كهرباء الأمل... إلى متى يظل العراق مظلما؟

آخر تحديث 2023-02-18 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

تعددت الحكومات والأزمة واحدة، هكذا يصف العراقيون مشكلة نقص ساعات التيار الكهربائي في #بلاد_الرافدين على رغم إنفاق أكثر من 81 مليار دولار على القطاع وتوجه السلطات إلى التعاقد مع الشركات العالمية و#الربط_الكهربائي مع دول الجوار.

ويبدو أن الأزمة مستمرة خلال الصيف المقبل، بحسب خبراء اقتصاديين، إذ سيعاني العراق نقصاً حاداً في التيار الكهربائي، بخاصة مع اعتماد سكان البلاد على المولدات الأهلية.

يحتاج العراق من 25 إلى 30 مليون متر مكعب غاز يومياً لتشغيل المحطات الإنتاجية التابعة لوزارة الكهرباء، وبحسب متخصصين يخسر البلد سنوياً نحو 40 مليار دولار بسبب نقص إنتاج الطاقة، وتشمل الخسائر هذه الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشكلات الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للكهرباء.

يؤكد متخصصون في الشأن الاقتصادي أن ليس هناك حل لمشكلة الطاقة الكهربائية في الأمد القريب ما لم يتم تطوير الإنتاج المحلي من خلال إنشاء محطات توليد جديدة والعمل على استثمار الغاز المصاحب والطبيعي من أجل توفير وقود التشغيل للمحطات، إضافة إلى المضي قدماً في مشروع الشبكة الذكية. 

دعم ملف الطاقة 

أعلن المكتب الإعلامي لمجلس الوزراء في 9 فبراير (شباط) الجاري عن توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الكهرباء وشركة "جنرال إلكتريك" الأميركية، وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جدية الحكومة في دعم ملف الطاقة.

وذكر بيان للمكتب أن "وزارة الكهرباء وقعت مذكرة تفاهم مع شركة جنرال إلكتريك الأميركية برعاية السوداني في إطار البرنامج الحكومي الذي يهدف إلى تطوير قطاع الكهرباء في العراق".

وأضاف أن "المذكرة تضمنت محاور أساسية عدة ستسهم في تطوير المنظومة الكهربائية في مجال الإنتاج وزيادة كفاءته والنقل والصيانة وخفض انبعاثات الكربون لدعم تحول الطاقة في البلاد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكد رئيس الوزراء "جدية الحكومة في تقديم الدعم الكامل لوزارة الكهرباء من أجل رفع مستوى الإنتاج وصيانة المحطات بما يسهم في معالجة مشكلة التيار الكهربائي والتخفيف من معاناة المواطنين".

وأشار البيان إلى أنه "في ضوء المذكرة سيتم التعاقد على أعمال الصيانة الطويلة الأمد لمدة خمسة أعوام لإدامة عمل وحدات إنتاج الطاقة التي تم تجهيزها من الشركة، إلى جانب زيادة كفاءة عمل وحدات إنتاج الطاقة العاملة حالياً من خلال تحديث المنظومات الملحقة بها وإنشاء محطات جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية على مراحل تتناسب مع الوقود المتوافر والتمويل".

ونوه البيان إلى أن "المذكرة تضمنت أيضاً إجراء الدراسات لاستغلال الغاز المصاحب وتنفيذ عدد من المحطات الثانوية سعة ’400 و133 كي في‘ مع ارتباطاتها في مختلف محافظات العراق وإنشاء مركز لمراقبة أداء الوحدات التوليدية ومركز تدريب للكوادر العاملة في وزارة الكهرباء لتطوير قدراتهم الفنية".

وكانت وزارة الكهرباء وقعت مذكرة تفاهم مشتركة مع شركة "سيمنز" في مراسم جرت بالعاصمة الألمانية برلين في إطار الزيارة الرسمية للسوداني خلال الشهر الماضي.

ووقع المذكرة من الجانب العراقي وزير الكهرباء زياد علي فاضل، ومن جانب "سيمنز" الرئيس التنفيذي للشركة كريستيان بروخ.

وتنطوي مذكرة التفاهم على جملة من الفقرات الأساسية التي تشكل خريطة عمل لتطوير منظومة الكهرباء في العراق.

وفي ضوء المذكرة، تعمل شركة "سيمنز" بالتنسيق مع وزارة الكهرباء على وضع خطة متكاملة لمنظومة الكهرباء بشكل عام تتضمن حلولاً للمشكلات، كما تقوم الشركة بإنشاء محطات توليد جديدة.

وبحسب مذكرة التفاهم ستقدم شركة "سيمنز" دراسة متكاملة للعراق، تتضمن الكيفية التي تتم فيها الاستفادة من الغاز المصاحب في دعم وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.

كما تضمنت المذكرة توقيع اتفاق طويل الأمد لصيانة وتأهيل الوحدات العاملة في العراق التي أنشأتها "سيمنز"، فضلاً عن تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة وإنشاء محطات تحويل في عموم مناطق البلاد، إلى جانب تطوير وتأهيل كوادر وزارة الكهرباء ونقل الخبرات.

الغاز الإيراني محدود

في الأثناء، أكدت وزارة الكهرباء أن ما يضخ من الغاز الإيراني محدود، مشيرة إلى حاجتها لـ30 مليون متر مكعب يومياً لتغذية محطاتها الإنتاجية.

وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى في تصريح صحافي إنه "بعد الانتهاء من أعمال صيانة أنبوب الغاز بالجانب الإيراني لمدة 12 يوماً عاودت طهران ضخ الغاز مرة أخرى منذ صباح الثلاثاء الماضي ما بين 7 و10 ملايين متر مكعب يومياً"، مبيناً أن "هذه النسبة غير كافية لتشغيل محطات الإنتاج ولا تسد الحاجة".

وأضاف أن "الكمية القليلة أثرت سلباً في ساعات التجهيز ولكن بالمجمل فإن عملية تجهيز الكهرباء حالياً أفضل مما كانت عليه قبل أيام، بحيث أسهمت معاودة ضخ الغاز بالنسب الحالية في تشغيل جزء من محطة بسماية ودخولها للعمل بواقع 2300 ميغاواط بعد أن كانت متوقفة بالكامل نتيجة توقف الغاز حال الصيانة".

وأكد أن "ما نحتاج إليه من الغاز هو بحدود 25 إلى 30 مليون متر مكعب يومياً لتشغيل محطاتنا الإنتاجية الكهربائية"، لافتاً إلى أن "زيارة وزير الكهرباء إلى إيران تضمنت اتفاقاً مبدئياً على معاودة ضخ الغاز وزيادة كمياته خلال الفترة المقبلة".

وكانت وزارة الكهرباء كشفت في 29 يناير (كانون الثاني) الماضي عن توقف إمدادات الغاز المورد بشكل كامل ولمدة 12 يوماً عن محطات الإنتاج لأغراض صيانة أنابيب نقل الغاز، بحسب الجانب الإيراني، مشيرة إلى أن ذلك تسبب في خسارة 7500 ميغاواط من المنظومة في بغداد والمناطق الوسطى والفرات الأوسط.

يقول الباحث الاقتصادي بسام رعد إن المنظومة الكهربائية في العراق تعاني مشكلات عدة مثل نقص وقود التشغيل، إضافة إلى مشكلات في سلسلة الحلقات المترابطة المتمثلة في الإنتاج والتوزيع والنقل والضائعات والجباية، وانعكست تلك المعوقات على زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين. 

ويضيف "تشير بعض التقديرات إلى أن العراق بحاجة إلى 14 ميغاواط لضمان التشغيل المستمر على مدى 24 ساعة، وعلى رغم توقيع عقد لتنفيذ مشروع الربط الكهربائي بين هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية العراق لتلبية جزء من الطلب على الطاقة الكهربائية وتحسين أداء المنظومة الكهربائية في البلاد، فإنه لا يوجد حل لمشكلة توفير الطاقة الكهربائية في الأمد القريب ما لم يتم تطوير الإنتاج المحلي من خلال إنشاء محطات توليد جديدة والعمل على استثمار الغاز المصاحب والطبيعي من أجل توفير وقود التشغيل للمحطات، إضافة إلى المضي في مشروع الشبكة الذكية من خلال توظيف التكنولوجيا الرقمية لتزويد المستهلكين بالكهرباء.

خسائر سنوية

إلى ذلك، اعتبر أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أنه "منذ تغيير النظام في 2003 وحتى الآن والعراقيون يسمعون من جميع رؤساء الوزراء أنه ستتم معالجة ملف الكهرباء في البلاد الذي بات يشكل عقدة كبيرة أمام كل حكومة تتسلم دفة الأمور، بحيث تم صرف مبالغ هائلة لإنتاج الطاقة الكهربائية من دون فائدة كبيرة".

ويضيف "في عام 2021، قال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إن العراق أنفق نحو 81 مليار دولار على قطاع الكهرباء وهو إنفاق غير معقول من دون أن يصل إلى حل المشكلة من جذورها".

وأوضح أن المشكلة الأكبر هي أن المبالغ التي صرفت على الكهرباء قد تصل إلى أكثر من هذه الأرقام، وإن صحت الأرقام فإنها تكفي لتوليد كهرباء أكثر من ضعفي الطاقة التي يحتاج إليها البلد.

ونوه بأن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميغاواط، بحسب وزارة الكهرباء العراقية، لكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفاعلة.

من الناحية الاقتصادية، بحسب السعدي، فإن المبالغ المصروفة على الكهرباء ليست وحدها الخسارة الكبيرة التي يتحملها العراق بسبب نقص إنتاج الطاقة، لأنه يخسر سنوياً نحو 40 مليار دولار هي حجم الأموال الكبيرة التي يصرفها العراقيون على شراء الطاقة، والخسائر في قطاعات الصناعة والزراعة والمشكلات الصحية التي يسببها الانقطاع المستمر للتيار.

ولفت إلى أن "الصناعة العراقية متوقفة بشكل كامل تقريباً بسبب نقص إنتاج الطاقة وكلفة التوليد الكبيرة، كما تزيد الطاقة كلفة هائلة على المستثمرين، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، إضافة إلى أن العراقيين يدفعون سعر الأمبير الواحد إلى أصحاب المولدات بنحو 20 دولاراً شهرياً، إلى جانب كلفة متوقعة للصيانة".

وزاد "يكفي الأمبير الواحد لتشغيل مروحتين ويحتاج المنزل المتوسط إلى 10 أمبيرات من الطاقة لتشغيل الأجهزة الأساسية مثل الثلاجات والمراوح، وبحسبة بسيطة في المعدل التقديري يصرف العراقيون مليار دولار شهرياً لشراء الطاقة باحتساب أن هناك 10 ملايين منزل في البلاد يصرف كل منها 100 دولار فقط شهرياً، وهذا المبلغ قد يكون أكبر، أي إن ما يصرفه العراقيون على المولدات خلال عامين فقط كفيل بحل مشكلة الكهرباء في جميع البلاد حتى لو تغاضينا عن الهدر الحكومي الكبير في أموال المشاريع، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية التي ذكرت".