2023-03-16T20:52:58.000000Z
يبدو أن الأجندة الإيرانية سُقطّ في يدها تجاه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني وخسرت أوراق الضغط التي كانت تستخدمها ضد رؤساء الحكومات السابقين لتمرير مصالحها عبرهم سواء بالترهيب أو الترغيب، لكنها لم تعد تمتلك ورقة سياسية ضاغطة على السوداني لترويضه وضمه إلى "حظيرتها" فاختارت ورقة التأزيم العاطفي في محاولة لقلب جزء من الشارع العراقي ضده وإرسال رسالة مفادها: ما زالت لدينا أوراق لعب ضدك في حال لم تنصاع لسياستنا.. وقد اختارت بعناية ورقة عوائل وذوي شهداء العمليات الإرهابية سواء كانوا من القوات الأمنية العراقية أو المدنيين.
"تجنيد" وفد من عوائل المقاتلين الإيرانيين الذين قتلوا خلال المعارك ضد تنظيم داعش في العراق وإرسالهم للقاء السوداني يوم الخميس 16 آذار 2023، برعاية ومباركة رئيس مؤسسة الشهداء العراقية عبد الإله النائلي، وهو أحد رجالات زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أمر غير مبرر ولا يليق بدولة كإيران "تناطح" الولايات المتحدة الأميركية وتعد نفسها منافساً وسداً منيعاً ضد السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، لا يليق بهذه الدولة ونظامها الحاكم أن تظهر بمظهر "المستجدي" للعطف أو "المكرمات" المالية لعوائل مقاتلين تطوعوا بكامل إرادتهم لمقاتلة داعش في العراق وسوريا، رغم أننا لم نرَ وفداً من عوائل هؤلاء الشهداء ذهبوا إلى دمشق للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد لاستدرار عطفه وكرمه "الشحيح"، وهذا ما يثير سؤالاً في غاية الأهمية، لماذا أرسلت إيران أو – إذا فترضنا جدلاً أن عوائل الشهداء هم أصحاب مبادرة لقاء السوداني- لماذا وافق النظام الإيراني على هذا "الاستجداء"؟.
حقيقة لا أجد أي تبرير لهذا التصرف "الصبياني" سوى مبرراً واحداً وهو أن إيران وبعدما استنفدت كل أوراقها الضاغطة لضم السوداني إلى جناحها لم تجد غير ورقة الضغط العاطفي من خلال إثارة مشاعر عوائل شهداء وضحايا الإرهاب العراقيين الذين لم يحصل الكثير منهم لغاية الآن على أي تعويض مادي أو معنوي، لذلك تحاول من خلال إرسال هذا الوفد "الاستجدائي" دفع ذوي الضحايا العراقيين إلى التعبير عن استيائهم وتذمرهم لانتقاد السوداني على "المكرمة" التي أغدقها على عوائل الضحايا الإيرانيين، ولا أستبعد أن تخرج تظاهرة في الأيام المقبلة لذوي الضحايا العراقيين للمطالبة بحقوقهم وحقوق شهدائهم.
بحسب معلومات لا أعرف مدى دقتها يقال إن إيران طالبت برواتب تقاعدية لمقاتليها الذي قتلوا في العراق خلال الحرب ضد داعش وإنها منذ حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كانت تضغط بهذا الاتجاه، وأكرر لا أعرف مدى دقة هذه المعلومة لكنها إن صحت فهي خطوة تضع النظام الإيراني في حرج شديد -إن كان يفهم معنى الحرج- فكما نعرف جميعاً أن المقاتلين الإيرانيين جاءوا إلى العراق "متطوعين" وبكامل إرادتهم -إلا إذا كان النظام الإيراني يكذب في موضوع التطوع-، بالتالي إذا كانوا متطوعين فلماذا تطالب عوائلهم بثمن دمائهم والمفترض أنهم تطوعوا دفاعاً عن "العقيدة"؟.
أدوات إيران في العراق هي الأخرى تحاول بمختلف السبل إحراج السوداني وزجه في مواقف تسبب له الحرج السياسي والشعبي، وبات معلوماً أن أغلب القوى في الإطار التنسيقي الذي رشح السوداني لرئاسة الحكومة في فترة الانسداد السياسي "انقلبت" عليه قبل أن يتم الرجل 100 يوم في حكومته ولم يعد معه مساند سوى طرف واحد من الأطراف، رغم أن هذا الطرف الوحيد يشاع أنه من أكثر الموالين و"الخاضعين للأوامر الإيرانية"، امر يستحق التعجب حقيقة!.
يبدو أن العملية السياسية العراقية بعد توليّ السوداني رئاسة الحكومة انتقلت إلى مرحلة جديدة من التعقيد بحيث أن كل التحليلات يمكن أن تكون صحيحة، وفي الوقت نفسه كلها ممكن أن تكون خاطئة.
في النهاية، لا أوجه رسالة إلى إيران فهي على ما يبدو بلغت من التخبط والانفعال والفوضى الإستراتيجية مرحلة في غاية الحراجة واللا عقلانية -خصوصاً بعد انطلاق الاحتجاجات الشعبية العام الماضي-، لذلك أوجه رسالتي إلى "أدوات إيران" وأقولهم لهم: حقبة "السوط" الإيراني انتهت بالنسبة لكم، كما أن "السوط" الخليجي التركي المرفوع على القوى السنية تكسرت عصاه، وكذلك "السوط" الأميركي الغربي لم يعد مجدياً، بالتالي على الجميع انتهاز فرصة حكومة السوداني للحفاظ على مكتسباتهم وإلا فإن طوفاناً جرافاً ينتظركم جميعاً، أنها حكومة الفرصة الأخيرة للجميع.