تظاهرة في بغداد للمطالبة بوقف تراجع الدينار، يناير الماضي (مرتضى السوداني/الأناضول)
يصل وفد عراقي حكومي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، اليوم الأربعاء، إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في زيارة محددة سلفاً، لبحث جملة من الملفات التي يصنفها كلا البلدين بالحساسة والمهمة.
على رأس هذه الملفات التعاون العسكري والأمني، وأزمة تراجع قيمة الدينار العراقي، إثر الإجراءات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية أخيراً على البنك المركزي العراقي للحد من تسلل الدولار إلى إيران والنظام السوري.
ويرافق حسين كل من محافظ البنك المركزي الجديد علي العلاق، ووزير المالية طيف سامي، ومسؤولين في مكتب رئيس الوزراء لشؤون الاستخبارات والأمن، وعدد من المسؤولين الحكوميين.
مساعٍ لتخفيف الإجراءات الأميركية
الوفد الذي يعتبر الأول من نوعه الذي يزور واشنطن منذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة في العراق، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيحمل مطالب عدة للأميركيين، وفق ما قال مصدر مسؤول في رئاسة الوزراء العراقية لـ"العربي الجديد".
وأوضح أن هذه المطالب تتعلق أولاً بتخفيف واشنطن إجراءات تزويد العراق بالعملة الصعبة (الدولار) والتي قيّدتها في الشهرين الماضيين بأكثر من 70 في المائة، وحصول العراق على إعفاءات جديدة تتعلق بالتعاملات مع إيران وروسيا، أغلبها مرتبطة بمجال الطاقة.
أبرز مطالب الوفد العراقي تتعلق بتخفيف واشنطن إجراءات تزويد بغداد بالدولار
وأضاف أن "الوفد العراقي سيطلب تأجيل العمل بالمنصة الإلكترونية بضعة أشهر، إلى حين تعوّد التجار وكذلك المصارف العراقية عليها، مع تقديم ضمانات بوضع إجراءات من قبل البنك المركزي العراقي لمنع تهريب العملة إلى الخارج، ووصولها إلى الدول التي عليها عقوبات اقتصادية أميركية".
وتابع المصدر أن "زيارة الوفد العراقي ستحدد عودة الدينار العراقي إلى قيمته السابقة، أو تعرّضه لانهيار جديد قد يصل بسببه إلى 2000 دينار للدولار الواحد، (حالياً 1660 ديناراً للدولار الواحد)".
وبحسب المصدر، "يأمل الوفد تحقيق نتيجة طيبة في هذه الزيارة، لكن الأميركيين لديهم شروط ومطالب تتعلق بضبط تهريب الدولار لثلاث جهات، وهي إيران والنظام السوري وحزب الله اللبناني".
واعتبر أنه "في حال إخفاق الوفد العراقي بإقناع واشنطن بتقديم تسهيلات بشأن التعامل بالدولار وتأجيل العمل بالمنصة الإلكترونية، فهذا يعني أننا أمام أزمة كبيرة وخطيرة ستحصل في العراق، تنهار فيها قيمة الدينار، لوجود طلب كبير على الدولار، مقابل شحّه والسيولة الكبيرة من الدينار بالسوق".
والمنصة الإلكترونية لبيع الدولار التي فرضتها الولايات المتحدة على العراق، تتلخص في مراقبة واشنطن الجهات الحاصلة على الدولار وسبب حصولها وطبيعة أنشطتها، إلى جانب أنها تفرض على البنك المركزي العراقي إجراء التحويلات (الدفع) للجهات التي يشتري منها التجار والشركات العراقية المختلفة، بدون أن يحصل التاجر أو الشركة على المبلغ نقداً.
وتتيح المنصة مراقبة الولايات المتحدة للمبالغ الخارجة من البنك المركزي، وكذلك تحديد الجهات المستفيدة منها من بنوك وشركات ورجال أعمال. وسابقاً كان البنك المركزي العراقي يبيع الدولار عبر نافذة بيع مباشر للبنوك والشركات الأهلية بقيمة 1460 ديناراً للدولار الواحد، وتشهد نافذة البيع ما معدله 170 مليون دولار يومياً.
لكن بعد فرض الفيدرالي الأميركي إجراءات جديدة للحد من تهريب الدولار خارج العراق إلى جهات تصنفها واشنطن معادية، تراجعت كمية المبيعات يومياً إلى أقل من 12 مليون دولار يومياً، وهو أقل من حاجة السوق لتزويد التجار وشركات الاستيراد بالدولار، ما أدى إلى ارتفاع الطلب عليه، وبدء عمليات مضاربة أدت إلى تراجع قيمة الدينار.
لا تغيير في وضع القوات الأميركية بالعراق
وعن زيارة الوفد العراقي، ذكر مسؤول عراقي آخر لـ"العربي الجديد"، طلب عدم ذكر اسمه، أن حكومة السوداني قررت عدم فتح ملف الوجود العسكري الأميركي خلال هذه الزيارة، وتركز حالياً على مسألة أزمة الدينار العراقي.
مسؤول عراقي: حكومة السوداني قررت عدم فتح ملف الوجود العسكري الأميركي خلال الزيارة
وأضاف في اتصال هاتفي مقتضب: "الوفد سيؤكد استمرار التعاون العسكري والأمني مع الولايات المتحدة، ولن يكون هناك تغيير عن الوضع القائم منذ حكومة مصطفى الكاظمي، وهذا القرار بعلم تحالف الإطار التنسيقي الذي اطلع على موقف العراق وخطورة أزمة الدولار الحالية على الاقتصاد، لذا فإن موضوع إنهاء الوجود العسكري الأميركي وكل ما يرتبط به غير مطروح".
من جهته، قال عضو اللجنة المالية البرلمانية، النائب عن "الإطار التنسيقي"، معين الكاظمي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن مهمة جداً وتأتي من أجل حل مشكلة التشديد الأميركي بشأن التعامل بالدولار".
واعتبر أن "هذا التشديد سبّب أزمة في سعر صرف الدولار، أدت إلى ارتفاعه بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها في السوق العراقي".
وبيّن الكاظمي أن "الوفد العراقي سيقدّم مجموعة من الحلول بشأن منع تهريب العملة وكذلك سوف يوضح الإجراءات الحكومية وإجراءات البنك المركزي العراقي بشأن الحد من غسل الأموال وتهريب العملة، وسيعمل على إيجاد حلول ترفع بعض التشديد عن العراق في تعاملاته التجارية والخارجية". وأعرب عن أمله في تمكّن الوفد العراقي من "حسم الملف".
ضغط أميركي لوقف تهريب الدولار
وأبدى "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى عراقية حليفة لإيران، والذي انبثقت عنه حكومة السوداني، دعمه للحوارات بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأميركي، وعملية الإصلاح المالي والمصرفي، وفق بيان رسمي له، صدر مساء الأحد الماضي.
لكن النائب السابق رحيم الدراجي، قال لـ"العربي الجديد" إن "مفاوضات الوفد العراقي في واشنطن لن تكون سهلة أبداً، خصوصاً مع وجود أدلة خطيرة لدى الأميركيين على تهريب العملة من العراق إلى الكثير من دول المنطقة والعالم"، مشيراً إلى أن "هذا التهريب مستمر منذ فترة طويلة، على الرغم من التحذيرات الأميركية من خطورة هذا الأمر".
وبيّن الدراجي أن "الولايات المتحدة أكدت أن المنصة الإلكترونية هي الوحيدة القادرة على منع تهريب العملة من العراق، وهي لا تثق بإجراءات الحكومة العراقية للحد من عمليات التهريب، فهي تعرف جيداً وجود شخصيات وجهات متنفذة تقف خلف عمليات تهريب الدولار إلى إيران وتركيا ولبنان وسورية وروسيا وغيرها من الدول". وأضاف: "لهذا لا نعتقد أن واشنطن سوف تقدّم أي تسهيلات بشأن عمل المنصة الإلكترونية".
الدراجي: الدولار حتى الساعة ما زال يُهرّب إلى خارج العراق
ولفت إلى أنه "على الرغم من التشديد الأميركي والإجراءات الحكومية العراقية، فإن الدولار حتى الساعة ما زال يُهرّب إلى خارج العراق، ولهذا شهد السوق المحلي ارتفاعاً في سعر صرف الدولار، كون السوق خالياً من الدولار مع وجود طلب عليه من قبل التجار والمواطنين"، معتبراً أن "أغلب الكميات التي يبيعها البنك المركزي العراقي حالياً تذهب للخارج بطرق غير شرعية وغير قانونية".
وأصدر السوداني خلال الأيام السابقة، توجيهات لمنع عمليات تهريب العملة والقبض على المهربين، في خطوة أمنية تهدف إلى السيطرة على انخفاض سعر الدينار العراقي الذي يتهاوى أمام الدولار إلى مستويات انعكست على ارتفاع الأسعار في السوق المحلية.
وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) قد فرض إجراءات على الحوالات المالية الخارجية من العراق، لضمان عدم وصولها إلى طهران ودمشق.
من جهتها، توعّدت وزارة الداخلية العراقية من سمتهم "المتلاعبين" بالعملة الصعبة (الدولار) بعقوبات كبيرة، وفقاً لقانون الجرائم الاقتصادية، لكن الإجراءات الميدانية التي اتخذتها بغداد وأربيل لم تسفر عن أي تحسن.
وخلال الأيام الأخيرة خسر الدينار أكثر من 30 في المائة من قيمته أمام الدولار، وشهدت السوق العراقية ارتفاعاً قياسياً في مستويات أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، عمّا كانت عليه قبل أقل من شهر، الأمر الذي نتج عنه انخفاض كبير في القوة الشرائية. وبات كثير من المواطنين عاجزين عن تلبية متطلبات عائلاتهم بسبب الارتفاع المفاجئ في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.