 8 سنوات، وقد مضت، لذلك نحن بحاجة إلى كتابة وثيقة تمثل عقداً اجتماعياً جديداً، أساسها الثقة والشراكة بين الأحزاب من جهة، وبين الأحزاب والشعب من جهة ثانية، لا سيما أن هناك تشكيكاً بأن الدستور كُتب في ظروف غير مناسبة".

واعتبر أن "المشاكل في بعض مواد الدستور جعلت القضاء يتحوّل إلى صانع قرار سياسي، ومتحكم في القرارات السياسية، وهذا أمر غير دستوري وغير قانوني".

سليم الجبوري: نحتاج لكتابة وثيقة تمثل عقداً اجتماعياً جديداً

بدوره، رأى عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الإطار التنسيقي" معين الكاظمي، أن "معظم الأحزاب متفقة على ضرورة إجراء تعديلات دستورية، وأن مجلس النواب أمام فرصة تاريخية من أجل إجراء التعديلات على الفقرات الخلافية". 

وأضاف أن "هناك جدية في العمل على إجراء هذه التعديلات، لكن السؤال هو هل الوقت مناسب أم لا؟". ورأى، في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "اللجوء إلى تعديل الدستور يحتاج إلى رخاء سياسي، ولذلك نحتاج إلى إرادة سياسية للبدء بهذه التعديلات".

وأقرّ الدستور عام 2005، في استفتاء شعبي قاطعه طيف واسع من العراقيين، بنوداً وفقرات ما زالت مثيرة للجدل، تبدأ من ديباجة الدستور الأولى التي استبدلت عبارة أن العراق دولة عربية، والموجودة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة، إلى عبارة أن العراق دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب وعضو مؤسس وفعّال في جامعة الدول العربية، مروراً بمادة المناطق المتنازع عليها.

كما تم ذكر وترسيخ مفردة المكونات التي أسست للمحاصصة الطائفية في العراق، وانتهاء بقانون البرلمان والنظام الفيدرالي الذي أعطى الحق لأي محافظة، أو عدة محافظات مجتمعة، في اختيار الذهاب نحو إقليم مستقل إدارياً على غرار إقليم كردستان.