مقتدى الصدر في النجف، 22 يناير (كرار عيسى/الأناضول)
ترى التيارات المدنية العراقية، أن مساعي العودة إلى قانون الانتخابات القديم، تندرج في سياق عملية "إقصاء مباشرة" تنفذها القوى الفاعلة في البلاد، تحديداً "الإطار التنسيقي"، الذي يدفع باتجاه العودة إلى نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، بدلاً من الدوائر المتعددة، واحتساب الأصوات وفقاً لطريقة "سانت ليغو"، خلافاً لمفهوم الفائز هو من يحصل على أكثر عدد من الأصوات، والتي تم اعتمادها في الانتخابات الأخيرة (10 أكتوبر/تشرين الأول 2021).
وبالتزامن، برزت تحذيرات من خروج زعيم التيار الصدري عن صمته والتدخل لمنع المشروع الذي يعارضه، ويشترك مع القوى المدنية في مسألة تأييد الدوائر المتعددة وفوز صاحب أكثر الأصوات.
وأنهى البرلمان العراقي، الإثنين الماضي، القراءة الأولى لمشروع قانون انتخابات مجالس المحافظات، الذي يُطرح أيضاً لاستخدامه في الانتخابات التشريعية، وظهر مشروع القانون الجديد، وفق نظام "سانت ليغو" القديم، الذي يعتبر إلغاؤه سابقاً أحد أبرز منجزات التظاهرات الشعبية في العراق في عام 2019.
وأتاح القانون الذي أجريت به الانتخابات الأخيرة في عام 2021، للقوى المدنية والمستقلين الحصول على 47 مقعداً في البرلمان، جزء كبير منها انتزع من معاقل القوى السياسية الرئيسة في جنوب البلاد والعاصمة بغداد، كما صبّ في صالح التيار الصدري الذي حلّ أول في هذه الانتخابات، بحصوله على 73 نائباً من أصل 329، قبل استقالة نواب الكتلة الصدرية في يونيو/حزيران الماضي، وحلول نواب آخرين مكانهم، غالبيتهم من قوى ضمن تحالف "الإطار التنسيقي".
إصرار "الإطار التنسيقي" على "سانت ليغو"
وبدا إصرار قوى "الإطار التنسيقي" على تغيير القانون واعتماد آلية "سانت ليغو"، أكثر جدية من أي وقت مضى، خصوصاً مع تسريب الخطوط العريضة لمشروع القانون الجديد، الذي يتضمن أن تكون كل محافظة دائرة واحدة، واعتماد القاسم الانتخابي للقائمة أو الكتلة الانتخابية ككل، وليس ما يحصل عليه المرشح نفسه من أصوات.
وآلية "سانت ليغو" في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وأصلها أن يتم تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز، لكن في العراق تم اعتماد القاسم الانتخابي بواقع 1.9. وهو ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الفرديين (المستقلون والمدنيون)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
التيار الصدري: سيكون لنا موقف إذا أصرت القوى السياسية على تمرير مشروع القانون الانتخابي
وإلى جانب تنديد قوى وشخصيات مدنية عراقية ونواب مستقلين في البرلمان، بفكرة العودة إلى نظام الدائرة الواحدة، وتفصيل قانون مناسب للكتل السياسية الرئيسية، فإن مراقبين يؤكدون أن مضي البرلمان بقراءة مشروع القانون والتصويت عليه، قد يدفع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للخروج من عزلته السياسية والتصدّي لهذه الخطوة عبر أنصاره في الشارع.
وانسحب التيار الصدري من العملية السياسية منتصف العام الماضي، بعد أن قرر زعيمه مقتدى الصدر سحب نواب كتلته "الصدرية" من البرلمان، ومن ثم قراره اعتزال العمل السياسي، بعد سلسلة أحداث كبيرة بدأت بتظاهرات لأنصار التيار الصدري وانتهت بالاشتباكات داخل المنطقة الخضراء في بغداد، مع فصائل مسلحة منضوية تحت هيئة "الحشد الشعبي".
وقال مسؤول في الهيئة السياسية للتيار الصدري، لـ"العربي الجديد"، إن "التيار سيكون له موقف إذا أصرت القوى السياسية على تمرير مشروع القانون الانتخابي وفق المقترح المقدم أمام مجلس النواب". وكشف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "العودة لقانون الانتخابات السابق وفق نظام سانت ليغو، مرفوضة ليس فقط من قبل الصدريين، بل من قبل تنسيقيات تشرين والقوى الناشئة الجديدة".
واعتبر أن "الهدف من العودة لهذا القانون هو تأمين سيطرة الكتل والأحزاب النافذة على الحكومات المحلية من خلال مقاعد مجالس المحافظات، والأمر نفسه بالنسبة لمجلس النواب، فهذه الأطراف تريد منع فوز أي منافس لها خصوصاً من المستقلين".
وأضاف المسؤول أنه "في حال تم تمرير القانون داخل البرلمان وفقاً لآلية سانت ليغو وبدائرة واحدة، فهذا يعني احتكار أحزاب معينة للسلطة وإفراغ الانتخابات من معناها، وسيكون هناك موقف وكلمة للقوى الرافضة لهذا النظام، الذي يكرّس الديكتاتورية السياسية والانتخابية".
مشروع لسيطرة الأحزاب النافذة
من جهته، رأى النائب المستقل في البرلمان العراقي هادي السلامي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مشروع القانون المقدم أمام البرلمان الهدف منه سيطرة الكتل والأحزاب النافذة على المشهد الرقابي والتنفيذي وإبعاد المستقلين، وحتى تستمر عمليات الفساد والمحاصصة من دون وجود أي معارضة حقيقية".
وأكد السلامي أن "النواب المستقلين سيكون لهم موقف موحد لمعارضة العودة إلى قانون الانتخابات السابق. إصرار القوى النافذة على تمرير قانون الانتخابات السابق وفق نظام سانت ليغو، قد يدفع لعودة التظاهرات الشعبية الرافضة لهذا القانون".
عارف الحمامي: هناك شبه إجماع سياسي على العودة لنظام سانت ليغو
لكن للنائب عن "الإطار التنسيقي"، عارف الحمامي، رأياً آخر، إذ أكد لـ"العربي الجديد"، أن "هناك شبه إجماع سياسي على العودة لقانون الانتخابات السابق وفق نظام (سانت ليغو)".
واعتبر أن القانون الأخير الذي أُجريت به الانتخابات، وفقاً للدوائر المتعددة: "كان فيه الكثير من المشاكل والثغرات الفنية والقانونية، ولهذا نحن مع تمرير قانون رصين يمنع تكرار الأخطاء السابقة". ورداً على سؤال حول الأطراف الداعمة العودة للقانون القديم، قال: "القوى الرئيسية بالبرلمان".
وأوضح الحمامي أن "المفاوضات مستمرة بين الكتل السياسية بشأن القانون بشكل نهائي، تحديداً فيما يتعلق بالقاسم الانتخابي وفقاً لنظام سانت ليغو، فهناك أكثر من قاسم انتخابي (1.5، و1.7، و1.9)، لكن القانون سيكون دائرة واحدة لكل محافظة وليس متعدد الدوائر".
في المقابل، رجح المحلل السياسي ماهر جودة في حديث مع "العربي الجديد"، أن تدفع العودة لقانون الانتخابات السابق "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى ترك عزلته السياسية وتحريك أنصاره في الشارع العراقي لمنع تمرير هذا القانون، كونه يدرك جيداً أن هذه الخطوة تأتي من أجل استهداف مستقبل الصدريين السياسي والانتخابي".
واستدرك أن ذلك أيضاً قد "يدفع إلى عودة التظاهرات الرافضة لهذا القانون من قبل تنسيقيات تشرين والناشطين وحتى جماهير القوى السياسية الناشئة".
وأضاف أن "الأيام المقبلة ربما تشهد تغييرات سياسية بسبب العودة لقانون الانتخابات السابق وفق نظام سانت ليغو، خصوصاً أن هذا القانون عليه رفض حتى من قبل أطراف داخل ائتلاف إدارة الدولة، وخصوصاً حلفاء الصدر السابقين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم".