المدونة العمياء عن المحتوى الهابط في العراق

آخر تحديث 2023-03-15 00:00:00 - المصدر: شفق نيوز

2023-03-15T14:16:24.000000Z

ثمة كذبة كبيرة متداولة في العراق منذ أيام بهيئة مزحة اسمها “محاربة المحتوى الهابط” بصفتها بندًا مضمونًا في تقاليد الدولة وجزءًا من ديمقراطيتها! فإذا كان العالم يعيش خلافًا سامًا بشأن المحتوى الرقمي فإنه في العراق يتحول إلى مجرد اسم بمضمون هش.

دعونا نقتبس هذا المثال، ليس لأنه الأهم، بل لأنه الأكثر تعبيرًا عن هشاشة المحتوى الهابط في صناعة الخطاب السياسي في العراق اليوم.

فقد وضع أحد مذيعي القناة الحكومية الرسمية في العراق رهانا مع زملاء له، عبّر فيه عن مقدرته على استخدام مفردة في غاية الوضاعة في برنامجه التلفزيوني الذي يبث على الهواء مباشرة من القناة الحكومية!! وبالفعل نجح باستخدام تلك الكلمة المشينة ليعبر بصلف عن وضاعته الشخصية بالتوازي مع انهيار منظومة القيم السياسية والإعلامية في “العراق الديمقراطي”.

ربح هذا النموذج الإعلامي الحكومي مبلغ الرهان، لكنه على الجانب الآخر تكلل بالعار الشخصي وعبر عن مزيج من الانتهازية وفقدان الضمير والترويج الذاتي الذي لا هوادة فيه.

ماذا حصل بعدها حيال تلك الفضيحة الأخلاقية المعبرة بامتياز عن المحتوى الهابط التي بُث من القناة الحكومية على الهواء مباشرة؟

لا شيء على الاطلاق، فقد تُرك هذا المذيع على حاله، لكنه أرتقى بعدها إلى درجة أعلى في تقديم المحتوى الرث عبر قناة أخرى ناطقة باسم احدى الميليشيات الولائية، وتحول خطابه باستخدام المفردات الشنيعة، الى خطاب أكثر بذاءة في بث الكراهية الطائفية بين العراقيين، الأمر الذي ساعده في الوصول الى مجلس النواب!

الوجه التلفزيوني البذيء صاحب رهان الكلمة “الشنيعة” التي استمع اليها العراقيون من القناة الحكومية في مرتبة “عضو” بمجلس النواب.

لا توجد أي مفاجأة في ذلك! “الفيديو البذيء للمذيع السابق والبرلماني اللاحق مازال متاحا على يوتيوب”.

لم أقتبس هذا المثال، في مناسبة الكلام المتصاعد في العراق بشأن المحتوى الهابط، لأنه وحده الشائن والمستفز، فهناك كم هائل بما يماثله ينطلق بشكل يومي مستمر من السياسيين والبرلمانيين وخطباء المنابر الطائفية، يكفي تصفح حساب بعض أعضاء مجلس النواب للاطلاع على بذاءة الشتائم وركاكة التعبير.

ذلك مثال مكرر عن الخزي الذي يتكلل به خطاب هو الأردأ في التاريخ السياسي والاجتماعي للعراق.

فما معنى الدعوات الحكومية في إعلان “مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي” غير أنها تريد تفسير هذا المحتوى وفق مزاج سياسي أعمى، وإلا هل يوجد محتوى شائن أكثر من الصراخ الطائفي للنائبة حنان الفتلاوي، بل هل ثمة ما يصل الى المستنقع الآسن للمحتوى الهابط الذي مثله كلام نوري المالكي بشأن جيش الحسين وجيش يزيد؟ ثم هل بمقدور السلطات الحكومية في العراق أن تعدنا بإنقاذ المجتمع العراقي من المحتوى الهابط للنحيب الطائفي المستمر بالبث التلفزيوني؟

بلا شك هناك جيوش من الحمقى والأميين يسرحون في مواقع التواصل الاجتماعي يعبرون عن أنفسهم بطريقة سطحية فظة، لكن أي خطر يشكلونه هؤلاء حيال ما يبثه “رادود” وهو يستفز العقائد بطريقة شنيعة مليئة بالشتائم؟

المحتوى الهابط اليوم ليس الكم المفتوح من العبث والتهريج على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل “المواطن الصحافي” وحده، لأنه نتاج “تربية إعلامية” وحكومية ومجتمعية فاسدة سادت في العراق منذ عام 2003. بل في الخطاب السياسي الصادر ممن يمثل الحكومة نفسها التي تزعم بمحاربة المحتوى الهابط.

عبث وتهريج “المواطن الصحافي” يسميه بيتر لونت أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة ليستر بـ “الصدام بين ثقافات الإعلام السياسي على الإنترنت وخارجه” عندما يلفت الأفراد في تعليقاتهم على الإنترنت الانتباه إلى حججهم السياسية والثقافية من خلال الصراخ بصوت أعلى والتأكيد على آرائهم بعبارات أقوى من أي وقت مضى. لكننا بحاجة إلى تسمية موازية حيال خطاب أردا من ذلك العبث صادر عن سياسيين وبرلمانيين وخطباء منابر.

خطر المحتوى الهابط الحقيقي يمثله “العقل القبوري” السائد في العراق، والكلام الفظ المنطلق من السياسيين، الذي يجعل من وطنية العراقيين في الهامش لحساب تصنيفات طائفية وقبلية وعرقية ضيقة. كما هو الخطاب الصادر من فضائيات الميليشيات والأحزاب الحاكمة في العراق التي صارت تتبوأ أعلى المراتب في التسبب بالضرر الوطني والمعرفي والذوقي.

يوجد تعبير متصاعد عن السخط حيال ما يقدم على وسائل الاعلام الحكومية والحزبية والطائفية المرئية والرقمية في العراق، عندما يهبط الخطاب التلفزيوني إلى مستوى ركيك من التعبير ويعجز عن صناعة الأفكار ويدور على المكرر والمستهلك، ذلك يعني أنها لا تبالي بالغثيان الذي تسببه للجمهور.

ومن حسن حظ ألان سيبينول مؤلف كتاب “تمت تلفزة الثورة” أنه لم يشاهد تلك القنوات الطائفية في العراق، وإلا لتراجع عن تبرير اندفاعه وراء الثورة التلفزيونية.