قرارات قضائية متضاربة قد تنسف جهود الحوار في إقليم كردستان

آخر تحديث 2023-02-23 00:00:00 - المصدر: اندبندنت عربية

دخلت الأزمة السياسية في إقليم كردستان العراق منعطفاً جديداً بعد صدور #قرارات_قضائية متتضاربة بين أربيل وبغداد حول الصراع الدائر على زعامة حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، والتي باتت تهدد بنسف جهود الحوار المدعومة أميركياً داخل البيت الكردي، فيما صدرت تحذيرات من نفاذ الوقت أمام القوى لحسم خلافاتها بغية الاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الحالي، وكان زعيم "الاتحاد" بافل #طالباني أبعد نجل عمه لاهور شيخ #جنكي عن رئاسة الحزب لمشاركته في أحداث ما يعرف بالثامن من يوليو (تموز) 2021 إثر تفاقم الخلاف بين الطرفين على ملكية الحزب، مما دفع جنكي الذي كان حصل على أعلى الأصوات في المؤتمر الرابع للحزب عام 2020 إلى رفع دعاوى قضائية لدى المحاكم في #الإقليم و#بغداد، متهماً بافل بتنفيذ "انقلاب أبيض" فارضاً سيطرته المطلقة على قرارات الحزب.

وألقى صراع الأقطاب داخل "الاتحاد" بظلاله على الخلافات المزمنة مع الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود #بارزاني على صعيد إدارة حكمهما المشترك للإقليم، في خضم تنافس محتدم خاضاه على المناصب الاتحادية بموازة انهيار اتفاقاتهما المبرمة على صيغة تقاسم الإيرادات والنفوذ، لتصل حد إعلان فريق حزب طالباني في الحكومة مقطاعة اجتماعات مجلس الوزراء.

عودة عبر مفترق طرق 

وفي موقف مفاجئ أعلن جنكي في خطاب متلفز مساء أمس الأربعاء أنه سيعاود ممارسة صلاحياته كرئيس مشارك، "استناداً إلى النظام الداخلي للحزب"، وشدد على أنه "سيكون جزءاً من حل الخلاف داخل الحزب على رغم التهم الواهية والظالمة التي كيلت ضدي وما جرى من خروقات، لكنني صبرت تقديراً لدماء ضحايا الحزب الذين يفوقون 25 ألفاً".

وتابع، "لقد أثبت براءتي عبر قضاء الإقليم، وإذا رفض الرفاق خطوتي فعندها سيتعين عليّ أن أعمل تحت اسم حزب الاتحاد، وهو ما لا أتمناه"، كما لوح باللجوء إلى صناديق الاقتراع "التي ستظهر من الذي يحظى بالشعبية الأكبر".

وأعرب شيخ جنكي عن قلقه "من الضعف غير المسبوق الذي أصاب الاتحاد وتدهور ثقله المحلي والدولي"، مشيراً إلى "القلق الذي يساور الدول من الأزمة السياسية في الإقليم"، وختم خطابه بالتحذير من "ذهاب الأوضاع عموماً وبسبب الأنانية السياسية نحو الانسداد، واضعة كيان الإقليم أمام خطر حقيقي".

تضاد في القرارات القضائية

هذا الموقف جاء في أعقاب توجيه محكمة استئناف أربيل الخاضعة لنفوذ حزب بارزاني كتاباً إلى "الاتحاد" أكدت فيه أن النظام الداخلي للأخير "يلزم وجود رئيسين مشاركين وفقاً لمقررات المؤتمر الرابع للحزب"، كما وجهت كتاباً مماثلاً إلى مفوضية الانتخابات الاتحادية وشؤون التنظيمات السياسية ومحكمة في بغداد، في خطوة وصفها مجلس قيادة "الاتحاد" بأنها "تمثل تدخلاً في الشؤون الداخلية للحزب، وهذا خط أحمر"، وهدد في بيان "باتخاد خطوات سياسية وقانونية ضد أي تدخل"، مؤكداً أن "جميع الطعون حسمت قانونياً لمصلحة بافل طالباني"، ومستنداً إلى رد مجلس القضاء الأعلى الاتحادي في بغداد أول من أمس بخصوص طعن كان تقدم به جنكي حول قرار فصله من الحزب، وجاء في القرار "يوافق أحكام القانون استناداً إلى المادتين (19) و (20) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019".

وسبق أن أوردت تسريبات صحافية أن طالباني الذي كان أجرى محادثات مع عدد من قادة القوى الشيعية المتنفذة في بغداد، حذر من "صدور أي قرارات قضائية لمصلحة شيخ جنكي، مما سيدفعه إلى الانسحاب من بغداد".

التسويف يهدد الانتخابات

وفي الأثناء حذر قادة سياسيون من أن الوقت آخذ بالنفاد أمام الحزبين لوضع خريطة طريقة لإنهاء الخلافات والتمهيد لإجراء انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الحالي، في وقت يؤكد فيه مسؤولون لدى مفوضية الانتخابات حاجتهم إلى ما لا يقل عن ستة أشهر لإجراء التحضيرات، على رغم تأكيدات "تحقيق تقارب بين الأطراف لتخطي بعض العقبات التي تعترض عملية الانتخابات، ومنها الإجماع على اعتماد قانون نظام الدوائر المتعددة، إذ شدد دلشاد شهاب مستشار رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني على أن "موعد الانتخابات لا يمكن بأي حال أن يجتاز شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل".

ويرى مراقبون أن هذه الانعطافة ستكون لها انعكسات سلبية على فرص الحوار الذي تدعمه الإدارة الأميركية مما قد يفاقم حال المماطلة ويدفع باتجاه اتساع الشرخ والمضي في فرض سياسة "لي الأذرع" لانتزاع تنازلات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صراع متوارث

ويرى المحلل ياسين طه أن "هذا الوضع الجديد في الاتحاد سيعقد الأزمة بين الحزبين، لأن الاتحاد ينظر إلى القرارات القضائية الصادرة من أربيل بأن فيها ناحية سياسية، بخاصة أنها صدرت من محكمة أمنية وليست متخصصة في شؤون الأحزاب، على رغم أن الديمقراطي أكد عدم تدخله في شؤون الإجراءات القضائية".

وأضاف أن "الجولة الأولى من المحادثات بين الحزبين في السليمانية والتي جاءت تحت ضغط أميركي أسهمت في كسر الجليد، لكن التوتر الأخير سيقوض جهود الحوار على المدى القصير، وسيفضي إلى مزيد من التعقيد على المشهد الآيل للانتكاسة".

ويعتقد طه أن "المشهد الكردي بات أمام متغيرات جديدة وغير مسبوقة في ظل تصدر الجيل الثاني من القيادات، ولا يمكن مقارنة ما يحصل اليوم بالحال التي كانت سائدة قبل عام 2012، ويبدو واضحاً أن التوتر يتصاعد بفعل مسعى كل طرف إلى فرض موقعه ضمن الخريطة السياسية الكردية الجديدة، إذ يحاول الاتحاد استعادة موقعه في المعادلة التي يهيمن على معظم مفاصلها حزب بارزاني، مستنداً إلى أوراق قوته وعلاقاته محلياً ودولياً".

وحول ما إذا كانت جهود الوساطة الأميركية فشلت في تحقيق نتائج، قال إن "الأميركيين لم يضغطوا بشدة حتى الآن، صحيح أنهم يمتلكون الأدوات لفرض سياستهم وبخاصة على الساحة الكردية، لكن من الواضح أن الموقف لا يزال يقتصر على عدم الرضى إلى حد الاندهاش من هذا الواقع، على وفق ما يصدر من مواقف".

انقلاب ضد الكيان

ويخيم على الإقليم حال من القلق جراء تزياد الأخطار على "مكتسبات وكيان الإقليم الدستوري"، وهذا بدا واضحاً في أعقاب نشر إحدى الصحف في بغداد السبت الماضي نتائج استطلاع كانت أجرته شركة كردية متخصصة "بالاستفتاء والتحليل"، وأظهر "وجود رغبة شعبية كردية بحل كيان الإقليم والعودة للسلطة الاتحادية"، مما أثار استنكاراً رسمياً حكومياً وحزبياً لكونه انتهاكاً للمبادئ الدستورية الفدرالية، في حين حمل سياسيون وإعلاميون معارضون الحزبين الحاكمين مسؤولية التغيرات التي حصلت في المزاج العام لدى الرأي العام الكردي نتيجة "صراعاتهما وعدم القضاء على الفساد والتردي المتفاقم على المستوى المعيشي والخدماتي"، وانعكسات ذلك على تراجع الثقل الكردي في المفاوضات حول استحقاقات الإقليم مع حكومة بغداد.

القضاء يفتقد الاستقلالية

من جهته يعزو المحلل سامان نوح أزمة جنكي إلى وجود تداخل بين قرارات السلطتين التنفيذية والقضائية، بالقول إنه "من المعروف أن القضاة يعينون من قبل الحزبين الحاكمين، وبالتالي فإن تأثير الحزبين على إصدار الأحكام القضائية في القضايا ذات الخلفية السياسية والإدارية له وقعه المباشر، وعليه يمكن فهم ما صدر عن محاكم أربيل بأنه موقف مرتبط برغبة الحزب الديمقراطي في تأزيم الخلاف داخل قيادة الاتحاد الوطني في محاولة لزيادة الضغوط عليه، وهذا سيغضب الاتحاد الذي قد يذهب إلى أبعد من مقاطعة اجتماعات الحكومة باتجاه ترسيخ توجهاته الأحادية على حساب القرارات الحكومية"، مضيفاً أن "عمق الخلاف بات كبيراً ولم يعد مقتصراً على الملفات السياسية والانتخابية والاقتصادية، بل امتد إلى الملفين الأمني والقضائي، وهذا يحمل دلالات خطرة على مستوى الانقسام الإداري المتزايد، وأصبحنا أمام حرب لانتزاع تنازلات بكل السبل على رغم أن الكل يعلم بأن العملية الانتخابية لا يمكن أن تقام من دون تسوية سياسية مسبقة في معظم الملفات الخلافية".

ويتفق نوح مع رؤية أن الضغط الأميركي على قرارات القيادات الكردية في ما يتعلق بأزمة الإقليم لا يزال ضعيفاً، وقال إنه "لم يعد لنصائح وتوصيات الفاعلين الدوليين في الملف العراقي وقع مؤثر في الإقليم لأسباب شتى، نتيجة تسيد فكرة فرض الأمر الواقع لدى القيادات الجديدة في الحزبين، مما يضع اللاعبين الدوليين في موقف التسليم بهذا الواقع حتى وإن لم يكن متوافقاً مع توجهاتهم في ما يتعلق بالضرر الذي سيلحق بالعملية الديمقراطية والتعددية السياسية والهياكل المؤسساتية في الإقليم".