مؤيدون للصدر بمدينة الصدر، شرق بغداد، أكتوبر الماضي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
يواصل زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر مقاطعته للعملية السياسية في العراق، للشهر الثامن على التوالي، منذ قراره منتصف يونيو/حزيران الماضي، سحب نواب كتلته من البرلمان (المنتخب في أكتوبر/تشرين الأول 2021)، وتعليق عمل الهيئة السياسية في "التيار الصدري"، ووقف جميع أشكال الأنشطة السياسية لأعضاء التيار، بالإضافة إلى تعليق اللقاءات مع باقي القوى السياسية في البلاد.
أطول اعتزال للتيار الصدري
اعتزال الصدريين للعملية السياسية ليس الأول من نوعه، إذ تكررت قرارات الانسحاب والعودة للتيار مرات عدة سابقة، لكن هذه المرة هي الأطول زمنياً منذ انخراطهم في العملية السياسية في إطار "التيار الصدري"، عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. في غضون ذلك، يواصل مقتدى الصدر الظهور بشكل متقطع بين فترة وأخرى، منذ قراره الانسحاب من المشهد السياسي، عبر بيانات تتناول بالعادة قضايا دينية، كان آخرها مطالبته السعودية بإيقاف عرض مسلسل تلفزيوني يتناول أحداثاً تاريخية، وذلك في 14 فبراير/شباط الحالي.
تعرض التيار الصدري منذ تأسيسه في عام 2003 إلى انشقاقات كبيرة عدة
كما تواصل قيادات الصف الأول في "التيار الصدري" مقاطعة الظهور الإعلامي ورفض الإدلاء بأي تعليق سياسي، وهو ما دفع إلى ظهور شخصيات صدرية ثانوية في المشهد، تقدم نفسها على أنها من القواعد الشعبية للتيار.
وتتعدد التكهنات حول احتمال عودة الصدر إلى المشهد السياسي مرة أخرى، من بوابة انتخابات مجالس المحافظات المقررة في أكتوبر المقبل، أو إمكانية تدخله لإجهاض تمرير مشروع قانون الانتخابات المدعوم من خصومه الرئيسيين في تحالف "الإطار التنسيقي"، أو احتمال عودته للمشهد من بوابة انقلاب حكومة محمد شياع السوداني على تعهداتها في إجراء انتخابات مبكرة العام المقبل.
في غضون ذلك، يتصاعد الحديث داخل الأروقة السياسية في بغداد والنجف منذ أيام، عن تصدي زعيم التيار الصدري، في الوقت الحالي، لـ"مخطط ممنهج لإضعاف تياره من الداخل وشعبياً".
وفي هذا الإطار، تحدثت مصادر عراقية لـ"العربي الجديد"، عن مساعٍ لأطراف سياسية حليفة لإيران في العراق، أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وزعيم جماعة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، لإضعاف التيار الصدري داخل معاقله التقليدية جنوب ووسط البلاد، من بينها جهود لكسب مؤثرين وشخصيات فاعلة داخل التيار في المدن والمحافظات التي ينشط فيها، بمن فيهم أعضاء مهمون ضمن الجناح المسلح للتيار.
وتعرض التيار الصدري منذ تأسيسه في عام 2003، إلى انشقاقات كبيرة عدة، أبرزها بين عامي 2005 و2009، انتجت عدداً من الفصائل المسلحة، تعمل جميعها ضمن المعسكر المدعوم من إيران، أبرزها جماعة "عصائب أهل الحق" بزعامة الخزعلي الذي عُرف في بداياته كأحد مرافقي الصدر، وكذلك جماعة "النجباء" بقيادة أكرم الكعبي، و"جيش المؤمل" بقيادة سعد سوار، وجماعة "التيار الرسالي" بقيادة جلال الشحماني، وجماعة "أبو الفضل العباس" بقيادة أوس الخفاجي، إلى جانب انشقاق قيادات وشخصيات أخرى والتحاقها بجماعات أخرى، أبرزها "كتائب حزب الله".
أطول دعاية انتخابية للإطار التنسيقي
وتحاول قوى "الإطار التنسيقي"، إثبات خطأ ما تبناه الصدر في رفض حكومات المحاصصة، وضرورة تشكيل حكومة أغلبية، من خلال قيام التحالف بدفع رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، إلى سلسلة من القرارات النفعية المادية على المناطق الجنوبية والوسطى تحديداً، والتي خسرت فيها قوى "الإطار" أمام الصدريين في الانتخابات الأخيرة.
واعتبر نائب سابق في البرلمان العراقي عن محافظة كربلاء، بأن هذا المسعى هو "أطول دعاية انتخابية لتكتل سياسي، بدأ بها منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة السوداني"، مضيفاً في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "إجراءات حكومة السوداني تستهدف خلق حالة رضى على قوى الإطار التنسيقي، وهناك استعراض واضح في هذا الخصوص من قبل وزراء تابعين للإطار التنسيقي".
تحاول قوى "الإطار التنسيقي" إثبات خطأ ما تبناه الصدر في رفض حكومات المحاصصة
وتحدث مسؤول سياسي آخر في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بـ"مساعي تستهدف إضعاف الصدريين منذ تشكيل حكومة السوداني من قبل "الإطار التنسيقي"، نهاية أكتوبر الماضي"، مبيناً "استهداف معاقل التيار الصدري جنوب ووسط العراق بالوظائف والامتيازات، وإطلاق مشاريع ضخمة فيها، تكاد تكون أكثر من تلك التي المناطق التي حصل فيها الإطار التنسيقي على أصوات في الانتخابات الأخيرة، وتصب في إطار مساعي مزاحمة الصدريين في قواعده الشعبية".
وأضاف المسؤول أن هذه المحاولات تجري إلى جانب "هيمنة متواصلة لقوى الإطار التنسيقي على المفاصل الوزارية والمؤسساتية التي تعتبر من نصيب القوى الشيعية وفقاً لنظام المحاصصة على حساب الصدريين"، معتبراً أن "بيان المرجع الديني كاظم الحائري، ضد الصدر وانتقاده بشكل مباشر (أغسطس/آب 2022) كانت أولى محاولات إضعاف الصدر دينياً داخل الحوزة ودفع الشخصيات المحسوبة على والده المرجع الراحل محمد الصدر بالتوقف عن دعم مقتدى الصدر".
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت هذه المساعي تتم بضوء أخضر إيراني، لإضعاف ظاهرة "التيار الصدري" شعبياً، علماً أن هذه الظاهرة متحفظة على الدور الذي تمارسه طهران في العراق، قال المصدر، إن "الحرس الثوري الإيراني لم يكن يوماً على علاقة سيئة مع الصدر أكثر مما هي الآن، وخصوصاً قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني الذي فشل في إقناع الصدر خلال الأزمة الأخيرة التي أعقبت الانتخابات، لذا قد يكون ضمنياً موافقاً على إضعاف طرف شيعي على حساب الآخر، المتمثل بقوى محددة داخل الإطار التنسيقي".
وتواصلت "العربي الجديد" مع عصام حسين، الذي يقدم نفسه لوسائل الإعلام المحلية كأحد الناشطين في التيار الصدري. وقال حسين لـ"العربي الجديد"، إن قوى "الإطار التنسيقي تدير الدولة بعقلية عام 2006، وهي طريقة الاستحواذ الحزبي على المناصب ضمن فكرة إزاحة الخصوم، رغم أن هذه العقلية لا تسهم إلا برفع حجم الغضب الشعبي".
وأضاف حسين أنه "على عكس ما يجري الحديث عنه سياسياً بشأن محاولات تفتيت التيار، فإن هناك تناغما كبيرا ما بين الفواعل السياسية من خارج التيار الصدري مع الخطاب الصدري والرؤية لإدارة الدولة".
واعتبر حسين، أن "اللاعب الأساسي حالياً، هو الأميركي لأنه يتحكم بالاقتصاد، (يعني إجراءات الفيدرالي الأميركي المفروضة على المصرف المركزي العراقي)". وبرأيه، فإن "لدى واشنطن أوراقاً تستطيع من خلالها الحصول على تنازلات من قبل قوى الإطار التنسيقي الذي يعاني من انشطاره ما بين من يريد التنازل لأميركا، ومن يريد إرضاء إيران".
تتحدث مصادر عن استهداف معاقل التيار الصدري جنوب ووسط العراق بالوظائف والامتيازات من قبل الإطار التنسيقي
واعتبر حسين أن "الإطار التنسيقي اليوم هو في أضعف حالاته بسبب الشروط الأميركية، وأن إيران باتت تعرف أن انسحاب الصدر من البرلمان أضعف الوضع الشيعي في عموم العراق وأضعف الإطار التنسيقي، ولم يُسهم بتقويته".
من جهته، نفى عضو "الإطار التنسيقي"، والنائب في البرلمان محمد الصيهود، وجود أي محاولات تستهدف التيار الصدري، معتبراً أن "الإطار التنسيقي لا يدخل في معارك غير شريفة مع التيار الصدري، بل أن الإطار ينتظر الانفراجة من أجل أن تكون هناك تفاهمات مع الصدريين كونهم شركاء في الوطن والعمل السياسي والدين". واعتبر أنه ينبغي "على من يتحدث عن هذه الأدوار الشريرة مع التيار أن يقدم دليله".
وأشار الصيهود في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "الإطار التنسيقي سعى إلى عدم انسحاب الصدر من العملية السياسية، لأن في ذلك مشاكل سياسية قد تظهر في المستقبل، لكن الصدر أصرّ على قراره ولم يكن أمامنا إلا احترامه، لكن أن يكون الإطار عنصراً من عناصر تفتيت التيار الصدري فهذا الكلام فيه تجن كبير".
بدوره، بيَّن المحلل السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت في كربلاء غالب الدعمي، أن "التيار الصدري قد يكون تضرر بعض الشيء من جراء الانسحاب من العملية السياسية، لكن ليس على مستوى جماهيره الثابتة والموالية للصدر ولوالده (المرجع محمد صادق الصدر)، إنما من الجمهور المؤيد والمتعاطف مع الصدر، الذي يوصف بالمتأرجح وغير الثابت، الذي عادة ما يعتمد على المواقف ويتغير بتغييرها".
ورأى الدعمي في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "عودة التيار الصدري إلى العمل السياسي غير مستبعدة، وربما يرشح أشخاصاً صدريين غير معروفين للظهور في المستقبل، أو يرشح قائمة منفردة وبديلة عن قائمة التيار الصدري الصريحة، وفي الحقيقة لا نعرف ماذا سيحدث، كما أننا لا نملك تصورات كافية لاعتبار أن العودة ستكون قوية أم ضعيفة".
(شارك بالتقرير من كربلاء محمد علي)