سيترأس حسين الوفد العراقي إلى واشنطن (مرتضى السوداني/الأناضول)
كشفت مصادر مطلعة في العاصمة العراقية بغداد، أمس الأربعاء، عن معلومات تتعلق بمهمة الوفد العراقي الحكومي، الذي يستعد للتوجه إلى واشنطن خلال الأيام المقبلة، برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، لـ"العربي الجديد"، إن الوفد سيكون برئاسة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية فؤاد حسين وعضوية مسؤولين ماليين ومصرفيين.
وأضاف الصحاف أن "المباحثات ستستند إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ولا سيما ما يتعلق بموضوع ارتفاع سعر صرف الدولار وآليات التنسيق والتعاون في هذا الجانب، وبما يعكس استجابة الحكومة العراقية في دعم رؤيتها الاقتصادية والمالية، تحقيقاً لاستجابة تحفظ المال العام وتعين المواطنين"، وتابع إن "اللقاءات وزيارات الوفود الدبلوماسية بين الجانبين مستمرة، لأن العلاقة استراتيجية وتستدعي تعاوناً مشتركاً ودائماً".
سيقترح الوفد تقليل الاشتراطات التي فرضها البنك الفيدرالي الأميركي حول وصول الدولار للعراق
في موازاة ذلك، كشف مسؤول حكومي عراقي، لـ"العربي الجديد"، أن "الوفد سيضم في عضويته إضافة إلى رئيسه وزير الخارجية فؤاد حسين، كلاً من وزيرة المالية طيف سامي، ومحافظ البنك المركزي علي العلاق، ومسؤولين حكوميين آخرين، وستعقد الاجتماعات بحضور مسؤولين ماليين أميركيين كبار والسفيرة الأميركية في العراق إلينا رومانوسكي".
وأوضح المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "الوفد المقررة زيارته (مبدئياً) في السابع من الشهر الحالي إلى واشنطن، سيحمل تأكيدات للجانب الأميركي حيال الإجراءات العراقية الأخيرة في مزاد العملة، وسعيه لمنع وصولها إلى الدول المشمولة بالعقوبات الأميركية، مثل إيران وسورية".
وتابع المسؤول: "ستكون هناك تعهدات عراقية حيال ذلك وشرح للإجراءات الأخيرة التي اتبعها العراق في ما يتعلق بتهريب العملة الصعبة، وسيقترح الوفد تقليل الاشتراطات التي فرضها البنك الفيدرالي الأميركي على العراق حول وصول الدولار للعراق، والمطالبة بتنفيذ شروط الفيدرالي الأميركي بشكل تدريجي وليس دفعة واحدة، بهدف تمكين النظام المصرفي والمصارف العراقية من التأقلم مع المنصة الإلكترونية الجديدة لبيع العملة الصعبة في العراق، وأيضاً تطمين التجار بأن الإجراءات الأميركية لا تستهدف تقييد حركة أموالهم أو تجميدها".
تنفيذ مجموعة من الإصلاحات المالية
ولفت إلى أن "الحكومة، ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي، نفذت مجموعة من الإصلاحات المالية، التي تؤكد حرص بغداد على وقف عمليات تهريب الدولار. وحسب المعلومات المؤكدة فإن التهريب تراجع كثيراً، وبات في نطاق محدود للغاية بفضل رصانة إجراءات الحكومة والبنك".
وأشار المصدر إلى أن "الوفد سيكشف للجانب الأميركي النتائج المبذولة من قبل البنك المركزي ووزارة المالية في تعقب عمليات التهريب، والتي أسفرت عن إيقاف الكثير منها، وأيضاً حجب مبيعات الدولار عن المشتبه بهم بالتهريب. وهذه كلها نعتقد بأنها ستدفع الجانب الأميركي لإبداء مرونة متفهمة، تراعي وضع العراق الاقتصادي وتسمح بتراجع قريب لسعر الدولار".
أدلة على حصول إيران على الدولار
وتحدث عن "عرض الأميركيين في وقت سابق من الشهر الماضي أدلة على حصول إيران على مبالغ كبيرة من الدولار عبر العراق بطرق مختلفة، وأن إيران تستخدم ما تحصل عليه من الدولار في برنامجها النووي".
وحول حديث رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن كل الاحتمالات واردة بشأن تحديد سعر الصرف بموازنة 2023، وما إذا كان هناك توجه لجعله دون 1400 دينار للدولار، أكد المسؤول أن "الحكومة والبنك المركزي بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات المرتقبة في واشنطن، وربما يجري تعديل السعر المقترح لما دون السعر الحالي البالغ 1450 ديناراً. وهناك خيارات عدة على طاولة النقاش تخضع لتطورات الموقف".
تقليل تهريب الدولار لإيران وسورية ولبنان
من جهته، أكد مصدر في وزارة المالية، لـ"العربي الجديد"، أن "القيود الأميركية المفروضة على حركة الدولار ساهمت بتقليل ما نسبته 70 في المائة من عمليات تهريبه إلى إيران وسورية ولبنان، وتم حظر 80 في المائة من التحويلات المصرفية العراقية في الأشهر الثلاثة الماضية نتيجة شكوك مؤكدة، أو شبة مؤكدة، بأن المستفيدين النهائيين مرتبطون بجهات محظورة في البلدان الثلاثة".
مصدر في وزارة المالية: القيود الأميركية ساهمت بتقليل ما نسبته 70 في المائة من عمليات تهريب الدولار
وأضاف أن "السفيرة الأميركية إلينا رومانوسكي أبلغت وزير الخارجية العراقي خلال لقائهما، الثلاثاء الماضي، بأن واشنطن مصرة على المضي بالإجراءات المطبّقة لمنع تهريب الدولار المباع في العراق، وأن على بغداد اتخاذ إجراءات أكثر صرامة بحظر وصوله إلى المشتبه بهم بالتهريب، خصوصاً أن الأجهزة المصرفية والأمنية العراقية حددت هؤلاء، وفق ما قاله لنا المسؤولون العراقيون".
وتابع المصدر في وزارة المالية أن "وزير الخارجية العراقي أبلغ السفيرة بأن الوفد الزائر لواشنطن قريباً جهز جملة من المقترحات الرصينة، التي من شأنها تطمين الجانب الأميركي بنجاح خطوات الحكومة العراقية في ترصين عملية بيع الدولار ومنع تهريبه، وأنها ماضية بإجراءاتها ولن تتراجع عنها"، واعتبر أن "العراق يواجه إجراءات أميركية نتيجة تهريب الدولار إلى إيران وسورية ولبنان لجهات تواجه عقوبات أميركية، ومن خلال طرق ملتوية"، في إشارة إلى "حزب الله" اللبناني.
ووفقاً لبيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية، الثلاثاء الماضي، فإن لقاء الوزير مع السفيرة الأميركية ناقش ملفات الزيارة المرتقبة التي ستضم وفداً عراقياً رفيع المستوى من المسؤولين الاقتصاديين، وبرنامج العمل واللقاءات التي ستناقش القضايا السياسيَّة والاقتصادية، وجوانب تتعلق بالعملتين العراقية والأميركية.
وترى اللجنة المالية النيابية أن الزيارة يجب أن تقدم آليات واضحة تطمئن الجانب الأميركي، على أن يلحقها تطبيق استراتيجية تسمح للعراق بالسيطرة على أموال بيع النفط المودعة في البنك الفيدرالي، لكي لا تستخدم كورقة ضغط.
وأكد عضو اللجنة معين الكاظمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا بُد أن يكون هناك تفاهم بين بغداد وواشنطن في ملف الدولار وعبر أعلى المستويات الرسمية، لوضع آليات مشتركة تخص آلية حركة الأموال، تُبسّط إجراءات الحصول عليها من قبل التجار لأغراض الاستيراد، لأن إجراءات البنك الفيدرالي قيدت حركة الدولار، وأخرت الحوالات المالية من البنك المركزي إلى المصارف في الخارج".
إقناع أميركا بالإجراءات العراقية
وأضاف أن "الوفد العراقي الزائر سيكون قادراً على إقناع الجانب الأميركي بالإجراءات العراقية، في حال قدم آلية عملية واستراتيجية رصينة، تضمن رصانة عملية بيع الدولار في مزاد العملة بالبنك المركزي، عبر فواتير مالية حقيقية لاستيراد المواد وتوضح مناشئ الاستيراد، وألا تكون من دول عليها حظر من واشنطن، وهذا لن يدع مجالاً للاعتراض من البنك الفيدرالي الأميركي، ونعتقد أنه من الممكن تحقيق ذلك".
ولفت إلى أنه "في حال أصر الجانب الأميركي على القيود، على الرغم من التطمينات العراقية، فننصح بأن تذهب الحكومة والبنك المركزي نحو اعتماد اليورو كعملة أجنبية، ولا ننسى أن اليورو والدولار متضامنان بشأن القيود المفروضة على دول معينة لمنع وصول العملة الأجنبية لها، ولهذا نعتقد أن الحل الواقعي والأمثل والذي يحقق استقراراً بعيد المدى هو اعتماد استراتيجية تشجع الصناعات العراقية والمنتجات الوطنية، وتقلل الحاجة للاستيراد، وبالتالي ستكون الحاجة للدولار أقل".
تحرير أموال العراق من سيطرة "الفيدرالي"
وشدد على أن "هذه الاستراتيجية يجب أن تتحرك معها مساعٍ لتحرير أموال العراق من سيطرة البنك الفيدرالي الأميركي، إذ ليس من المعقول أن نستمر بإيداع أموال بيع النفط لدى الجانب الأميركي على الرغم من أنها أموال العراق، ويجب أن تكون له سيادة عليها. ونقترح أيضاً أن يتحول جزء من المبالغ العراقية هناك لشراء الذهب، ويتم سحبه بالدينار العراقي، وهو أمر يتطابق مع المعايير المالية العالمية".
اقترح معين الكاظمي تحويل جزء من المبالغ العراقية في أميركا لشراء الذهب
ومساء أول من أمس الثلاثاء، قال السوداني، في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، إن وفداً حكومياً سيغادر إلى واشنطن قريباً، مؤكداً أن زيارته إلى واشنطن لم يحدد لها موعد بعد.
وهو ما تؤكده مصادر دبلوماسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، بقولها إن الجانب الأميركي طلب المزيد من الوقت لدراسة ملفات زيارة السوداني لتكون مثمرة وتتوج باتفاقات تعزز التعاون الثنائي في الملفات الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، مضيفة أن زيارة الوفد العراقي المرتقبة ربما ستمهد لتوافقات تسمح بتثبيت موعد الزيارة.
وأقر السوداني، في ظهوره مساء الثلاثاء الماضي، بعمليات تهريب الدولار الأميركي من العراق "عن طريق فواتير مزورة، وكان يفترض بالبنك المركزي والحكومة السابقة تطبيق آلية متفق عليها لضبط حركة نقل الأموال تسمى (معايير الامتثال) للنظام المصرفي العالمي".
وبيّن أن "مذكرة موقعة من البنك المركزي العراقي (مع الفيدرالي الأميركي) قبل عامين للمضي بهذه الإجراءات لكي يكون نظام التحويلات المركزية عبر منصة إلكترونية ويتم تدقيقها، إلا أن الإجراءات لم تكن بالمستوى المطلوب من حيث تأهيل المصارف لهذا النظام".
وتتيح المنصة الإلكترونية لبيع الدولار في العراق تحت إشراف البنك المركزي، مراقبة الولايات المتحدة للمبالغ الخارجة من البنك المركزي والجهات المستفيدة منها من بنوك وشركات ورجال أعمال.
وطوال السنوات السابقة كان يتم بيع ما معدله 170 مليون دولار يومياً عبر ما يعرف بمزاد الدولار، والذي يشارك به تجار وبنوك وشركات، بدون حصول مراقبة لمُنتهى تلك الأموال التي تُصنف على أنها تجارة استيراد للسوق المحلية في أغلب الأحيان، أو حوالات خارجية.
ويقول خبراء إن إيران ونظام بشار الأسد وأطرافاً لبنانية يحصلون على كميات كبيرة منها تحت عنوان استيراد مواد غذائية وإنشائية من دون أن يصل من تلك المواد شيء.
وأدى استخدام المنصة الإلكترونية إلى توجه الأطراف ذاتها للسوق المحلية للحصول على الدولار بأي مبلغ، وهو ما رفع قيمة الدولار نتيجة زيادة الطلب عليه، رغم تنفيذ قوات الأمن حملة اعتقالات بحق من وصفتهم بالمضاربين بالعملة الصعبة.